اخر الاخبار

شكراً جو بايدن على المساعدات التي رميت بها من السماء لمن بقي من الفلسطينيين في غزة.  كنت أعرف أنك  ستفعلها، لأنك  إنسان مفرط  في إنسانيتك، كما أعرف أنك جنحت للسلم، ورغبت في إيقاف الحرب على غزة، لكن ما أنت فيه من أرذل العمر، لا يسعفك في أن تستقيم الكلمات بين أنيابك، ما يخرج من فمك غير ما في قلبك، فأنت انتصرتَ للحق ضِد الباطل، ورأيت أن تكون السماء أو الماء، هما الجسر الذي عبره تنقذ غزّة، وأهل غزة مما هم فيه من حرب وجوع وحصار ودمار، وأكيد أنك، بعد أن ينهي السفّاح نتنياهو حربه على غزة بإبادة كلّ من فيها، وترحيل من بقي حياً إلى بعض البلاد العربية التي تستعد لاستقبال هؤلاء في خيام وتيرة، مكيفة، فيها خبز ولبن وتمر، سيراً على عادة الرحّل من العرب، ستعمّر المدينة، بمن يحميها ويصونها من  المقاومين، عفواً، من  الإرهابيين، من  قضّوا مضاجع  الصهاينة، وهزموا شراذمهم، وزعزعوا ما كنت تراه استقراراً في الأراضي المحتلة، بما تناسل فيها من مستوطنات، لم تكن تعرف أنها موجودة، ولا علم لك بذلك، وإلا كنت منعتَ هذا الظلم والحيف.

فأنت، معالي رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، مشغول بالانتخابات الرئاسية، ما يدل على عزمك أن تبقى رئيساً، حتى والخرف أكل رأسك، فقط، لأن هناك ما عليك أن تنهيه من حروب، في أوكرانيا ضد روسيا، وفي غزة ضد الإرهاب، وأنت، مثل غيرك من روساء أمريكا، منذ تأسيس هذه الدولة، لا تسمح بالإبادة، ما لم تكن شاملة، كما فعل أسلافك من المهاجرين، من أبادوا الهنود الحمر، وحشروا من بقي منهم في كانتونات أو أقفاص،  ليبقوا عبرة لمن يتنطّعون، ويقاومون الإنسان الأبيض، الذي لا يدخل أرضاً إلا ليخرج بها من التخلف والبؤس والجوع، ويرمي بها في أتون الحضارة، شريطة أن ينسى تاريخه، وينسى هويته، وينسى من كان، لأن الحضارة، كما تفهمونها، وكما تسعون لترسيخها، هي حضارة القوي الذي يفرض إرادته على الضعيف، أو من آلت به هزائمه وخساراته إلى الضعف والاستكانة والانصياع، كما حدث لنا نحن العرب.

فأنا، معالي الرئيس، لا أعرف لماذا لا أحد فهم قصدك، أو أحس بما تحس به من ضيم، وقلبك يتقطّع لما تراه في الإعلام من قنابل وصواريخ أمريكية تنزل من السماء، مثل الخبز، على سكان غزّة، وأنت، حاشى أن تكون أمرت بهذا، خصوصاً أن رأسك لم تعد تستقيم فيه الحروف والكلمات، وإذن، فالذين يحيطون بك، هم من يقولون لك غير ما يجري. حين أدركت، في لحظة وعي عابر، أن هؤلاء يقتلون الأطفال والنساء، ويهدمون البيوت،  أمرت جازماً، أن تلقي الخبز على غزّة، نكاية في من يلقون القنابل، وهكذا تتعادلان، وتكون أنت الإنسان الوحيد، داخل عالم مليء بالوحوش والأشرار.

شخصياً، أرى، إذا كان الأمريكان يسمعونني، أن يصنعوا لك تمثالا وسط الكابتول، يشبه تمثال الحرية، أو يضاهيه، وبدل شعلة تمثال الحرية، تلوّح أنت بقطعة خبز، لتدرك الأجيال القادمة، أن الإنسانية لم تَمت، وأن العمّ جو، حتى وهو بالكاد يستطيع أن يتكلم، حلّ مشكل غزّة، بإلقاء الخبز فيها، بعد أن حدث له خلْط بين الخبز والقنابل، ولم يفهم أحد ممن معه، أنه منذ البداية، قال القوا عليهم خبزاً، فتلجلجت الكلمات في فمه، علِق الخبز بين أسنانه الملفّقة، وفهم من اعتادوا على تزويد الصهاينة بالسلاح، أو هم صهاينة، عرْقاً وملّة، أن الرئيس يقول قنابل، وليس خبزاً، فحدث كل ما حدث، وها أنت تتدخل، بعد ترميم ما في أسنانك من كسور، لتوازن الوضع، هم يرمون القنابل، وأنت ترمي الخبز، إلى أن ينتهي كل شيء، بما تريده وترغب فيه. فلا فضّ فوك، كما قال النابغة الجعديّ، الذي أدرك قبلك بقرون، ما يحدث من خلل في الكلام، إذا ما حدثت كسور في الأسنان، والعقل صار مثل الفم، لا حكم لصاحبه عليه، الفلتان فيه شديد الاحتمال، وهذا ما أنت فيه، فطوبى لك بإنسانيتك التي ضاهت الإنسانية وفاقتها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

صحيفة «المساء» المغربية – 13 آذار 2024

عرض مقالات: