يتميز الشيوعيون عن غيرهم من عامة البشر في التواضع والبساطة ودماثة الأخلاق والشجاعة الفذة وتجسيد معنى الانسانية بكل تفاصيلها وكأنهم جبلوا من طينة لها مواصفات خاصة ينفردون بها عن غيرهم من عامة الناس لأنهم كتلة من الثقافة والأدب والفن والتوهج والنضال وتقديم التضحيات الجسام في كل الظروف الاستثنائية الصعبة خلال مسيرتهم النضالية لآنهم ينتمون إلى أشرف حزب عرفه التاريخ العراقي كونه يسلك طريق القيم والمباديء السامية في النضال والتصدي ضد أشكال العنف، وإصرارهم المتواصل على مقاومته بشتى الوسائل النضالية فكريا وميدانيا والتسلط للحكام المستبدين وغطرستهم واهوائهم العنجهية.
والشهادات عن اللحظات البطولية للشيوعيين ارتبطت بعقود من التضحيات الاستثنائية ولحظات الصمود الخالدة التي عاشوها رغم قسوتها واستبداد وبشاعة وغطرسة الحكام المجرمين.
وكان الشباب يحضون على التصدي ومواجهة الانحرافات التي جاء بها البعث الهدام المقبور والوقوف ضد جرائمه المتعاقبة بحق الشعب العراقي بكل شجاعة وبطولة نادرة.. وعلى مدى بعد الاضطهاد والدمار والتعسف والمضايقات في أنصاف الليالي وخاصة بعد أن وعى الشاب الشهيد (عدنان) طريقه واختط لنفسه دربا وعرا في زمن الدكتاتورية العفنة المتعطشة للدماء.. في الزمن الذي قادته أيادي الطغاة الآثمة لشعب كامل من تاريخ العراق، وما يزال هذا الشعب يدفع الثمن ويعاني ما سببه الطغاة.. لأنهم زرعوا الخوف وقيم الاستبداد الجائرة في كل مكان من المجتمع العراقي محل القيم الأصيلة الشريفة.. ومن هؤلاء الشهيد (عدنان سعيد هاشم الموسوي)
الشهيد الذي سلك طريق الشهادة في حالات عدة منها المطاردة والعنف والاضطهاد وتمسكه بالمبادئ التي آمن بها وأصبحت جزءا لا يتجزأ من نضاله اليومي المستميت، ومن هذا ولد أحرار منهم من رأى ما لا يراه الأخرون في سلك هذا الطريق الا وهو طريق الحق والخير طريق الانسانية جمعاء.
كان شهداء الحزب الشيوعي العراقي ولايزالون يلهمون رفاقهم في النضال العزم والثبات والصمود على الكفاح حتى يتحقق النصر الناجز وما ضحوا من أجله، وكانت وصاياهم التي أرسلوها إلى عوائلهم من الزنزانات المظلمة نجد بين سطورها دموعا وتحايا وعزما وإصرارا لا يلين.
ولد الشهيد من رحم مدينة الهندية المدينة التي قدمت الكثير الكثير من المناضلين والشهداء كأي مدينة من مدن العراق إبان الحكومات الدكتاتورية المتسلطة على رقاب الأبرياء، في محلة سيد حسين حيث درس في مدارسها ثم في دار المعلمين في الحلة، بعد تخرجه منها تم تعيينه في ناحية الفجر في الناصرية حيث بقي فيها معلما لثلاث سنوات، وفيها كانت له مشاكل مع دوائر أمن المدينة حيث تم استدعائه إلى دائرة أمن الناصرية لعدة مرات واعتقاله لانتمائه للحزب الشيوعي العراقي، هناك حيث أصبح أكثر وعيا ونضجا ليصطف وهو شاب يافع مع هذا الحزب ضد الظلم والطغيان ودفاعه المستميت عن الحقوق القومية للأكراد المهجرين إلى المناطق الجنوبية النائية أيام نظام البعث العميل، ومن جراء ذلك أحيل إلى المحاكمة وقد حالفه الحظ يومها في المحكمة ومن حسن الصدف أن القاضي الذي ينظر في قضيته كان من القومية الكردية مما ساعده على تبرأته من التهمة الموجهة اليه واطلق سراحه ..ثم عاد إلى التعليم ونقل إلى قضاء الهندية ليمارس مهنة التعليم في مدارسها .
كان الشهيد من الوجوه التربوية والاجتماعية يمتلك ثقافة عالية ومعروفا من قبل زملائه بمواقفه الوطنية وكان عضوا نشطا في صفوف الحزب الشيوعي في المدينة محبوبا بين رفاقه وأصدقائه وزملائه المعلمين، وهذه الصفات التي اكسبته مكانة مهمة بين اوساط الاسرة التعليمية والاجتماعية ولنشاطه السياسي والتربوي أخذت تلاحقه زمرة البعث الأمنية، كان محبا للأدب والشعر وتطورت ثقافته الأدبية من خلال اطلاعه على الكثير من نتاج الأدباء والمثقفين من الشعراء بالإضافة إلى الواقع المر الذي تمر به الجماهير العراقية من بطش جلاوزة البعث المقبور، ونما لديه حب الشعر وكتابته للقصيدة العمودية .
كنب قصيدة شعرية هي الأولى عام (1969) اسماها (آلامي) وبها أفصح عن قدرته الشعرية في تصوير معاناته مع ابناء شعبه.. منها..
هوت قيثار أحلامي وألحاني
وأغفى الحب في قلبي ووجداني
وعرى الريح أغصاني فأقواها
يميل اليوم من غصن إلى ثاني
في عام (1970) أقامت وزارة الثقافة والاعلام العراقية مسابقة شعرية حيث كانت من المسابقات على صعيد العراق والوطن العربي وكان الشهيد من بين المشاركين في هذه المسابقة وقد فاز بالمرتبة الاولى والجائزة الاولى بحضور نخبة من الشعراء العراقيين والعرب، وعند استلامه للجائزة صافحه الشاعر الكبير (عبد الوهاب البياتي) وقال له مخاطبا أنك شاعر على مستوى الوطن العربي ولك مستقبل زاهر في هذا المجال.
ساهم الشهيد مساهمة فعالة في تأسيس تجمع ثقافي في الهندية مع بعض الشعراء الشباب والمثقفين.
إن التفكير في هموم الناس ومعاناتهم هي الشغل الشاغل لعامة الشيوعيين وخاصة الشعراء وهذا ما كان يوثقه الأدباء الشيوعيون في قصائدهم الوطنية. كتب قصيدة (الكلاب تعود) وكان يقصد بها عودة البعث الهدام عام (1968) مرة أخرى بعدما اقترفوه من مذابح وجرائم واغتصاب تندى لها الانسانية بحق الشيوعيين عام (1963) هذه القصيدة أغضبت دائرة الأمن وجلاوزة البعث وجن جنونهم وتم استدعاؤه عدة مرات وتعرض خلالها إلى التنكيل والتعذيب والممارسات التعسفية ثم أفرج عنه بكفالة.
بعدما تعاظم نشاطه التنظيمي في صفوف الحزب الشيوعي في مدينته أصبح بحد ذاته هدفا يتعقبه البعثيون ويرصدون تحركاته. وعندما اشتدت الهجمة الشرسة المسعورة التي قادها البعثيون عامي (1978/1979) بأوامر من هدام العراق لمحاربة الشيوعيين أينما وجدوا والتي شملت دوائر الدولة الرسمية والمدارس والجامعات والمعاهد. وكان في تلك الفترة غائبا عن انظار المتلصصين لئلا يكون لقمة سائغة بيد الفئة الباغية. عام (1980) وبعد الإخبار عنه من قبل الواشين داهمته قوة كبيرة من أمن أزلام النظام العفلقي، وأعتقل الشهيد مع كوكبة من المناضلين من قبل أمن الهندية وتم ترحيلهم إلى مديرية أمن كربلاء فتلقى مع رفاقه أقسى وأشد ضراوة من الممارسات الوحشية واللاأخلاقية معهم، بالإضافة إلى معاناة ذوي الشهيد من الترهيب والمضايقات الكثيرة، ولم تسلم عائلته من الاقتحامات الليلية وخاصة وقت الفجر.
تم تغييبه ولم يعرف عن أخباره حتى سقوط الطاغية والاحتلال الامريكي (2003) فتبين أنه من ضمن الشهداء المغيبين في لائحة الشهداء المفقودين.
المجد والخلود لك أيها الإنسان الخلوق البطل الشجاع لم تنحن قامتك لمن ولوا إلى مزبلة التاريخ بلا رجعة.