اخر الاخبار

هناك أربع جبهات للنضال من أجل التحرر الوطني الحقيقي ونيل الحرية بكامل معانيها وتفاصيلها:

1- التحرر من الوجود الأجنبي بكل أشكاله وصوره ومصادره.

2- التحرر من أنظمة الحكم الفاسدة العميلة والدكتاتورية القمعية.

3- التحرر من الثقافة والفكر المضادين لحرية الإنسان وحقوقه وكرامته.

4- التحرر الذاتي الداخلي من الخوف والخرافة والتبعية والضعف والانكسار الداخلي والقلق.

إن أولى المعاني التي نفهمها للحرية هي التخلص من القيود التي تكبل الإنسان/ الدولة/ المجتمع أو أية ظاهرة والانطلاق من حالة الخنوع تحت القيود إلى حالة أخرى تختفي فيها القيود تماما وتحل محلها قدرات الإنسان/ الدولة/ المجتمع/ وكل ظاهرة أخرى، على تقرير مصيره بنفسه وتحديد خياراته ومستقبله بالسبل المتاحة والتي يراها مناسبة.

والعمل على نيل الحرية لا يأتي بقرار فوقي من عند أي طرف أو جهة معينة، قبل أن يكون شعورا داخليا لدى الإنسان نفسه بحقه في التحرر والتخلص من أي شكل من أشكال العبودية والتبعية، ووعيا متكاملا بلا قانونية ولا طبيعية وجود القيود وأثقالها على اليدين والأعناق بشتى الأشكال المادية الفعلية أو المعنوية ، وقبل أن يكون شعورا عميقا بآدمية الإنسان وتمام كيانه كبشر متساوٍ مع الآخرين في كل شيء لاسيما في الحقوق والواجبات.

في اللحظة التي يشعر الإنسان أنه متساوٍ مع الآخر، سيلتفت إلى أغلاله، وفي اللحظة التي يعي معاني هذه الأغلال ويكتشفها ويكتشف من جهة أخرى آدميته، سيتوصل حتماً إلى فكرة حقوقه التي لا ينبغي أن تختلف أبدا عن حقوق الآخرين مهما علا شأنهم، وهذه الفكرة ستقود حتما إلى قناعة بضرورة العمل على نيل هذه الحقوق والتحرر من التبعية والعبودية.

لكن هذه القناعة لا تدفع إلى العمل من أجل التحرر إلا إذا اتسمت بعنصر القوة. القناعة يمكن أن تكون موجودة لكنها غير فاعلة لأنها خاملة غير منتجة تماما مثل قناعة آلاف الناس بفساد الوضع الفلاني لكن لا تتوفر لديهم القدرة على التغيير بسبب هشاشة قناعتهم هذه وعدم فاعليتها.

ولكي تكون هذه القناعة فاعلة ينبغي أن تتحول إلى إيمان. وفي اللحظة التي تكون القناعة إيمانا سيكون هناك فعل يرمي إلى تحويل هذا الإيمان إلى تطبيق. تماما مثل الشعائر والطقوس الدينية التي ما كان لها أن تظهر على الواقع في ممارسات المؤمنين لو لم يكن الإيمان لديهم قد وصل مستوىً يدفعهم إلى التطبيق العملي لهذه الشعائر والطقوس والتي هي في الحقيقة ليست سوى الوجه المباشر للعقيدة والإيمان بها.

أهم شروط التحرر إذن هو القناعة بضرورة التحرر والإيمان بالحرية كحق طبيعي لكل إنسان ثم تحويل هذا الإيمان إلى عمل وممارسة فعلية

السؤال إذن: كيف نتحرر؟

بعضهم يجد أن من الضروري أولا أن تتحرر البلدان من الوجود الأجنبي الذي يعمل على تجهيل الناس واستغلالهم وغرس الأفكار الخرافية في أذهانهم التي تقود إلى قناعة بشرعية وجوده وضرورة الاستسلام له كونه قدراً سماوياً ومنقذ الناس وملهم الفكر وما الى ذلك. وبعد التحرر من الأجنبي تبدأ في نظر هؤلاء السادة رحلة التحرر من النظام السياسي الذي يتركه خلفه المحتل المطرود ليواصل استغلاله للبلاد وخيراتها. ومن ثم تكون هناك مهمة التحرر من ثقافة الفكر الخرافي الذي مارسته السلطات التابعة للمحتل المطرود لتمرير غاياتها في البقاء بالسلطة لا سيما أنها تواصل عملية الفساد المدمر الذي بدأه سيدها الأجنبي المطرود.

في رأيي أن الأمر ينبغي ان يكون معكوسا تماماً.

فالحرية التامة والحقيقية تبدأ من تحرير الذات الإنسانية للفرد بمحاربة الثقافة الخرافية الاستسلامية التي ترتبط بمبدأ العبودية كصيغة للوجود والتي ينقسم معها الناس إلى سيد وعبد/ سادة وعبيد بالرغم من أن هؤلاء العبيد هم من نفس دين ومذهب وحتى قبيلة هؤلاء السادة. الأمر بحاجة إلى مراجعة عميقة لهذا الواقع الذي يسمح بوجود التخلف والذي يسمح بدوره بوجود التبعية والعبودية ويرسخها بمرور الزمن حتى تصبح جزءاً أساسياً من مكونات شخصية المواطن ويصار إلى تناقله عبر الأجيال.

نحن نستهدف جذور هذه الثقافة ومعانيها التخريبية بأساليب علمية حضارية حديثة منها مكافحة الأمية عبر شتى المواقع المباشرة وغير المباشرة وإلزام كل مواطن لا يجيد القراءة والكتابة بتعلمهما ومنع الأطفال من التسيب من المدارس وتحميل الإدارات المعنية مسؤولية متابعة ذلك وصولا إلى العائلات. وستسهم وسائل الإعلام كافة بهذه المهمة الإنسانية والوطنية وكذلك مواقع التواصل الاجتماعي وتشمل الخطط برامج الثقافة العامة عبر المراكز الثقافية التي ينبغي أن تنتشر في كل أقضية ونواحي البلاد. لكن هناك آفة أخرى وهي الثقافة الخرافية وغير العلمية ولا الواقعية. وتلك لا يمكن أبدا معالجتها فقط بالمكافحة التقليدية للأمية إنما يقتضي الأمر معالجتها بأساليب أخرى من بينها إقامة علاقات تبادل علمي وثقافي مع البلدان المتطورة، ومن الضروري التفكير بجدية بمشروع قيام الدولة أو المنظمات أو حتى الأفراد بإرسال مئات من الطلبة والشباب إلى بلدان العالم المتحضر لغرض المشاهدة أو كما تسمى أحيانا بالمعايشة ولبضعة شهور كي يرى هؤلاء المرسلون نمط الحياة العملي والتفكير الواقعي والتطور العلمي وينقلونها إلى بلادنا كتجارب متقدمة.

لكن لا يمكن القيام بذلك في ظل أنظمة مرتبطة بدول أخرى تملي عليها سياساتها ومواقفها فتمس سيادتها واستقلالها. ولا يمكن أبدا التفكير أصلا بحرية مجتمعية في ظل حكومات وأنظمة تخضع لقوى احتلال أو وجود عسكري أو سياسي لدول أخرى. لا ينبغي أبدا تأجيل العمل من أجل هدف التحرر الذاتي للإنسان إلى ما بعد تحرير البلاد من الوجود الأجنبي ومن الأنظمة العميلة والدكتاتورية. بل يجب ويجب مرة أخرى ضم جهود التحرير الذاتي إلى برنامج العمل الوطني كله الهادف إلى التحرير الشامل للوطن بكامل المعاني الكامنة في كلمة الحرية. لا يمكن أبدا مقارعة العدو بجيش من مقاتلين أميين أو أنصاف أميين أو لا يفقهون ماذا يريدون وإلى أين هم سائرون كما تفعل مع الناس الآن أحزاب وأطراف تتلبس الأديان والمذاهب والقوميات والغرض مما يفعلون استمرار تسلطهم وتمرير غاياتهم غير النبيلة. في المجتمع دائما هناك أحزاب وطنية وقوى مجتمعية وإعلام واعٍ ومسؤول وعليهم جميعا تبني فكرة تحرير الإنسان من قيوده سواء أكانت مادية ( المعتقلات والسجون والقمع بكل أشكاله ) أو معنوية ( التبعية وتأليه الشخصيات وكذلك الفكر المتخلف والخرافات والأساطير بمعناها السلبي). هذه القيود ينبغي أن تعني ، لدى الجهات الوطنية ، العبودية ومسخ آدمية الإنسان وعليها أن تولي اهتماما خاصا واستثنائيا لمهم تحرير الفرد كإنسان والمجتمع قبل التفكير بالوصول إلى اهداف أخرى لأن بوجود ثقافة العبودية والتبعية والخنوع والأنفس الكسيرة والمترددة خوفا من أن تتحرر لا يمكن نيل أية غاية وطنية مهما كانت سامية.

 نعم، وبكل تأكيد، بل بإصرار الثوار، ينبغي العمل على تحرير البلاد من كل وجود أجنبي بأي شكل كان هذا الوجود. ومن المعلوم أن الاحتلال بكل أنواعه لا يرغب أبدا في نشر ثقافة وطنية وإنسانية وتحررية لأنها ستقود حتما إلى زعزعة وجوده وبالتالي إنهاؤه بالكامل. لذلك لا يرغب بل لا يسمح (الاحتلال) ولا أنظمته العميلة المرتبطة به بنشر أية ثقافة تحررية من شأنها توعية الناس بضرورة التحرر والتخلص مما يفرضه هذان الخصمان اللدودان على الدولة والمجتمع.

 إذن إن من يحرر البلاد هم المواطنون الأحرار الواعون لمعنى الحرية المتحررون من ثقافة الخنوع والتبعية والذل الساكن في أعماق النفوس والذي تفرضه العبودية.

وكأي نشاط جليل ذي مهمة وطنية عالية المقام فإن تحرير الإنسان لنفسه ودعمه في هذه المهمة المتعالية سيقود إلى أن تنتشر ظاهرة التحرر الواعي والمسؤول في المجتمع ليأخذ دوره هو الآخر في أن يتحرر هو أيضا من القيود التي تفرضها ثقافات متخلفة بالية وعادات غير إنسانية وعلاقات رجعية تعتمد الإقصاء والإلغاء لأدوار المرأة والشباب وأعمال السخرة وفرض كثير من القيود التي تحجم الطاقات وتحول دون توظيفها في البناء والتطور بل تعطيلها وتدميرها لتغدو هي نفسها حائلا دون أية محاولة للتحرر.

إن الحرية نزعة طبيعية كامنة في أعماق الظواهر، ظواهر الكون كلها ومن هنا يأتي التطور الذي يقوم مذهبه أصلا على تمزيق ما هو بالٍ والخروج نحو فضاءٍ جديد. إنها ثورة شاملة لا تستثني مكانا دون آخر لأنها حياة جديدة تتطلع إليها كل الكائنات من طيور وحيوانات وبشر وظواهر طبيعية مادية وغير مادية والوقوف بوجه الحرية يعني وقوفاً ضد قوانين الطبيعة لكنه وقوف لا يقوى أبدا على الصمود أمام تيارات التحرر الذاتية والموضوعية.

ولم تتحرر أية دولة ، طوال تاريخ البشرية ، من الاحتلال دون أن ينهض الشعب كله بجهد فعّال وحاسم في عملية التحرر الوطني. وتحرير الأوطان من براثن الأجنبي المحتل بشكل علني أو مخفي أو يتلاعب بمصير الناس وبمقدرات البلاد من وراء ستار وكما اصطلح عليه بـ "الدولة العميقة" أو "العقل المدبر" من وراء الجدران، هي مهمة لا تتراجع أبدا عن موقعها في صدارة المهام الوطنية الكبرى ولا يمكن أن تغمض عيون الوطنيين الأحرار عنها ولا برامج الأحزاب الوطنية والتقدمية والقوى الديمقراطية. لكن هنا أيضا أقول بعدم إمكانية تحرير البلاد بجيش من الأميين والخانعين لإرادة قيادات أو المستسلمين للواقع القائم باعتباره إرادة ربانية، وفي ظني أن رب البشرية وفي كل الأديان والمذاهب لا يقف حائلا دون حرية الإنسان والأوطان بل كل الأديان تدعو إلى المساواة والتحرر رغم كل ما لدينا من ملاحظات على أداء من يتلبسون الدين غطاءً لأفعالهم غير الدينية. ليس هناك من واقع سيء وغير إنساني ويتنافى مع حقوق الإنسان والأوطان يمكن القبول به على أنه قضاء وقدر. كل الشعوب لها تمام الحق في التحرر الناجز والاستقلال غير المنقوص وتقرير مصيرها على أيادي أبنائها فقط ولها الحق كله في اختيار السبل الممكنة حسب ظروفها في التحرير. تعلمنا تجارب الشعوب دروسا كثيرة وغنية في أساليب التحرر من الاحتلال والتخلص منه ومن عملائه معاً. فهناك الثورة والمقاومة المسلحة وهناك ثورات العصيان المدني وهناك التظاهرات التي لم تتوقف إلا بسقوط المحتل وانسحابه. وفي هذا الصدد صدر لي كتاب في بدايات الاحتلال الأمريكي للعراق عنوانه: "من رأى منكم منكراً" شرحت فيه بالتفاصيل عمليات مقاومة الاحتلال الأجنبي المباشر وأنوي إعادة نشره على حلقات قريبا.

في نهاية المطاف أضع أمام القارئ الكريم هذه الوثائق العالمية المتعلقة بالحرية والمساواة فقد تكون عاملا إضافيا للتذكير:

1- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948) وينص الإعلان على أن "جميع البشر يولدون أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق".

2- اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري (1965) التي تلزم الدول الأعضاء بمنع التمييز العنصري بجميع أشكاله.

3- العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (1966) ويضمن هذا العهد حق جميع الأفراد في أن يكونوا متساوين أمام القانون دون تمييز.

عرض مقالات: