اخر الاخبار

يتطلب تعزيز الأمن الغذائي حشد كافة الجهود للاعتماد على الذات وخدمةً للقطاع الزراعي، وستكون المديرية بمثابة الموجه الزراعي لكيفية إنتاج المحاصيل الزراعية في مواسم محددة، ليُصار بعد ذلك إلى تخزينها في مخازن مبردة، ومن ثم تسويقها في مواسم الشحة، وأيضًا في حالات توفرها لمدّ المصانع الغذائية بحاجتها. وهي ضمانة لاستمرار الإنتاج في القطاع الزراعي وتحقيق الاكتفاء الذاتي لبعض المنتجات الأساسية الزراعية، وخاصة في الأوقات التي تشهد فيها بعض المنتجات الرئيسية من الخضر والفواكه ارتفاعًا متزايدًا في كمية الإنتاج، مما يؤثر سلبًا على أسعارها.

هنا يأتي دور المديرية العامة لتسويق الفواكه والخضر، وفروعها المنتشرة في عموم المحافظات، في إدارة الإنتاج المحلي الذي يحتاج إلى المزيد من منافذ التسويق، ضمن آليات تضمن حماية المنتج الوطني وتوفيره باستدامة مناطقية في الأسواق، ومن بين يدي المستهلك. وتسعى أيضًا إلى إدخال التقنيات الزراعية الحديثة، مع الاستفادة من التجارب الإقليمية والدولية، وتقليص حلقات البيع، وصولًا إلى أسعار عادلة تحقق المصلحة للجميع، وخاصة لمنتجي هذه المحاصيل الزراعية.

يُعد القطاع الزراعي من أكثر القطاعات الاقتصادية التي تعاني من تقلبات سعرية كبيرة، أدت وتؤدي إلى إلحاق الضرر بكافة أطراف المعادلة الإنتاجية، نتيجة تكبّد خسائر فادحة خلال المواسم الزراعية المختلفة، بسبب ضعف التسويق، وزيادة المنتج الوطني، وعدم عدالة الأسعار مقارنة بالكلف الباهظة التي يصرفها الفلاح والمزارع لإدامة إنتاجه.

إن حماية المنتج الوطني من الخضر والفواكه تكون من خلال تنويع الأسواق، ورفع جودة المنتج الوطني، وتقليل تكلفة إنتاجه، وتشجيع وترغيب المواطن على شرائه، وإعطائه الأفضلية في المشتريات الحكومية والمصانع الغذائية، بالإضافة إلى ضرورة فرض رسوم كمركية على السلع المماثلة للمنتج الوطني والتي لها بديل محلي. وتتمثل الإغاثة الزراعية في دعم المنتج الوطني من خلال مجموعة من البرامج المتنوعة، منها الإرشاد الزراعي، والتصنيع الغذائي، والتسويق الزراعي، ويُضاف إلى ذلك صمود المزارعين والفلاحين، وحماية سبل عيشهم، وتطوير البيئة التحتية، وصيانة الموارد الطبيعية، وتعزيز تنظيمات المزارعين والفلاحين ومنها التعاونيات الزراعية، وتحسين بيئة الشراكة مع القطاع الخاص، والاهتمام بالشباب المنتجين في الحقل الزراعي، بالإضافة إلى تعزيز حصة المنتج الوطني في السوق المحلية، وحمايته من المنتجات المستوردة، وأيضًا توفير السلع الزراعية للصناعة الغذائية المحلية وتوسيع آفاقها لزيادة نسب التشغيل، ورفع معدل العائد في الناتج المحلي الإجمالي.

إن المستهلك لهذه المحاصيل الزراعية اليومية يريد الحصول على منتج ذي جودة مقبولة وبسعر مناسب، ولا يهمه مصدر هذا المنتج أو السلعة الزراعية، بينما يسعى التاجر إلى البحث، داخل الوطن أو خارجه، عن سلعة مقبولة وذات كلفة قليلة بالنسبة لسعرها وظروف نقلها وتخزينها وضمان حرية وسلامة تسويقها. ومن خلال هذه العلاقة الجدلية، على وزارة الزراعة والحكومة الوطنية إيجاد حلول خلاقة لها بالغ الأثر على تطوير القطاع الزراعي، وخاصة تسويق الفواكه والخضر، من خلال إصدار قرار تأسيس المديرية العامة لتسويق الفواكه والخضر وفروعها في كافة المحافظات، كما كانت متواجدة قبل التغيير في عام 2003، حيث تستقبل هذه المديرية العامة وفروعها المنتج الوطني من الفواكه والخضر، وبأسعار مناسبة، توفر المورد الوافي لاستمرار إنتاجها من قبل المزارع والفلاح، وتوفير المخازن المبردة لحماية المنتج الوطني في أوقات الوفرة، وعرضها في أوقات الشحة. وأيضًا يمكن الاستفادة من وفرتها في التصنيع الغذائي، وفتح أسواق جديدة لتصريفها.

ومن أهداف التسويق الزراعي: تركيز الإنتاج وتجميعه في الأسواق المحلية، ومن ثم الأسواق المركزية، بهدف القيام بالوظائف التسويقية اللازمة لنقل السلع إلى مراكز الاستهلاك، للموازنة بين العرض والطلب، والتحكم في العرض حتى يتوافق مع الطلب من حيث الزمن والكمية والنوع والسعر. إن آلية التسويق الزراعي لا تتوقف عند توفير المحاصيل الزراعية، بل تُعد أهمية اقتصادية تسهم في تعزيز الأمن الغذائي للبلد، وضمان استقراره الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، لذلك من الضروري الارتقاء بالعمل التسويقي، وبالتعاون مع الاتحاد العام للجمعيات الفلاحية، لأنها حلقة الوصل المهمة في هذه السلسلة الإنتاجية.

ولتحقيق كل هذه المتطلبات، يجب على الحكومة ووزارة الزراعة أن تعيد إنشاء المديرية العامة لتسويق الخضر والفواكه، لتقوم بكل هذه المهام لصالح المنتج الزراعي وحمايته الوطنية، وتوفر للمزارع والفلاح المردود المالي المناسب لاستمرار إنتاجه من هذه المحاصيل اليومية الاستهلاك.

نحن نعلم أن هناك مراكز لتسويق المحاصيل الحقلية من حنطة وشعير ورز وذرة صفراء، معمول بها منذ زمن بعيد، وتوفر السايلوات والمخازن المناسبة لخزنها وعرضها في السوق في الوقت المناسب، لكن المنتجات الزراعية القابلة للتلف سريعًا، كالفواكه والخضر وتقاوي البطاطا، تفتقر إلى ذلك في الوقت الحاضر، وخاصة بعد التغيير في عام 2003 ولحد الآن، حيث تم إهمال تام للقطاع الزراعي بأكمله، والاعتماد كليًا على توفير السلع الزراعية والغذائية المصنّعة والفواكه والخضر بأنواعها من خلال الاستيراد المفرط من دول الجوار، وعدم حماية المنتج الوطني من المنافسة.

كل هذا أدى إلى هجرة الفلاحين والمزارعين المنتجين للفواكه والخضر إلى المدن، بسبب المنافسة الكبيرة بالأسعار.

ـــــــــــــــــــــــ

*مهندس زراعي استشاري