الانقلاب على الديمقراطية لم يعد في عصرنا الحديث بالضرورة مشهدا صاخبا تصاحبه دبابات في الشوارع وبيان عسكري رقم (1)، بل صار يأخذ شكلاً أكثر نعومة وأشد خطورة، يبدأ ببطء ويتسلل إلى مؤسسات الدولة حتى يفرغها من مضمونها.
إنه انقلاب أفقي لا يقتحم السلطة دفعة واحدة كما يحدث في الانقلابات العسكرية العمودية، بل يزحف تدريجيًا عبر سلسلة من الخطوات الصغيرة التي تُسوق تحت لافتات براقة مثل الإصلاح وحماية الاستقرار والمصلحة العليا، حماية المكون والمصلحة القومية. هذا الانقلاب يمر عبر القوانين التي تُفصل على مقاس السلطة، والسيطرة على القضاء ليصبح أداة لا حَكم، وإخضاع الإعلام بحيث يتحول إلى بوق دعاية بدلاً من منصة للتعددية، إضافة إلى إعادة هندسة الانتخابات بما يضمن النتائج مسبقاً، وتضييق الخناق على الأحزاب والمجتمع المدني حتى يُفرغ من حيويته ودوره الرقابي.
لكي لا يبدو هذا توصيفا مجردا، تكفي العودة إلى تجارب قريبة؛ ففي المجر، منذ وصول فيكتور أوربان إلى (الحكم، جرى تعديل الدستور والسيطرة على الإعلام وإعادة تشكيل القضاء والدوائر الانتخابية بما يجعل الديمقراطية واجهة شكلية، بينما تُحتكر السلطة فعلياً بيد حزب واحد). وفي (بولندا سلك حزب القانون والعدالة المسار ذاته عبر (إصلاحات) قضائية وإعلامية قلصت استقلالية المؤسسات وأثارت أزمة مع الاتحاد الأوروبي حول احترام سيادة القانون).
أما في أميركا اللاتينية فقد برزت ظاهرة (الانقلابات الدستورية، حيث استخدمت برلمانات ومحاكم شكلها القانوني لإقصاء قادة منتخبين، كما حدث في البرازيل عام 2016 عندما أُقيلت الرئيسة ديلما روسيف بتهم مالية اعتبرها كثيرون ذريعة سياسية. أو في باراغواي عام 2012 حين أُطيح بالرئيس فرناندو لوغو خلال محاكمة سريعة لم تستغرق يوما واحدا).
خطورة الانقلاب الأفقي أنه لا يُحدث صدمة مفاجئة، بل يعمل بصمت حتى يعتاد الناس تدريجيًا على غياب الحرية، لتتحول الديمقراطية إلى قشرة فارغة بلا روح. وهنا تكمن المفارقة؛ فبينما يثير الانقلاب العسكري رفضاً ومقاومة، يتسلل الانقلاب الأفقي في ثوب القانون، حتى يُصبح اغتيال الديمقراطية أمراً عادياً لا يُثير ضجيجاً.
سانت ليغو المعدل (١،٧) واستبعاد بعض المرشحين عن الانتخابات البرلمانية وانتخابات المحافظات، وتشريع قانون (حرية التعبير)!!! نخشى أن تكون أدوات انقلابية على الديمقراطية.
ومن هنا تأتي الحاجة إلى يقظة مجتمعية دائمة، لأن الدفاع عن الديمقراطية لا يكون فقط في مواجهة الدبابات، بل أيضا في مواجهة القوانين الملتوية والشعارات المضللة التي قد تفتح الباب لاستبداد جديد يتخفى في ثوب الشرعية.