بعد ان كانت حالة الانكار لسنوات طويلة لموضوع حصول الإخفاء القسري من قبل السلطتين التنفيذية والتشريعية حيث كانوا يطلقوا عليهم المفقودين.
قام مجلس الوزراء مؤخراً بإحالة مشروع (قانون مكافحة الإخفاء القسري) إلى مجلس النواب لغرض تشريعه. ويتكون المشروع من (إحدى وعشرون مادة) موزعة على ثمانية فصول هي (التعاريف، التأسيس، الاهداف، الحصول على المعلومات، الاجبار على الإخفاء القسري، تقفي أثر المخفي قسرياً، نبش مكان الدفن، العقوبات، واخيرا ً أحكام عامة وختامية).
وتضمنت الأسباب الموجبة للمشروع (بغية تجريم الافعال التي تدخل ضمن تعريف الإخفاء القسري بصورة مستقلة ومعاقبة مرتكبيها بعقوبات تتناسب مع شدة وجسامة هذه الجريمة. (
وكانت المادة (1/1 أولا) من المشروع قد عرفت الإخفاء القسري بأنه (الاعتقال او الاحتجاز او الاختطاف او اي شكل من أشكال الحرمان من الحرية يرتكب من موظفي الدولة او المكلفين بخدمة عامة او أشخاص او مجموعات من الافراد يتصرفون بأذن من الدولة او بدعمها او بموافقتها، ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته او إخفاء مصيره او مكان وجوده مما يحرمه من حماية القانون.) وبحسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر يوجد في العراق أعداد كبيرة من المفقودين وتقدر اللجنة الدولية للمفقودين التي تعمل بالشراكة مع الحكومة العراقية للمساعدة في استرداد المفقودين عدد المفقودين في العراق منذ عام / 2016 يتراوح ما بين مائتين وخمسين ألف ومليون شخص.
وبموجب القانون الدولي لحقوق الانسان يحدث الاختفاء القسري عندما يتم اختطاف شخص ما او سجنه من قبل دولة او منظمة سياسية او من قبل طرف ثالث بتفويض او دعم او موافقة من دولة او منظمة سياسية يتبعه رفض الاعتراف بمصير الشخص او مكان وجوده بقصد وضع الضحية خارج نطاق حماية القانون.
و كان موقف القانون العراقي واضحا في تعامله مع جرائم الإخفاء القسري حيث تضمن الباب الثاني من قانون العقوبات رقم 111 / لسنة 1961 ( المعدل ) و تحت عنوان ( الجرائم الماسة بحرية الانسان و حرمته ) و الذي تضمن الفصل الاول منه و تحت عنوان ( القبض على الأشخاص و خطفهم و حجزهم ) و ضمن المواد ( 421 لغاية 427 ) من القانون المذكور، حيث نصت المادة ( 421 ) على ( يعاقب بالحبس من قبض على شخص او حجزه او حرمه من حريته بأي وسيلة كانت بدون امر من سلطة مختصة في غير الاحوال التي تصرح فيها القوانين و الانظمة بذلك. )
و شددت تلك المادة العقوبة بالسجن لمدة لا تزيد عن ( 15 ) سنة في حالات محددة هي حصول الفعل من شخص بزي حكومي دون حق او لحمل أمر قبض مزيف او اذا صاحب الفعل تهديد بالقتل او التعذيب او اذا تجاوزت مدة القبض او الحجز مدة خمسة عشر يوماً او اذا كان الغرض من الفعل الكسب او الاعتداء على العرض او اذا وقع الفعل على موظف او مكلف بمصلحة عامة، بينما حددت بقية المواد العقوبة ايضا بخمس عشر سنة في حالات تشمل اختطاف الأحداث و الإناث و تم تشديد العقوبة إلى الإعدام او السجن المؤبد إذا صاحب الاختطاف مواقعة المجنى عليها و نفس العقوبة اذا افضى الإكراه او التعذيب إلى موت المخطوفين .
ومن المعروف أن إصدار التشريعات بدون تنفيذها غير كاف ولا يعني شيئاً ما لم تتوفر الإرادة والجدية بتنفيذ هذه التشريعات على أرض الواقع من قبل جميع السلطات المعنية بإنفاذ القانون.
اما النواقص الجوهرية التي اعترت مشروع القانون فهو ايكاله المهمة الرئيسية لتولي مهمة مكافحة الإخفاء القسري بالمفوضية العليا لحقوق الانسان من خلال استحداث قسم لمكافحة الإخفاء القسري يرتبط بالمفوضية حسب ما نصت المادة (2) من المشروع وحددت مهامه بموجب المادة (3) من المشروع ضمن تسع فقرات، من بينها تلقي البلاغات والتحري ومسك السجلات.
أما تحفظنا على هذا الموضوع فهو لأن عملية مكافحة الإخفاء القسري هي عملية أمنية و تتطلب عملا تحقيقيا و خبراء في الأدلة الجنائية و ملاحقات أمنية و كل هذه المتطلبات لا تتوفر في مفوضية حقوق الانسان مما كان يستوجب استحداث القسم المذكور ضمن تشكيلات وزارة الداخلية التي تتوفر لديها كل ما يتطلبه تنفيذ القانون مع امكانية وجود قسم يرتبط بمفوضية حقوق الانسان بمثابة جهة توعوية، اما النقص الجوهري الآخر في المشروع فهو و بالدعم من كونه يشكل خطوه متقدمة على المواقف السابقة إلا أن المشروع و بالرغم من تضمينه الآليات و الاجراءات التي يتم اتباعها و العقوبات التي تم فرضها بحق مرتكبي الإخفاء القسري الا انه تجاهل و بشكل كامل اية مواد لجبر الضرر و تعويض المواطنين ممن يثبت انهم كانو ضحايا عمليات الإخفاء القسري هم و عوائلهم تحقيقا للعدالة و ذلك خلافاً لنص المادة ( 27/اولا/ج ) من دستور جمهورية العراق التي نصت على ( يحرم جميع انواع التعذيب النفسي و الجسدي و المعاملة غير الانسانية و لا عبرة بأي اعتراف انتزع بالإكراه او التهديد او التعذيب ، و للمتضرر المطالبة بالتعويض عن الضرر المادي و المعنوي الذي أصابه وفقا للقانون) .
ولتحقيق ذلك نقترح استحداث مادة جديدة ضمن المشروع وفقا للآتي ((تعويض المشمولين بأحكام هذا القانون مادياً ومعنوياً وبما يتناسب مع تضحياتهم وما لحقهم من ضرر)) وفقاً للآتي: -
اولاً / تسري أحكام قانون مؤسسة السجناء السياسيين رقم (4) لسنة / 2006 او اي قانون اخر يحل محله على المعتقلين المشمولين بأحكام هذا القانون.
ثانياً / تسري أحكام قانون تعويض المتضررين جراء الاعمال الحربية والاخطاء العسكرية والعمليات الارهابية رقم (20) لسنة / 2009 المعدل او اي قانون اخر يحل محله على المصابين المشمولين بأحكام هذا القانون.
ثالثاً / تسري أحكام قانون مؤسسة الشهداء رقم (2) لسنة / 2016 على الشهداء والمخفيين قسراً المشمولين بأحكام هذا القانون او اي قانون اخر يحل محله.
وفي الختام فإننا نتوجه إلى جميع الجهات والمنظمات الحقوقية ومنظمات المجتمع بممارسة دورها في دعم عملية تشريع هذا القانون بعد تعديله بما يضمن تحقيق العدالة وتعويض المتضررين.
وكانت منظمة برج بابل للتنمية الإعلامية قد أقامت مؤخراً وبتنسيق ودعم من أحد المنظمات الدولية المعنية بحقوق الانسان بعقد مؤتمر مكرس لجمع البيانات ميدانيا عن عوائل المخفيين قسرا ً في عدد من محافظات العراق دعماً لهم.