اخر الاخبار

خلال الأسابيع الأولى من العدوان الإسرائيلي على غزة أعلنت أكاديمية بتسلئيل للفنون والتصميم في إسرائيل عن بدء خدمة جديدة مُخصصة للجنود الإسرائيليين. تمثلت هذه الخدمة في تبرع الأكاديمية بخياطة وإصلاح الزي العسكري والمتعلقات الشخصية للجنود والضباط في مقر الأكاديمية من دون مُقابل، كتطوع من قبل الطلاب ومساهمة منهم في العملية العسكرية التي يشنها جيشهم على غزة.  قوبلت الفكرة بترحيب بين جنود الاحتلال، ولجأ الكثيرون منهم بالفعل إلى الأكاديمية لحياكة ملابسهم العسكرية، ومع كل قطعة يتم إصلاحها أو حياكتها من هذه الملابس يضيف الطلاب شعار مؤسستهم مصحوباً بعبارة “من بتسلئيل مع حبي”.

هذه الأكاديمية نفسها التي تدعم الإبادة الجماعية في غزة ترتبط مع العشرات من الأكاديميات والمؤسسات الفنية في أوروبا والولايات المتحدة بعلاقات تعاون وتبادل أكاديمي على أعلى مستوى. تنص اتفاقيات التبادل بين الأكاديمية الإسرائيلية وهذه المؤسسات على تنظيم عروض مشتركة وتبادل للخبرات وتقديم منح متنوعة للدراسة. وقد انتبهت العديد من المجموعات الناشطة بين الطلاب في الغرب إلى ما تمثله هذه الشراكة مع أكاديمية بتسلئيل من دعم غير مُباشر للإبادة الجماعية. من بين هذه المجموعات يأتي طلاب الأكاديمية الملكية للفنون في هولندا، الذين أشاروا إلى رمزية هذه الشراكة مع مؤسسة تدعم الإبادة الجماعية. في كانون الأول الماضي أرسل اتحاد الطلاب خطاباً إلى إدارة الجامعة موقعاً من حوالي 200 طالب وموظف وخريج يطالبون فيه الإدارة بوقف التعاون بين الأكاديمية الملكية وأكاديمية بتسلئيل الإسرائيلية. أشار الخطاب إلى الروابط التي تجمع أكاديمية بتسلئيل للفنون بجيش الاحتلال، وكيف أن الجنود الإسرائيليين يذهبون للقتال وارتكاب المجازر في غزة وعلى صدورهم نقش يمثل الأكاديمية. يقول البيان إن مجرد التفكير في هذا الأمر يبدو قاسياً، فطلاب الأكاديمية الإسرائيلية للفنون ومنتسبيها يدعمون الإبادة الجماعية ويساندونها بشكل مُباشر، في الوقت الذي نتعاون فيه معهم.  لم تستجب الأكاديمية الملكية للفنون على الفور بعد نشر البيان، ما دفع اتحاد الطلاب إلى تنظيم عدد من الوقفات الاحتجاجية والتظاهرات المتتالية، ثم الدعوة لعقد جمعية عمومية في نهاية إبريل/ نيسان الماضي. هذه الجهود التي قادها طلاب الأكاديمية الملكية للفنون تكللت أخيراً بالنجاح بعد إعلان إدارة الأكاديمية قطع علاقات التعاون والتبادل الثقافي مع الأكاديمية الإسرائيلية، التي كانت ترتبط معها ببرنامج تبادل نشط وممتد منذ عام 2017.  وكتب مجلس إدارة الأكاديمية رسالة موجهة إلى اتحاد الطلاب يعلن فيها أن قراره بقطع العلاقات مع المؤسسة الإسرائيلية يتسق مع مبادئ الأكاديمية الداعمة لحقوق الإنسان.

ويضيف البيان أن الأكاديمية اختارت التوقف عن الشراكة مع مؤسسة تدعم نظاماً ينتهك حقوق الإنسان ويرتكب جرائم ضد الإنسانية.

وقال اتحاد طلاب الأكاديمية إن هذا الإجراء يمثل بداية تحمل المؤسسات التعليمية في هولندا المسؤولية وإنهاء العلاقات مع الشركات والمؤسسات المتواطئة مع سياسة الاستعمار والفصل العنصري والإبادة الجماعية.

تأسست الأكاديمية الملكية الهولندية للفنون عام 1682 وتعد من أقدم مدارس الفنون في العالم، وهي بهذا القرار تُعد أول جامعة في هولندا تتبنى المطالب الداعية للمقاطعة الثقافية والأكاديمية لإسرائيل. وتتعرض مؤسسات أخرى في هولندا مثل جامعة لايدن لضغوط متزايدة أيضا من قبل الحملة الوطنية التي ينظمها “طلاب من أجل فلسطين”، التي حددت مطالبها في بيان نُشر على الإنترنت.

ولا يقتصر الأمر على وقف برامج التبادل الأكاديمي فقط مع الأكاديمية الإسرائيلية، بل يتم التفكير الآن جدياً في إنشاء شراكة وتبادل مع إحدى المؤسسات الفلسطينية بدلاً من ذلك، وهي جامعة دار الكلمة في بيت لحم.

كما وعدت إدارة الأكاديمية الملكية بتقديم التخفيضات الدراسية نفسها للطلاب الفلسطينيين، التي سبق ان قُدمت للأوكرانيين بعد الغزو الروسي.

ولا شك أن القرار الذي اتخذته الأكاديمية الملكية للفنون في هولندا يمثل انتصاراً جديداً للحراك الطلابي الدولي، الذي لا يغيب عنه الفنانون والعاملون في المؤسسات الفنية الكبرى وطلاب الأكاديميات الفنية.

ويرى البعض أن الحراك الطلابي الحالي الذي تشهده جامعات أوروبا والولايات المتحدة هو الأهم منذ احتجاجات الطلاب ضد حرب فيتنام في أواخر ستينيات القرن الماضي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

“العربي الجديد” – 26 أيار 2024

عرض مقالات: