بعد تأسيس الحزب الشيوعي العراقي في الحادي والثلاثين من آذار/1934، أُوليَت الصحافة الشيوعية دورًا أساسيًا ومهمًا ومؤثرًا، بهدف نشر أفكار الحزب والتواصل والتفاعل مع الجماهير ومنظمات الحزب.
وكانت باكورة هذا النشاط صدور العدد الأول من جريدة "كفاح الشعب" في الثلاثين من تموز عام 1935، أي بعد سنة ونيف من تأسيس الحزب. وللتعبير عن هوية الصحيفة، حملت صفحتها الأولى شعار المطرقة والمنجل وعبارة: "يا عمال العالم اتحدوا".
وبقي هذا الشعار ملازمًا لصحافة الحزب، ومعبرًا عن التصاقها بالطبقة العاملة التي شكلت نواته الفاعلة خلال مسيرته الطويلة. ومن عايش وتفاعل مع الحزب الشيوعي العراقي خلال مسيرته النضالية الطويلة، يدرك بوضوح أن صحافة الحزب شكلت جزءًا أساسيًا في نضاله، إذ كانت الصوت المعبر عن معاناة الشعب العراقي بجميع مكوناته، وفي مقدمتهم الطبقة العاملة، من الظلم والقهر والإفقار الذي مارسته القوى المتحكمة بمصير العراق، بدءًا بالاستعمار، ومرورًا بمن جندوا أنفسهم لتنفيذ سياساته، خاصة الإقطاع المتسلط على الفلاحين، والبرجوازيين الذين جعلوا من أنفسهم وحلفائهم من القوى الرجعية سياطًا لجلد العمال والفلاحين والقوى التقدمية، ووسائل لامتصاص دمائهم.
وبالرجوع إلى مسيرة الحزب الطويلة، نجد أن أسماء الجريدة الناطقة باسم الحزب الشيوعي العراقي قد تغيّرت تبعًا لتعدد المهام في كل مرحلة من مراحل نضاله. فكانت البداية بعنوان "كفاح الشعب" في مرحلة التوعية والنضال الوطني ضد الاستعمار، والسعي لتحقيق حقوق العمال والفلاحين، ثم جاءت تسمية "الشرارة" عام 1940 تجسيدًا لنشر أهداف ومبادئ الحزب والوعي الطبقي في صفوف العمال والفلاحين والطبقة المثقفة.
وفي عام 1943، ومع سعي الحزب للبناء التنظيمي لمنظماته، تم اعتماد اسم "القاعدة"، واستمر هذا العنوان لصحيفة الحزب حتى عام 1956، حيث أصبحت المهمة الرئيسية للحزب وبقية القوى الوطنية هي إسقاط النظام الملكي الرجعي المرتبط بالدول الاستعمارية عبر أحلاف ومعاهدات كرّست لقمع الشعب. وفي هذه المرحلة، تم تبني اسم "اتحاد الشعب" كعنوان للصحيفة المركزية.
واستمرت الصحيفة بالصدور بهذا الاسم حتى تم إغلاقها من قبل حكومة عبد الكريم قاسم عام 1961، مما اضطر الحزب لإصدار جريدة بشكل سري باسم "طريق الشعب"، وهو الاسم الحالي للجريدة.
ومن عايش الحزب الشيوعي العراقي في مسيرته النضالية الطويلة، يدرك بوضوح أن صحافة الحزب كانت تشكل جزءًا أساسيًا ومهمًا وفاعلًا من نشاط الحزب، حيث ساهم معظم رفاق الحزب وعوائلهم وأصدقاؤه في نقل وتوزيع الصحيفة، وبخاصة عندما كانت تصدر بشكل سري. وقد شارك حتى أطفال عوائل الرفاق في هذه المهمة، متحدّين بذلك العديد من المخاطر لإيصال الجريدة إلى أكبر عدد من المواطنين.
ولي ذكريات شخصية مع جريدة "طريق الشعب" خلال الفترة السابقة لانهيار الجبهة الوطنية؛ فقد كنت حينها منسبًا للعمل في المكتب المهني المركزي ممثلًا للقطاع الصحي. وكانت الجريدة تصدر صفحة أسبوعية عن الخدمات الصحية، وقد تم تكليفي بالإشراف على المواضيع المنشورة في هذه الصفحة. وكانت إدارة الجريدة آنذاك تقع في شارع السعدون، وكانت الصفحة تصدر كل يوم أربعاء، حسب ما أتذكر. وكنت أزور إدارة الجريدة كل يوم ثلاثاء لتسلُّم المواضيع المرشحة للنشر، من أجل مراجعتها وبيان الملاحظات إن وُجدت. وبسبب قساوة الظروف آنذاك، كانت المواضيع الواردة غير كافية لاستكمال الصفحة، فكنت أقوم بتحرير مواضيع صحية لاستكمال العدد.
وفي المهرجان الثالث لجريدة طريق الشعب، تم تكريمي بجائزة هادي المهدي لحرية التعبير، تقديرًا لمساهماتي في النشر ضمن هذا المجال.
ومن بين الصحف المهمة التي أصدرها الحزب أيضًا، صحيفة "الفكر الجديد"، التي تم الترخيص بإصدارها في 18 أيلول 1972. وهي صحيفة ثقافية كانت تصدر أسبوعيًا باللغتين العربية والكردية. وبعد عام من صدورها باللغة العربية، استمرت بالصدور باللغة الكردية فقط، بعد أن استأنفت جريدة طريق الشعب صدورها. ثم عادت "الفكر الجديد" إلى الصدور باللغتين في 18 آب 1975، إلى أن توقفت في أوائل عام 1979 بعد تشديد الحصار على صحافة الحزب.
ومن الذكريات التي أحتفظ بها مع صحيفة "الفكر الجديد"، أنني في عام 1973، كنت طالبًا في الجامعة المستنصرية، وأُعلن عن احتفالية في القاعة الرئيسية للجامعة بمناسبة يوم الطالب العربي. حضرت الاحتفالية، وفي الوقت المقرر، دخل القاعة صدام حسين، نائب رئيس مجلس قيادة الثورة آنذاك، وألقى كلمة قصيرة، ثم تم توزيع قصاصات ورقية على الحضور لتثبيت الأسئلة التي ستُطرح عليه.
وبعد استلامه للقصاصات، قال: "من منكم لم يُتح له تسجيل سؤال ويريد طرحه مباشرة؟". فرفعت يدي، وكنت أول من أُذن له بالكلام، وقلت له:
"سيادة النائب، من المعروف أن العراق يسير في النهج الاشتراكي، وتربطه بالاتحاد السوفيتي معاهدة للصداقة والتعاون، إلا أن بعض التدريسيين في الجامعة يتهجمون على الفكر الاشتراكي والاتحاد السوفييتي. فهل لدى قيادة الثورة خطة لاستئصال هذه العناصر المعادية للثورة؟"
فأجاب: "لا نتفق مع الطريقة التي طرح بها السائل الموضوع، ولكننا لن نسمح للفكر البرجوازي بالتسلل إلى التعليم العالي."
وعند صدور العدد اللاحق من جريدة "الفكر الجديد"، نوّهت الجريدة إلى الاجتماع، وكان العنوان الرئيسي:
"السيد النائب: لن نسمح للفكر البرجوازي في التعليم العالي"، مع تفضيل الموضوع.
ومن المفيد الإشارة إلى أنه سبق أن صدرت صحف فرعية عن الحزب لتغطية نشاطات محددة، منها جريدة "اتحاد الأمل" التي صدرت عام 1955، وركّزت على القضايا الزراعية.
ولا يفوتنا أن نتطرق إلى مجلة "الثقافة الجديدة"، التي صدرت لأول مرة عام 1953، وبعد توقفها لعدة سنوات، عادت للصدور، وهي مستمرة حتى اليوم، محافظة على بعدها اليساري والماركسي والنقدي.
لقد كانت صحافة الحزب، وعلى الدوام، تمثل المادة الأساسية في الجانب الثقافي ضمن اجتماعات منظمات الحزب الدورية.