اخر الاخبار

في الأيام القليلة الماضية، هلكت أعداد كبيرة من الحيوانات (الأبقار والجاموس) في العديد من المحافظات، وتم تشخيص المرض على أنه الحمى القلاعية، وهو مرض فيروسي يصيب الماشية ذات الأظلاف (الجاموس، الأبقار، الأغنام، والخنازير). يسببه فيروس يحتوي على حامض RNA، ما يمنحه القدرة على تغيير تركيبه الوراثي من حين لآخر، فتظهر فصائل جديدة أكثر خطورة تؤدي إلى خسائر فادحة في الإنتاج الحيواني.

للمرض سبعة أنواع مصلية (A – B – C – SAT1 – SAT2 – SAT3 – ASIE1)، وهو معروف منذ عام 1897م، حيث أثبت فريدريك لوفلر أن الحمى القلاعية ذات أصل فيروسي. ينتشر المرض على نطاق عالمي، لكن بعض الدول استطاعت القضاء عليه نهائيًا.

أعراض المرض

تشمل أعراض الحمى القلاعية ارتفاعًا شديدًا في درجة الحرارة يستمر لثلاثة إلى أربعة أيام، ثم ينخفض ليصاحبه ظهور بثور في الفم تؤدي إلى سيلان مفرط للعاب، إضافةً إلى ظهور بثور على القدمين بين الأظلاف، مما يسبب العرج. كما يؤدي إلى فقدان الوزن، وانخفاض إنتاج الحليب، وقد يتسبب في هلاك الحيوانات الصغيرة.

أهمية الصحة الحيوانية

إن انتشار هذا المرض، وما يسببه من خسائر اقتصادية كبيرة، إضافة إلى تفشي أمراض أخرى مثل الحمى النزفية، التي تعدّ مرضًا خطيرًا ينتقل من الحيوان إلى الإنسان، يستوجب دراسة واقع الصحة الحيوانية في العراق، ودور المؤسسات البيطرية في التصدي للأمراض الوبائية والانتقالية، وكذلك مسؤولية الدولة في هذا الشأن.

تراجع منظومة الصحة الحيوانية

في أعوام 2005 وما بعدها، كنتُ أعمل في أحد المستشفيات البيطرية، حيث كانت الدوائر البيطرية تركز على الرصد الوبائي بالتنسيق مع منظمة الأغذية والزراعة (FAO). تم حينها تشكيل شعب وبائية في المستشفيات البيطرية، وشراء الأجهزة اللازمة، وإرسال الكوادر إلى الخارج للتدريب. كانت هذه الشعب تدرس الأمراض الخطيرة، وتتخذ الإجراءات المناسبة فورًا بالتنسيق مع الجهات المختصة، مثل فرض الحجر الصحي في مناطق الإصابة، أو منع انتقال الحيوانات، أو حتى إعدام الحيوانات المصابة، كما حدث خلال انتشار إنفلونزا الطيور. كما كان يتم تنفيذ حملات تلقيح واسعة تبدأ من المناطق المحيطة بالبؤر المرضية.

إلا أن هذا النهج لم يستمر طويلًا، حيث تراجع العمل في الشعب الوبائية بسبب نقص الكوادر، وإهمال الدولة لقطاع الثروة الحيوانية. فمنذ عام 1989، لم يتم تعيين أطباء بيطريين إلا بأعداد محدودة جدًا، وفي السنوات الأخيرة، أُغلقت بعض المستوصفات البيطرية بسبب نقص الكادر، بينما يعمل بعضها الآخر بطبيب واحد أو اثنين فقط.

تأثير الصحة الحيوانية على الإنسان

للصحة الحيوانية بعدان رئيسيان:

  1. الجانب الاقتصادي: لما للثروة الحيوانية من دور أساسي في دعم الاقتصاد الوطني.
  2. الجانب الصحي: هناك مئات الأمراض المشتركة بين الإنسان والحيوان، والتي تنتقل بطرق مختلفة، وكثير منها خطير للغاية. لذا، فإن الاهتمام بالصحة الحيوانية يُعدّ الخط الدفاعي الأول لحماية صحة الإنسان.

ورغم أهمية هذا القطاع، إلا أن السلطة أهملته إهمالًا تامًا، إما عن قصد أو بسبب سوء الفهم لأهمية هذا المجال.

توصيات للنهوض بواقع الصحة الحيوانية

  1. تطبيق قانون التدرّج الطبي البيطري، لرفد المؤسسات البيطرية بالكوادر المدربة.
  2. إعادة تفعيل الرصد الوبائي، وتوفير مستلزماته، وتدريب الكوادر البيطرية بشكل مستمر.
  3. إنشاء مختبرات تشخيصية في كل محافظة، وتجهيزها بأحدث الأجهزة، وتوفير الكوادر المختصة.
  4. توفير الأدوية واللقاحات من شركات عالمية معروفة، وقصر استيرادها على مديرية البيطرة، مع حصر التلقيح بالمؤسسات البيطرية الرسمية، وتشديد الرقابة على الأدوية المستوردة من قبل القطاع الخاص.
  5. ضمان توفر الأدوية واللقاحات البيطرية في المستشفيات والمستوصفات البيطرية، وتجهيزها بأحدث المعدات.
  6. إصدار قانون لتعويض أصحاب المواشي في حالة إتلاف الحيوانات المصابة ضمن بؤر المرض، لضمان التزام المربين بالإجراءات الوقائية.
  7. فرض رقابة مشددة على دخول الحيوانات ومنتجاتها، وإخضاعها للحجر الصحي لحين التأكد من خلوها من الأمراض.
  8. إنشاء معهد لتدريب الكوادر الوسطية البيطرية، لضمان وجود كوادر مؤهلة لدعم العمل البيطري في البلاد.

ختامًا، إن الاهتمام بالصحة الحيوانية ضرورة لا يمكن إغفالها، ليس فقط لحماية الثروة الحيوانية، بل لضمان الأمن الصحي والاقتصادي للبلاد.

عرض مقالات: