اخر الاخبار

المتصفح للتاريخ يجد ان ثورة تموز ولدت من رحم ثورة العشرين العظمى التي هبت فيها جماهير الشعب وعلماء الدين في النجف وكربلاء والكاظمية وعشائر الوسط والجنوب وكل مكان حاملين ما لديهم من السلاح مطالبين بالحرية والاستقلال واقامة حكم وطني بإخراج قوات الاحتلال البريطاني. وقيام قوات الاحتلال بكل ما لديها من أسلحة لإخماد انتفاضة الثوار والقضاء عليها.

وعملت سلطة الاحتلال على خداع الشعب بتنفيذ مطلب بتأسيس الدولة العراقية فقامت بإنشاء حكومة ملكية عبر تنصيب فيصل بن الحسين ملكا ومعه بقايا متنفذي العهد العثماني مدعومة من بعض شيوخ العشائر العملاء من اقطاعيين الذين حصلوا على امتيازات من تلك السلطات، فكانت حكومة منزوعة الإرادة خاضعة لأوامر المحتل.

واستمرت سلطة الاحتلال والحكومة التابعة لها بتعزيز سيطرتها السياسية والاقتصادية والعسكرية على العراق وبممارسة القمع والاضطهاد بكافة انواعه على الشعب، وعقد الاتفاقيات لربط العراق بعجلتها ومنها اتفاقية ١٩٣٠ التي قاومها الشعب بأحزابه وقواه الوطنية، واستمرت السلطات بممارسة سياسة الاضطهاد والقمع والفساد كما زادت غطرسة الاقطاعيين واضطهادهم   للفلاحين. كل هذا ادى إلى تراكم الرفض لدى الشعب وانتشار الوعي الوطني التحرري لدى الجماهير الكادحة من شغيلة اليد والفكر.

 في عقد الأربعينيات عملت السلطة البريطانية على ترسيخ  وتوسيع  سيطرتها على العراق  لمواجهة تنامي نفوذ الاتحاد السوفيتي  وحركات  التحرر، فعمدت مع الحكومة العميلة برئاسة صالح جبر على عقد اتفاقية بورتسموث مما دفع الشعب العراقي بأحزابه وقواه  الوطنية التقدمية  والقومية بإعلان الثورة الثانية في كانون٢ ١٩٤٨  المطالبة بإلغاء الاتفاقية، وبدماء الثوار وتضحياتهم  في ساحة الوثبة والشوارع  وعلى جسر  الشهداء ،  الغيت الاتفاقية  واسقطت حكومة صالح جبر وانتصرت الانتفاضة او ثورة الشعب كما وصفها  الباحث  حنا بطاطو  في كتابه عن العراق .

وبازدياد الوعي الوطني لديها استمرت جماهير الشعب بالانتفاضات والمقاومة الواحدة بعد الأخرى في المدن والريف وفي الاهوار مقدمة الشهداء ومنها انتفاضة الحي الشعبية ١٩٥٦.

لقد أثمر ذلك الحراك الجماهيري الثائر تلك الانتفاضات وأدى إلى رفع الوعي والحماس لدى مجموعة من الضباط فقاموا بتشكيل (حركة الضباط الاحرار)، وكذلك قامت الاحزاب الوطنية الديمقراطية والقومية بتشكيل جبهة الاتحاد الوطني ١٩٥٧، والعمل بعزم وارادة بتحرير الشعب من استبداد الحكم الملكي الاقطاعي العميل وتحرير الوطن من الحكم الاستعماري. وهكذا تفجر البركان وولدت الثورة صبيحة ١٤ تموز١٩٥٨.

وما أن أذيع البيان الأول للثورة حتى نزلت الجماهير من مختلف فئات الشعب من كادحين ومثقفين إلى الشوارع معربة عن فرحتها و دعمها  وحمايتها  للثورة التي وصفها السفير البريطاني  في بغداد (بالرعاع )، واعلنت قيادة الثورة قرارات وطنية تحررية  سياسية واقتصادية واجتماعية  منها  إعلان  الجمهورية العراقية  وإخراج قوات الاحتلال  وقواعده وتحرير البلد  من الجنيه الاسترليني  و إصدار قانون الاصلاح الزراعي   وقانون النفط والأحوال الشخصية وغيرها وتشيد المدن للإسكان  وتطوير مجالي الصناعة والصحة، وانجازات ديمقراطية للمنظمات  الجماهيرية، لذلك تعرضت ثورة الشعب منذ لحظة إعلانها إلى تحرك القوات العسكرية  الاستعمارية، كما جهدت شركات النفط والمخابرات الأمريكية والبريطانية والقوى الرجعية من بقايا النظام الملكي من الاقطاعيين  ومعهم القوى القومية بالتآمر على الثورة لإسقاطها، فتمكنت من ذلك بانقلاب ٨ الدموي ١٩٦٣ووصول  البعثيين وحلفائهم بالقطار الامريكي. وما ان أعلن البيان حتى هبت جماهير الشعب زاحفة للدفاع عن الثورة وقادتها من مدينة الكادحين “الثورة” وعمال الشيخ عمر والكاظمية وكافة مدن العراق لإيمانهم بان ثورة تموز هي ثورة الشعب والكادحين، ولم يكتف الانقلابيون بضرب وزارة الدفاع بل توجهت عناصر الحرس اللاقومي لإطلاق الرصاص على نصب الحرية الذي يمثل رمزا لنضال الشعب.

إن جميع شعوب العالم تحتفل بثوراتها التحررية فهؤلاء الفرنسيون يحتفلون ببعيد ثورتهم، وثورة اكتوبر الروسية وكويا والصين وغيرها، اما أنتم فكيف تقدمون على الغاء عطلة ثورة حققها الشعب بالدماء والتضحيات؟

ستظل ثورة ١٤تموز الخالدة ١٩٥٨ ثورة الشعب التحررية التي هزت اركان الدول الاستعمارية خالدة وشمسا مشرقة وعيدا وطنيا على مر الزمن.

عرض مقالات: