يحتفل الشيوعيون العراقيون وأنصارهم ومحبوهم في الحادي والثلاثين من آذار هذا العام، بالذكرى الحادية والتسعين لميلاد حزبنا المجيد الذي قدم خلال مسيرته النضالية آلاف الشهداء من بناته وأبنائه، وتعرض الآلاف من كوادره إلى أقصى صنوف الظلم والاضطهاد، مما جعله يحمل بحق شرف لقب حزب الشهداء والمناضلين.
فمع طلوع ربيع العام 1934، أَلْمَعَ في الأفق العراقي المستيقظ من سبات القرون أملٌ واعد بغدٍ أفضل للملايين المحرومة المتطلعة إلى مكان تحت شمس الزمن الجديد، زمن الحرية والسلام والتقدم والعدالة الاجتماعية. لم يكن طريق الحزب سالكًا وسهلاً أمامه قطعًا، بل كان محفوفًا بالمخاطر وبالتحديات الجسام على طريق النهوض وتحدي الواقع المرير ومن أجل تغييره وبناء العراق الحر. وطيلة تاريخه النضالي الطويل، سعى إلى بلورة مشروع التغيير ونشر قيم التنوير والحداثة والاستقلال، في فترة كان العراق يواجه فيها مهام التحرر الوطني سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا.
لم يعرف الحزب المهادنة والمساومة على حساب الحركة الوطنية، ولم يعرف الموسمية في النضال. وكان دائمًا ولا يزال يربط نضاله بالقضية الوطنية وبمصالح الكادحين من أبناء شعبنا العراقي، بغض النظر عن الانتماء الديني أو الجنس أو القومية أو الأصل أو المعتقد أو الوضع الاقتصادي والاجتماعي.
ولهذا كله، تمتعت كوادره بحب واحتضان الجماهير الشعبية الغفيرة من العمال والفلاحين وفئات الشعب، ووجدت فيه المدافع المستميت عن أهدافها ومصالحها وطموحاتها المقدسة في أوقات المحن والشدائد وفي مختلف الظروف قساوة، حتى بات الأمر حقيقة معروفة للأعداء والأصدقاء معًا وليس للجماهير فحسب.
لقد دافع الحزب في عام 1935، وهو ما زال حديث التأسيس، عن الانتفاضات المسلحة التي قادها الفلاحون في أرياف الفرات وكردستان. كما أصدر في هذه السنة أول جريدة مركزية، (كفاح الشعب)، وهي أول جريدة تُطبع سرًا وتتناول مطالب الشعب وتدافع عنها.
ولعب الرفيق الخالد فهد دورًا بارزًا ليس في توطيد وإعادة بناء الحزب حتى بات يتبوأ طليعة النضال الوطني التحرري لشعبنا، بل وأيضًا في تطوير صحافته وإعلامه، فأشرف على إصدار الشرارة ثم القاعدة، وحول الجريدتين إلى منبر للدفاع عن قضايا الطبقة العاملة والفلاحين والمثقفين الثوريين وعن القضايا الوطنية والمطلبية ومن أجل الاستقلال والسيادة الوطنية والدفاع عن القضايا القومية على الأسس الديمقراطية. وبهذا الصدد، كتب الشهيد الخالد مقالًا في عام 1942، يدعو فيه إلى اتحاد عربي أسماه (اتحاد الشعوب العربية المناضلة في سبيل الديمقراطية والانعتاق من السيطرة الرجعية)، وتميز ببعد نظر مبدئي وطابع عملي في وقت واحد.
وسعى الحزب دومًا إلى تعزيز مكانة القوى الوطنية والثورية وأحزابها كافة تحت شعار (قووا تنظيم حزبكم قووا تنظيم الحركة الوطنية)، وفي عام (1956) انعقد الكونفرنس الثاني تحت شعار (في سبيل تحررنا الوطني والقومي)، وكان الحزب من أولويات أهدافه إقامة جبهة الاتحاد الوطني التي ساهمت مساهمة فاعلة في قيام ثورة الرابع عشر من تموز 1958.
كما لعب الحزب دورًا مهمًا في الريف وتبنى مطالب الفلاحين وصاغها بشعارات مطلبية واضحة ومفهومة لهم، وتمكن من تعبئة قوى الريف للمساهمة في الثورة والدفاع عن مكاسبها، فأصبح الحزب بهذا المنظم والمعبئ للحركات الفلاحية بعموم العراق.
واكتسب الحزب خبرة نضالية في العمل بين الفلاحين مكنته من وضع شعارات مناسبة يدركها الفلاحون وتمثل مصالحهم.
وعند صدور بيان اللجنة العليا لتأسيس جبهة الاتحاد الوطني، بادر الشيوعيون في تشكيل الوفود لمخاطبة الشخصيات العراقية الكبيرة والمؤثرة في الوسط الجماهيري والاجتماعي، والذين لديهم نزعات وطنية معادية للاحتلال وضد النظام الملكي العميل، وحثهم على الاصطفاف مع القوى الوطنية. وقد وجهت جريدة الحزب (اتحاد الشعب) النداء الآتي: (أيها المواطن الغيور، بادر بنفسك دون أن تنتظر إيعازًا إلى الاتصال بأبناء محلتك أو قريتك أو العاملين معك في محلك أو في السوق أو العمل في المؤسسة التي أنت فيها أو بأبناء مهنتك أو المقربين منك بصرف النظر عن معتقداتهم القومية والدينية لتكوين لجنة وطنية تتصل بالجماهير وتشرح لها المطالب الوطنية الكبرى التي أعلنها بيان (جبهة الاتحاد الوطني).
ومنذ اليوم الأول لثورة الرابع عشر من تموز، كان الحزب الشيوعي العراقي من أوائل المؤيدين والمهنئين بثورة الجيش والشعب، وبعث الشهيد الخالد سلام عادل ببرقية تهنئة ودعم للثورة، وأصدر الحزب بيانًا جاء فيه: (إن ثقتنا لا حدود لها بقوى شعبنا العراقي الأبي الزاخر بعربه وأكراده، بعماله وفلاحيه وكافة جماهيره الشعبية الباسلة وبقوى جيشه المغوار وبقدرة هذا الشعب الأبي المجاهد على الوقوف كرجل واحد لرد كل معتد أثيم وكل باغ لئيم).
وفي شباط الأسود 1963، تعرض الشيوعيون إلى هجمة بربرية شعواء راح ضحيتها أكثر من عشرة آلاف شهيد من قيادات وكوادر الحزب، كان في مقدمتهم الشهيد سلام عادل ورفاقه. ولم تخل السنوات التالية من القتل والقمع والترهيب والترويع ضد أبناء شعبنا وطليعته الحزب الشيوعي العراقي، على أيدي الأنظمة التي توالت على حكم العراق. كما خاض الحزب نضالًا لا هوادة فيه ضد النظام الدكتاتوري العميل، وحين سقط بالغزو الأمريكي، أصدر الحزب بيانًا في الخامس من آذار أي قبل الاحتلال جاء فيه: (أبعدوا شبح الحرب، تضامنوا مع الشعب العراقي في سبيل الخلاص من الدكتاتورية وإقامة البديل الديمقراطي)، وكان الحزب رافضًا للحرب باعتبارها الأسوأ والأشد تدميرًا.
وتمر السنون تباعًا ومسيرة حزبنا الشيوعي العراقي تتواصل رغم محاولات الحاقدين والمغرضين ذوي العقول العفنة والحقد الأسود إزاء مسيرته، فها هم الشيوعيون العراقيون بحزبهم العتيد يحتفلون بالذكرى (الحادية والتسعين) وهم يفتخرون بتقديم القرابين والشهداء على مذبح الحرية من خيرة أعضاء وأنصار حزبهم من أجل (وطن حر وشعب سعيد).
كما يتطلع الشيوعيون هذا العام إلى خوض الانتخابات التشريعية القادمة، وقد عقدوا العزم مع القوى الوطنية الشريفة الخيرة التي تنشد التغيير الشامل، على تغيير نظام المحاصصة الطائفية وإزاحتها من مفاصل الدولة، جراء ما سببته من تدهور سياسي واقتصادي واجتماعي، والعمل على تأسيس نظام مدني يقوم على السلام والتسامح وقبول الآخر ويحترم الدستور والقوانين، ويعتمد التداول السلمي للسلطة وحقوق الإنسان ويؤمن الفصل بين السلطات الثلاث ويفصل بينها وبين المؤسسات الدينية والعشائرية.
عاش الحزب الشيوعي العراقي نصير العمال والفلاحين وشغيلة اليد والفكر.
عاشت الذكرى الحادية والتسعون لميلاد حزب الفقراء والمساكين. وكل عام والحزب الشيوعي ورفاقه المناضلون بألف خير.