اخر الاخبار

في ظل استمرار خطر توسع الحرب إقليميا، والإصرار الإسرائيلي على ارتكاب مجازر يومية في قطاع غزة، وتكثيف الجيش الإسرائيلي لهجماته في الضفة الغربية، ووقوع العديد من الفلسطينيين ضحية أعمال القتل التي يرتكبها المستوطنون المدعمون من الحكومة وإفلاتهم من العقاب، وفي ظل فشل المفاوضات بشأن وقف الحرب، وظهور الانقسامات الداخلية في إسرائيل التي تعاني من اقتصاد متدهور، أجرت الصحفية جونتايل لينوار من موقع ميديابار حواراً مع المخرج السينمائي والكاتب والمناهض للصهيونية ايال سيفان ونشرته تحت عنوان " كيف يمكن النظر إلى المجتمع الإسرائيلي ضمن هذه المعطيات؟".

س: أنت تعيش في فرنسا ولكنك تذهب باستمرار إلى إسرائيل لزيارة عائلتك، كيف يمكنك أن تصف المجتمع الإسرائيلي اليوم؟

ج: أعتقد أن المجتمع منقسم فعليا؛ فمن جانب هناك شريحة تتحرك بعيداً عن نتنياهو باتجاه الوسط، ومن جانب آخر، فإن انصار نتنياهو بما فيهم اليمين المتطرف وهم من أسميهم "الجهاديون اليهود"، يدفعون باتجاه المزيد من إدخال الدين في هذه الحرب، التي في حقيقتها حرب استعمارية إقليمية، بل أنهم يسعون إلى نهاية العالم؛ فعندما يذهب اينامار بن غفير (الصهيوني المتعصب، وزير الأمن) للصلاة في باحة المسجد الاقصى فهو يحاول إثارة الدول العربية والإسلامية، اما عميحاي الياهو (وزير التراث) فقد قال في نوفمبر 2023، يجب إلقاء قنبلة نووية على غزة، وهذا ما نشر مؤخرا في صحيفة هارتس، اليوم حتى السيناريوهات المروعة أصبحت شائعة ، كل شيء ممكن ومحتمل.

س : ماهي نقاط الانقسام في المجتمع وكيف تصفها؟

ج: يتعلق الانقسام بمكانة المتدينين في مواجهة العلمانيين. لا يوجد انقسام اليوم حول مسألة العنصرية، بل هناك أسئلة حول المؤسسات الديمقراطية وهي نفس الأسئلة التي كانت قبل 7 اكتوبر. ما يسمى بالمعارضة لسياسة نتنياهو ليس لديها أي مقترح بديل لوقف الحرب، لنأخذ مثال المظاهرات الكبيرة التي تخرج يوميا من أجل اطلاق سراح الرهائن وضد سياسة نتنياهو وضد الفساد الأخلاقي لحكومته ولكن لا نجد أي شعار مرفوع لوقف الحرب وهذا يشابه المظاهرات الكبرى التي سبقت 7اكتوبر2023، التي كانت من أجل الدفاع عن الديمقراطية ولكن فقط الديمقراطية اليهودية، التي وضعت القضية الفلسطينية  جانبا، فقط بضع مئات من الإسرائيليين "الكتلة المناهضة للاحتلال" الذين ينتمون إلى مختلف الحركات المناهضة للاستعمار ومنظمات حقوق الانسان، يتحدثون عن المجازر والإبادة الجماعية.

س: حصيلة الحرب على غزة مروعة والضحايا بأعداد كبيرة، كيف يمكن أن نفسر عدم وجود حركة رفض قوية لما يجري؟

ج: الإسرائيليون لا يريدون معرفة ماذا يجري في غزة، هم يقولون ذلك، وعندما نتحدث إلى الناس في الشارع مع سواق التاكسي والبائعين يكررون " أن الفلسطينيين هم من جلبوا ذلك على انفسهم" إنهم يضعون أغطية على أعينهم ولا يريدون معرفة أن جيشهم قتل اكثر من 16000 طفل في غزة ولا يرون عمليات الهدم الجماعية والتعذيب المنهجي وما يحدث في الضفة الغربية (موثق من قبل منظمة ONG الإسرائيلية B ‘’ Tselem)، ويقولون " ليس لدينا ما يكفي من التعاطف مع أنفسنا، لذلك ليس لدينا ما يكفي للآخرين"، هذا ما يقوله جزء من الإسرائيليين.

<< يحلم الإسرائيليون بشكل عام باختفاء الفلسطينيين، ومصيرهم لا يهمهم >>

هناك قسم آخر من الناس العاديين، المعلقون العسكريون، المتخصصون في الشؤون العربية يقولون إذا استمرت هذه الحرب لفترة طويلة بسبب " أننا نقاتل بالقفازات" هذا يعني أن الجيش الإسرائيلي نظيف ويأخذ الاحتياطات اللازمة للحفاظ على المدنيين، القنوات التلفزيونية تتحدث باستمرار عن الرهائن والعمليات العسكرية ولكن بدون إظهار عواقبها. حلم رابين القديم " أحلم بأن أستقيظ ذات يوم وأرى أن البحر ابتلع غزة " هذا الحلم يتقاسمه الإسرائيليون بأن الفلسطينيين سوف يختفون ومصيرهم لا يهمهم.

س: وجهت انتقادات شديدة ضد نتيناهو وحكومته، وكانت المؤسسة العسكرية في منأى عن ذلك.

ج: الجزء الاكبر يدعم الجيش رغم أن هذا الجيش فشل في جنوب البلاد، هذا الجيش الذي قيل لنا حتى 7 اكتوبر، إنه الأقوى في المنطقة ومن أقوى جيوش العالم، ولكنه حتى اليوم غير قادر على التغلب على منظمة حماس المسلحة، ولكنها ليست دولة، هذا الجيش لا زال يستفيد من الدعم، فانه يستفيد من دعم الأمهات رغم معرفتهم بذهاب أبنائهم إلى الحرب وماذا يفعلون في غزة.

س: أدى التصويت على القانون الذي يلزم اليهود المتشددين بأداء الخدمة العسكرية والتي كانوا معفيين منها، أدى إلى اندلاع مظاهرات أدت إلى الخوف من حرب اهلية.

ج: الصحف لا تتكلم عن حرب أهلية وإنما عن حرب بين الأشقاء وهذا ما يكشف عن الطابع القبلي للمجتمع، انا لا اصدق ذلك، واريد أن أشير إلى نقطة مهمة، وهي أن العلمانيين يتهمون المتدينين في هذا القصة ويقولون "لا نريد أن نتحمل عبء الحرب وحدنا وليس من الطبيعي أن نكون وحدنا الجنود والقتلة"، المتدينون يريدون مواصلة الدراسة وعدم الالتحاق بالجيش. أذا كنا نعارض هذه الحرب فإن المتشددين هم الذين يجب دعمهم.

س: كيف تفاعل الإسرائيليون مع طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في إصدار أوامر اعتقال نتنياهو، رئيس الوزراء ويواف غالانت وزير الدفاع وكذلك حكم محكمة العدل الدولية بشأن الاحتلال؟

ج: إن أغلبية المجتمع الإسرائيلي بما في ذلك الفئة الصالحة، حسب تعبير حنه أرندت، تعتبر أن هذا هجوماً عنيفاً ضد إسرائيل. أن البلاد تواجه سياسة الكيل بمكيالين، لأن الدول الإجرامية الأخرى لا تدان، وهذه الفكرة تتمسك بها حتى ما تسمى بالمعارضة الإسرائيلية، بمجرد إصدار المدعي العام أوامر الاعتقال سارع يائير لابيد، المعارض وممثل الطبقة الوسطى إلى دعم عدوه الاكبر نتنياهو، مدعيا أن هذا عدوان معاد للسامية ضد إسرائيل.

س: ألا يخشى الإسرائيليون أن تتعرض بلادهم للعقوبات؟

ج: لا، بالنسبة للإسرائيليين، المجتمع الدولي منقسم إلى قسمين، من ناحية أمريكا، وناحية اخرى أوروبا المعادية للسامية. طالما أن أمريكا تقف إلى جانبنا، فنحن آمنون، وفي الواقع لدى الإسرائيليين قناعة راسخة عن علم، لأن الماضي أثبت ذلك، كل قرارات الامم المتحدة المتعلقة بالاحتلال وبناء المستوطنات وكل التصريحات الادانة لم تؤد إلى اي شيء.

<<خلال هذه المدة أحد عشر شهرا مضت، كان هناك تدريب وتعليم للمجتمع لقبول كل الرعب >>

الإسرائيليون مقتنعون هنا مرة اخرى لن تؤدي إلى شيء، فالحقائق تثبت صحة كلامهم حيث يستمر وصول المعدات العسكرية وتستمر حملات القمع في الضفة الغربية وبناء المستوطنات مع استمرار الدمار الهائل في غزة وقصف الجنوب اللبناني، ولا شيء يحدث لإيقاف ذلك.

س: ما الذي يمكن أن يغير الرأي العام الإسرائيلي؟

ج: هناك فعلان: الاول استمرار الضغط من جانب شركات الائتمان الدولية، هذا سوف يؤثر على الاقتصاد الحقيقي، هروب الشركات ونقص الاستثمار، وقد قلت سابقا، طالما أن الإسرائيلي العادي لا يشعر بأن امتيازاته مقيدة، فلن يتغير شيء. إذا تم تعليق اتفاقية الشراكة بين أوروبا وإسرائيل باسم المادة 2، "اعتداء خطير على حقوق الانسان" فإن جميع المستفيدين من التخفيضات الضريبة، والرحلات الجوية إلى الخارج سوف يتأثرون عندما تتم ادانة او اعتقال الجنود الإسرائيليين مزدوجي الجنسية او عندما لا يستطيعون التسجيل في جامعة انكليزية، على سبيل المثال، فإن الامور سوف تتغير. نحن بحاجة إلى علامة قوية تشير إلى أننا تجاوزنا الكلمات والسخط والتحذير إلى العمل الفعلي، فلا يتغير شيء. عندما كنا اطفال، كنا نغني أغنية علمنا إياها اباؤنا واجدادنا، نردد فيها << العالم كله ضدنا ...العالم كله ضدنا.. إلى آخر جملة.. العالم كله ضدنا ونحن لا نهتم >>.

س: كيف يمكن وصف ما أصبحت عليه إسرائيل بعد 7 اكتوبر 2023؟

ج: كما ذكرت سابقا، هناك تدريب على قبول الرعب، المجتمع الإسرائيلي لا يهتم بغزة، سواء كان هناك 10, 15,40, او 180000 ألف قتيل، كما تقول مجلة لانسيت، أن الفكرة الرهيبة لديهم هو موت الرهائن بسبب القصف الإسرائيلي او موت الجنود كل يوم وإلى أي مدى يتحملون النزوح الداخلي؟

شمال إسرائيل تحول إلى منطقة حرب، عدد كبير من السجناء الفلسطينيين يموتون في السجون، سابقا كان موت سجين واحد يؤدي إلى إضراب الضفة الغربية بالكامل، الآن لا يحدث شيء وعليه إسرائيل مستمرة في سياستها، ومن عجيب المفارقات، أن إسرائيل تسير في طريق الاندماج في الشرق الاوسط، وهذه الدول الشرق اوسطية مدعومة من الغرب وخاصة امريكا من أجل مصالحها التجارية. إسرائيل مثل الدول الاخرى، نظام عسكري ثيوقراطي موجه نحو الأعمال التجارية حيث الاستثمار الاساسي في الجيش وهو بلد فيه فجوات هائلة بين الأغنياء والفقراء ويتمتع بثروات كبيرة والعديد من أصوله وأمواله استثمارات في الخارج، لقد اصبحت إسرائيل مجتمعا ثنائي الجنسية، أي برجوازية ثنائية الجنسية لديها امكانيات اختيار المغادرة، وفعلا بدوا بأرسال أبنائهم إلى الخارج لأن النظام الجامعي الوطني ينهار مع أقلية فلسطينية من مواطني دولة إسرائيل، تعاني بالكامل من الخوف وفي منطقة خارجة عن القانون، نفعل ما نريد.