اخر الاخبار

روسيا مقبلة قريبا على أحد أهم الأحداث السياسية: حملة الانتخابات الرئاسية والتي ستبدأ خلال الفترة من 15 وإلى 17 مارس/ آذار 2024. ولأول مرة في تاريخ الانتخابات تجري حملة التصويت لمدة ثلاثة أيام وذلك لتأمين حضور أكبر للناخبين.

ويجري انتخاب الرئيس لفترة ست سنوات. وقد تم تحديد هذه الفترة في عام 2012 ، وقبل ذلك ومنذ عام 1996 ، كان الرئيس ينتخب لمدة أربع سنوات. والانتخابات الحالية هي الثامنة من نوعها، والرئيس المنتخب سيشغل هذا المنصب إلى عام 2030.

ونشير أيضا إلى أن انتخابات الرئيس الروسي جرت سبع مرات: في عام 1991، 1996، 2000، 2004، 2008، 2012، 2018. وقد فاز في هذه الحملات : بوريس يلتسن (مرتين) ، فلاديمير بوتين (أربع مرات) ، دميتري ميدفيديف (مرة واحدة).

يجري انتخاب الرئيس الروسي عادة من خلال التصويت السري في مراكز الاقتراع. وللمرة الأولى سيجري التصويت أيضا عن بعد وعبر الانترنت. وهناك مقاطعات روسية تخلت عن هذه الطريقة وتفضل التصويت بالطريقة الشخصية التقليدية ، كما أن بعض الأحزاب السياسية انتقدت هذا الشكل من التصويت ، من بينها الحزب الشيوعي الروسي. وسيجري التصويت عن بعد فقط في المناطق التي تم فيها تجربة هذا الشكل من التصويت سابقا.

كما ونذكر أيضا أن المرشح الفائز يجب أن يحصل على 50 بالمائة زائد صوت واحد. وفي حالة عدم حصول المرشح على هذه النتيجة سيصار إلى إجراء جولة ثانية بعد ثلاثة أسابيع من الأولى بين الفائزين بالمرتبة الأولى والثانية.

والمرشح للرئاسة يجب أن يكون قبل كل شيء من مواطني روسيا يبلغ 35 عاما من العمر على الأقل، وأقام في روسيا مدة 25 عاما على أقل تقدير، وان لا يمتلك جنسية أجنبية او وثيقة أخرى تؤكد حقه في الإقامة الدائمة في بلد آخر، وأن يكون مؤهلا بحكم القانون وليس محكوما عليه بالسجن بحكم قضائي. كما ويجب أن لا يكون المرشح من الذين حرمتهم المحكمة من حق تولي مناصب حكومية وأن لا يتحلى بطبيعة متطرفة. ومن الذين لا يمتلكون حسابات او ودائع في بنوك أجنبية خارج البلاد او تحويلها إلى بنوك روسية.

وتجري هذه الانتخابات في وضع دولي وإقليمي ومحلي متوتر وصعب للغاية بالنسبة لروسيا. فمن ناحية تخوض روسيا حربها في أوكرانيا لتحقيق الأهداف التي وضعتها العملية العسكرية الروسية الخاصة، وهذه العملية أحرزت نجاحات كبيرة خلال العامين الماضيين ووجهت ضربة قاضية للمشاريع الغربية في أوكرانيا على خلفية انتصارات القوات الروسية، ونتيجة لها تم إفشال الهجوم العسكري الأوكراني المضاد بالكامل وأدت إلى الانهيار التام في معنويات وقدرات القوات الأوكرانية وتراجعها مؤخرا إلى مواقع دفاعية ما أدى إلى قيام القيادة الأوكرانية بإجراء تغييرات جذرية في القيادة العليا للجيش الأوكراني، ومنها إقالة القائد العام للقوات المسلحة الأوكرانية فاليري زالوجني وتعيين العقيد الجنرال ألكسندر سيرسكي بدلا عنه والذي كان يشغل منذ عام 2019 منصب قائد القوات البرية الأوكرانية.

ومن ناحية أخرى تواجه روسيا تحديات وصعوبات جراء العقوبات التي فرضها عليها الاتحاد الأوروبي بقيادة أمريكا والتي فشلت فشلا ذريعا في تحقيق أغراضها اللئيمة. لكن الاقتصاد الروسي صمد بجدارة أمام هذه التحديات بالاعتماد على النفس وعلى قدرات روسيا الذاتية وامكانياتها وثرواتها الطبيعية الضخمة ما أدى في نهاية المطاف إلى نهضة وطفرة نوعية لم يشهدهما تاريخ روسيا، وإلى تطور شامل في جميع قطاعات الاقتصاد الروسي والذي يحتل اليوم، رغم العقوبات وحالة الحرب، المرتبة الأولى بين الاقتصاديات الأوروبية والخامسة بين اقتصاديات العالم المتطورة. والرئيس بوتين ورئيس الوزراء ميشوستن يشرفان يوميا ويتابعان شخصيا تنفيذ مشاريع التطور الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والرياضية ما يثير دهشة المراسلين الأجانب، ومنهم الصحفي الأمريكي تاكر كارلسون الذي التقى بوتين في 9 شباط/ فبراير 2024 في مقابلة صحفية معه، والتي أثارت ضجة كبيرة وعدم ارتياح في الأوساط الأمريكية والأوروبية.

وعلى الصعيد الداخلي، ورغم أن روسيا منشغلة بالحرب في أوكرانيا، إلا أن اي شخص لا يجد ما يشير إلى قلق المواطن الروسي او عدم ارتياح من آثار الحرب. فالحياة جارية بشكلها الاعتيادي وكأن لا حرب هناك. الناس ملتهون بأعمالهم اليومية، وأحوالهم المعيشية على أحسن ما يرام والمخازن ممتلئة وتزخر بالبضائع والمواد الغذائية ما يثير دهشة الكثير من الصحفيين الأجانب الذين زاروا هذه الأماكن. وكما يقال “أرادوها نقمة فصارت نعمة”. الشعب متحد ويدعم بالكامل سياسة بوتين ويرغب بإعادة انتخابه رئيسا لروسيا. والأحزاب المعارضة في البرلمان الروسي في ظل أوضاع الحرب متحدة فيما بينها وتدعم بالكامل سياسة الرئيس الروسي. حتى أن بعض الأحزاب الأخرى امتنعت عن ترشيح مرشحيها لرئاسة البلاد لصالح بوتين. لذلك من الصعب جدا بالنسبة للغرب، الذي يحاول إثارة البلبلة والمشاغب في روسيا، تأجيج الوضع الداخلي وخلق اضطرابات خلال فترة الانتخابات.

الوضع المتوتر في الشرق الأوسط يقلق روسيا. والعدوان الإسرائيلي الجبان على سكان غزة المسالمين عملية إبادة جماعية ووصمة عار في جبين إسرائيل نتنياهو وحليفتها امريكا.

التقارب الروسي الصيني يثير غيظ الغرب ويبدي المخاوف منه ويحاول بكل الأساليب إفشاله. وكذلك بالنسبة إلى التقارب مع كوريا الشمالية وتشكيل مجموعة “بريكس” الاقتصادية التي ستنضم اليها قريبا دول عديدة أخرى.

في مثل هذه الأوضاع ستجري الانتخابات الرئاسية الروسية المقبلة. كل هذه الأوضاع تخلق تحديات كبيرة لروسيا، ولكن تدفع، شاءوا أم أبوا، إلى توحيد المجتمع الروسي والتفاف المواطنين حول قيادتها.

وقد حددت لجنة الانتخابات المركزية الروسية قبل أيام القائمة النهائية للمرشحين الذين ستظهر أسماؤهم في استمارة الاقتراع للانتخابات الرئاسية – وهم أربعة مرشحين اجتازوا مرحلة التسجيل: فلاديمير بوتين مرشح ذاتي، نيقولاي خاريتونوف عن الحزب الشيوعي الروسي، ليونيد سلوتسكي عن الحزب الليبرالي الديمقراطي الروسي ، وفلاديسلاف دافانكوف عن حزب “الناس الجدد”. وتم رفض أربعة مرشحين آخرين بسبب تقديمهم تواقيع مزورة وأسماء متوفين ونقص في مجموعة المستندات المطلوبة، بينهم سرغي مالينكوفيتش عن حزب “شيوعيو روسيا” ، وشعار برنامجه الانتخابي “عشر ضربات ستالينية للرأسمالية والإمبريالية الأمريكية”.

برامج المرشحين الانتخابية :

1– فلاديمير بوتين : مرشح مستقل. ويرد برنامج بوتين الانتخابي عادة في رسائله السنوية إلى الجمعية الفيدرالية الروسية. وفي هذه المرة سيوجه رسالته إلى الجمعية يوم الخميس القادم 29 شباط/ فبراير 2024. وبرنامجه في الواقع واسع جدا ويتطابق كليا مع برامج ومشاريع الحكومة الروسية في تطوير البلاد.

2– نيقولاي خاريتونوف : عن الحزب الشيوعي الروسي. يدعو إلى تأميم قطاع الثروة المعدنية الطبيعية في روسيا وزيادة الحد الأدنى للأجور إلى 35 ألف روبل.

3– ليونيد سلوتسكي : عن الحزب الليبرالي الديمقراطي الروسي ، شعار برنامجه “وقت الأقاليم الروسية” وبرأيه من الضروري ضمان ظروف عادلة للحياة وضمانات متساوية لجميع أقاليم البلاد.

4– فلاديسلاف دافانكوف: عن حزب “الناس الجدد” يناضل من أجل ازدهار روسيا وانشاء دولة تكون قدوة للآخرين وضرورة إقامة دولة مستقلة وغنية وحرة.

كل الدلائل تشير إلى فوز بوتين في هذه الانتخابات، لماذا؟

أولا– لأن الحزب الحاكم الحالي، حزب روسيا الموحدة، الذي كان بوتين أحد المؤسسين الأساسيين له، يؤيد مئة في المئة، كما في السابق، انتخابه رئيسا لروسيا، وهذا دعم أساسي كبير لبوتين.

ثانيا– الضغط الخارجي الغربي المستمر والعقوبات الغربية تؤدي دائما إلى نتائج عكسية وإلى تعزيز والتفاف الرأي العام الروسي حول القيادة. اي ضغط خارجي يقابله تلاحم وتكاتف الشعب حول القيادة القوية. لهذا تفشل كل محاولات الغرب في زعزعة الوضع الداخلي.

ثالثا– العملية العسكرية الخاصة الجارية في أوكرانيا تحتم تضامن الشعب الروسي ودعم القيادة. العسكريون في الجبهة هم الذين بادروا هذه المرة إلى اقناع بوتين بترشيح نفسه وخوض الانتخابات الحالية. وقد لبى هذا الطلب.

أحزاب المعارضة الأخرى في البرلمان الروسي، بما فيها الحزب الشيوعي الروسي، تؤيد تأييدا كاملا العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا وتدعو أنصارها إلى التضامن مع القيادة والحكومة ودعم العملية العسكرية وتقديم جميع المساعدات والخدمات اللازمة لها.

رابعا– يعتبر بوتين منقذ روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. وقد لعب دورا كبيرا للغاية خلال رئاسته في إعادة هيبة روسيا كدولة عظمى.

خامسا– له دور مشهود في انشاء مجموعة بريكس الاقتصادية والتخلي عن التعامل بالدولار وتعزيز سيادات الدول المتحررة من النير الإمبريالي وسياسة القطب الواحد والدعوة لانشاء نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب.

هذه عوامل أساسية تساعد على فوز بوتين في الانتخابات المقبلة إلى جانب كونه الرئيس الأوحد لعموم روسيا والدعم اللامحدود الذي يحظى به من جانب الجزء الأعظم من الشعب الروسي.

بعد أيام سنرى مدى صحة توقعاتنا في نتائج الانتخابات الرئاسية المقبلة، رغم أن بإمكان أي مطلع على الوضع الحالي في روسيا أن يحدد الفائز فيها.

ـــــــــــــــــ

 26 / 2 / 2024

عرض مقالات: