اخر الاخبار

عالمنا اليوم مهدد بكارثة نووية. ويجري الحديث كثيرا في الآونة الأخيرة عن إمكانية استخدام مثل هذه الأسلحة المدمرة، وخاصة استخدام الأسلحة النووية التكتيكية كوسيلة للترهيب. فالوضع في العالم في تدهور مستمر، والعلاقات بين الدول، وخاصة بين الدول العظمى وأساسا بين أمريكا وروسيا، تسوء من يوم لآخر. وتظهر باستمرار بؤر جديدة للتوتر تهدد الأمن والاستقرار الدوليين. فالحرب الأوكرانية الروسية من جهة، والوضع المتفجر في منطقة الشرق الأوسط المتسبب عن العدوان الاسرائيلي الوحشي على سكان غزة من جهة اخرى، وتدهور العلاقات بين الصين والولايات المتحدة بسبب جزيرة تايوان الصينية، وغيرها من الأحداث المتأزمة بإمكانها دفع الأطراف لإشعال نار الحرب النووية. لهذا يرى بعض الخبراء أن أحد الأطراف يمكن ان يستخدم الأسلحة النووية التكتيكية حين يشعر بتهديد جدي لسيادة دولته وعدم إمكانية الصمود أمام الخطر المحتمل إلا باستخدام هذا السلاح. وحتى المسؤولون الرسميون يصرحون في هذه الأيام عن إمكانية مثل هذا السيناريو، ويتحدث المختصون العسكريون أيضا عن احتمال استخدام السلاح النووي التكتيكي بالذات مؤكدين أنه يختلف عن الاستراتيجي.

   ولكي نعطي صورة واضحة للقارئ الكريم لا بد من الإشارة إلى ما هي الأسلحة النووية التكتيكية وأوجه الاختلاف مع الأسلحة النووية الاستراتيجية بالاعتماد على المفاهيم والمصادر العسكرية المختصة.

   فالأسلحة النووية التكتيكية – هي ذخيرة معينة وخاصة ذات شحنات نووية صغيرة مصممة لتوجيه ضربات محددة صغيرة النطاق ، ضربات مستهدفة في العمق العملياتي التكتيكي.

   وتختلف هذه الأسلحة عن الاستراتيجية من عدة نواح: فمن ناحية قوة الذخيرة يجري تحميل هذه الأسلحة بشحنة تتراوح من 1 كيلوطن، أو أقل، وإلى عدة مئات كيلوطن تقريبا من مكافئ مادة «التروتيل – TNT». كما وتصنف على أنها أسلحة قصيرة ومتوسطة المدى.

وحسب الاختصاصيين العسكريين يشمل هذا النوع من الأسلحة النووية أنظمة صواريخ أرضية متوسطة المدى تصل إلى 5.5 ألف كيلومترا، وصواريخ جوية من نوع «جو – أرض»، وقنابل القاذفات وأنظمة صواريخ مضادة للسفن والغواصات، والألغام والطوربيدات ذات الشحنات النووية، والمدفعية النووية.

   وتمتلك الأسلحة النووية التكتيكية جميع الدول النووية العظمى عدا بريطانيا التي تحتفظ فقط بالأسلحة النووية الاستراتيجية. وحسب تقديرات مختلفة تمتلك روسيا أكبر احتياطي في العالم من الأسلحة التكتيكية.

أما الأسلحة النووية الاستراتيجية فهي أولا وسيلة للردع الشامل لعدو محتمل، وهي ثانيا أكثر قوة من التكتيكية وتصل إلى 1000 كيلوطن تقريبا أو أكثر، وقادرة على تدمير المراكز الإدارية والمنشآت الصناعية والعسكرية في وقت قصير والتسبب في كوارث طبيعية واسعة النطاق – كالحرائق والفيضانات والتلوث الاشعاعي للبيئة - وتدمير عدد كبير من القوات والمدن والسكان. والوسيلة الرئيسية التي توصل الأسلحة النووية الاستراتيجية إلى الأهداف المقرر ضربها هي القاذفات الاستراتيجية والصواريخ الباليستية العابرة للقارات.

ولقد سبق أن استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية السلاح النووي ضد المدن اليابانية. وهو الحدث الوحيد في تاريخ البشرية حين قامت قاذفة القنابل الأمريكية B-29  في 6 آب/ اغسطس عام 1945 بقصف نووي لمدينة هيروشيما اليابانية ، وبلغ عدد القتلى والمصابين بالأمراض السرطانية 90 – 166 ألف شخص. وبعد ثلاثة أيام في 9 آب/ أغسطس من العام نفسه قامت نفس القاذفة بقصف مماثل لمدينة نكاساكي اليابانية ما أدى إلى مقتل 60 – 80 ألف شخص. وقد بلغت قوة الشحنة التي ألقيت على مدينة هيروشيما بحدود 15 كيلوطن.

وذكر أحد تقارير لجنة الخبراء الدولية أن القنبلتين اللتين ألقيتا على هيروشيما ونكاساكي كانتا تعتبران أسلحة نووية تكتيكية بالفعل.                                                                                                                                                                                                                                             

واليوم بلا حياء تحذر أمريكا حلفاءها في البلدان الغربية من ذكر اسم الولايات المتحدة عندما يجري الحديث عن مأساة الكارثة النووية في اليابان. تصوروا أن حتى رئيس الوزراء الياباني، خلال إحياء ذكرى هذه الكارثة في العام الماضي، لم يأت على ذكر الولايات المتحدة، وذكر في خطابه بهذه المناسبة أمام الملأ وبحضور الرئيس الأمريكي بايدن ومسؤولي الاتحاد الأوروبي: «إنه ألقيت (ولم يقل من ألقى والمجرم كان واقفا على يساره) على المدينتين المذكورتين قنبلتين نوويتين تسببتا في كارثة نووية تعاني اليابان من آثارها حتى اليوم». خزي وعار يا رئيس الوزراء !

تصوروا كم هي أمريكا مجرمة بحق الشعوب. فلا من أزمة أو حرب أو صراع أو انقلاب أو تصعيد أو تحريض إذا لم تكن أمريكا مشاركة فيها. والأمثلة لا تعد ولا تحصى. ولتعلم الشعوب أن كل مآسي البشرية مصدرها أمريكا – تجار الحروب، فهي مستعدة حتى لإشعال حرب نووية من أجل مصالحها الدنيئة، وهي أول من يحترق فيها.

فهل بالإمكان استخدام الأسلحة النووية كوسيلة نهائية لحل الأزمات التي تعاني منها البشرية، مثلا في الحرب الأوكرانية؟

يجب القول قبل كل شيء إن الحالات والظروف التي يمكن فيها استخدام الأسلحة النووية تختلف من دولة نووية لأخرى.

بالنسبة لروسيا مثلا هنالك شروط تكون روسيا مستعدة بموجبها لاستخدام الأسلحة النووية منصوص عليها في وثيقة «أسس سياسة الدولة لروسيا الاتحادية في مجال الردع النووي» المعتمدة عام 2020، وهي أربعة:

  • في حالة تلقى روسيا معلومات موثوقة عن إطلاق صواريخ باليستية التي تهاجم أراضيها و/ أو أراضي حلفائها.
  • عندما يستخدم العدو الأسلحة النووية أو أنواعا أخرى من أسلحة الدمار الشامل ضد روسيا و/ أو حلفائها.
  • اذا كان العدو يهاجم منشآت حكومية أوعسكرية روسية مهمة مما قد يعطل رد فعل القوات النووية الروسية.
  • عندما تتعرض روسيا لهجوم بالأسلحة التقليدية مما يهدد وجود الدولة ذاته.

وتشير الوثيقة أيضا إلى: «أن سياسة الدولة في مجال الردع النووي هي سياسة دفاعية بطبيعتها، وتهدف إلى دعم قدرات القوات النووية بالمستوى الذي يؤهلها لضمان الردع النووي، والدفاع عن سيادة الدولة وسلامة اراضيها، وردع العدو المحتمل من العدوان على روسيا الاتحادية و/ أو على حلفائها، وفي حالة وقوع نزاع عسكري – الحد من تصعيد الأعمال العسكرية ووقفها بشروط مقبولة لروسيا الاتحادية و/ أو لحلفائها».

وتنظر روسيا الاتحادية إلى الأسلحة النووية كوسيلة للردع فقط، ويعتبر استخدامها إجراءً استثنائيا واضطراريا، وتبذل كل الجهود اللازمة للحد من التهديد النووي ومنع تفاقم العلاقات بين الدول الذي بإمكانه أن يثير نزاعات عسكرية، بما فيها النزاعات النووية. ويهدف الردع النووي إلى ضمان إدراك العدو المحتمل لحتمية الانتقام في حالة العدوان على روسيا الاتحادية و/ أو على حلفائها. بالإضافة إلى ذلك: «تحتفظ روسيا الاتحادية بحق استخدام الأسلحة النووية ردا على استخدام الأسلحة النووية وأنواع أخرى من أسلحة الدمار الشامل ضدها و/ أو ضد حلفائها، وكذلك في حالة العدوان على روسيا الاتحادية باستخدام الأسلحة التقليدية عندما يتعرض وجود الدولة ذاته للتهديد». ويتخذ رئيس روسيا الاتحادية قرار استخدام الأسلحة النووية.

ولا بد من الاشارة إلى أنه سبق وأن كانت لدى الولايات المتحدة خطط لتوجيه ضربة نووية إلى أراضي الاتحاد السوفيتي خلال او بعد الحرب العالمية الثانية سميت «Dropshot»، وتعني ضربة فورية أو ضربة قصيرة أو آخر طلقة. وبعد الحرب تم الكشف عن الكثير من المعلومات حول هذه الخطة.

ووفقا للمفهوم الأمريكي تم التخطيط للضربة لمواجهة التدخل السوفيتي المحتمل في أوروبا الغربية والشرق الأوسط واليابان. وتمت الموافقة عليه من قبل هيئة الأركان المشتركة الأمريكية في 19 كانون الأول/ ديسمبر 1949. ولكن لم يجر تنفيذه لأسباب عدة.

وحسب الخطة كان من المفترض توجيه ضربة باستخدام 300 قنبلة نووية و29 ألف قنبلة عنقودية إلى 200 هدف في 100 مدينة وقرية سوفيتية لغرض تدمير 85 بالمائة من القدرات الصناعية السوفيتية. ومن 75 إلى 100 من مجموع 300 قنبلة نووية كانت موجهة لتدمير الطائرات الحربية السوفيتية الجاثمة على الأرض.

أما لماذا لم يجرأ الأمريكيون على تنفيذ خطط الهجوم على الاتحاد السوفيتي؟ فالجواب كان في نتائج الحرب العالمية الثانية التي انتهت للتو والتي خرج منها الاتحاد السوفيتي منتصرا على ألمانيا الهتلرية ومحررا لأوروبا بأجمعها وألحق فيها الجيش الأحمر السوفيتي أكبر هزيمة بأقوى جيش في العالم آنذاك، وهو جيش «الفيرماخت» النازي. وقد أظهر الاتحاد السوفيتي خلال الحرب حيوية مذهلة حيث تحمل على كتفيه وطأة الحرب مع المانيا النازية. أما الأمريكيون فكانوا في هذا الوقت مختبئين وراء المحيط الأطلسي منتظرين للانقضاض على الفريسة. والانكليز كعادتهم ثعالب لم يوافقوا على فتح جبهة قتالية ثانية في أوروبا ضد الألمان!

وفي حالة هجوم نووي على الاتحاد السوفيتي لم يكن بالامكان الحاق هزيمة بمثل هذه القوة في المعارك البرية في مسرح العمليات الأوروبي في أقصر وقت ممكن، وبالتالي فقدت الضربة الوقائية الأمريكية أهميتها. وبعد عام 1949 عندما حصل الاتحاد السوفيتي على قنبلته الذرية لم يجرأ الأمريكيون تماما على تنفيذ خططهم خوفا من العقاب ، من الرد النووي السوفيتي. وكما قيل : «السلام النحيف أفضل من الحرب النووية المجدية».

وفي كل الأحوال فان استخدام الأسلحة النووية من أي طرف كان (والاحتمال الأكبر من الطرف الأمريكي لأنها عدوانية ومتغطرسة دائما وكان لديها مثل هذه الخطط كما أشرنا، ومحتمل توجد لديها حتى اليوم) سيؤدي لا محالة إلى حرب نووية عالمية وكارثة لا يحمد عقباها وبالتالي إلى فناء البشرية بالكامل.

عرض مقالات: