اخر الاخبار

في 28 اكتوبر 2023، قدم كريج مخبير، مدير مكتب نيويورك لمفوضية الامم المتحدة السامية لحقوق الانسان (HCDH) والذي قام بالعديد من مهام الدفاع عن حقوق الانسان وخاصة في قطاع غزة، استقالته وجاء في حيثيات استقالته ‘‘مرة أخرى تحدث أمام أعيننا إبادة جماعية ومنظمتنا لا تستطيع ايقافها ‘‘هذا المصطلح الذي استخدمه ‘‘إبادة جماعية ‘‘بدأ استخدامه بشكل كبير لوصف ما يحدث في قطاع غزة وما يقوم به الجيش الاسرائيلي، رغم ان بعض الدول تحاول تجنب استخدامه لما له من ثقل سياسي.

يقدم هذا المحامي وهو في وضع جيد لمعرفة أن مفهوم ‘‘الإبادة الجماعية‘‘ كان في كثير من الاحيان موضوعا للإساءة السياسية ويضيف ‘ ان المذبحة الحالية للشعب الفلسطيني، المتجذرة في ايدلوجية استعمارية عرقية قومية ومواصلة لعقود من الاضطهاد والطرد المنهجي والمستندة بالكامل إلى حقيقة ان هؤلاء السكان عرب، وايضا إلى نوايا الحكومة الاسرائيلية والجيش، لا تترك أي مجال للشك او التردد في استخدام هذا المصطلح، مستشهدا بحقيقة تدمير منازل المدنيين ،المدارس، المستشفيات ، جوامع وكنائس بدون أدنى سبب وأدت إلى مقتل الآلاف من المواطنين العزل.

مصطلح الإبادة الجماعية استخدم ايضا من قبل باحثين وفلاسفة مثل اتيان باليبار، والفيلسوفة الامريكية جوديث بتلر (اعضاء مكتب الصوت اليهودي من أجل السلام)، وعالم الاجتماع ديدييه ماسين، أيضا سياسيين مثل الرئيس البرازيلي، ووزير في الحكومة الاسبانية الحالية وايضا من منظمات مثل المركز الامريكي للحقوق الدستورية وحركة IfnotNow  الامريكية، واستخدم المصطلح من قبل ممثل فلسطين في الامم المتحدة وسفيرة فلسطين في فرنسا ‘هالة ابو حصيرة.

كما شوهدت في كثير من المظاهرات المؤيدة لفلسطين شعارات التقارب بين النازية والاسرائيليين، اما المنظمة الامريكية لمراقبة الإبادة فقد وضعت عشرة مستويات لتصنيف الإبادة وذكرت في تقررها ان الحرب الحالية وصلت إلى المستوى السادس لما فيها من تمييز وتجريد من الانسانية واستخدام التعبيرات غير الأخلاقية مثل تصريح وزير الدفاع الاسرائيلي يواف غالانت، بالقول اننا ‘نحارب حيوانات بشرية ‘ علما ان تقرير هذه المنظمة قبل ضرب مستشفى المعمدان واكتساح مستشفى الشفاء وضرب سيارات الاسعاف وتهجير الفلسطينيين نحو جنوب غزة ، اعتقد ان التوصيف وصل إلى المستوى العاشر وتجاوزه واصبح مصطلح الإبادة الجماعية واضحا لا يقبل الشك.

من الناحية القانونية، سوف يستغرق الأمر وقتا اطول قبل ان تتمكن المحكمة الجنائية الدولية من تصنيف مثل هذه الجرائم، رغم ما يحدث الآن في قطاع غزة وبشهادة المدعي العام البريطاني الجنسية كريم جان الذي زار معبر رفح ولم يسمح له بالدخول إلى غزة في 30 اكتوبر.

يمكن تمييز مصطلح الإبادة الجماعية عن ‘‘ جرائم الحرب المحتملة ‘‘ و ‘‘جرائم ضد الانسانية ‘‘ وحسب تعريف الأمم المتحدة لجرائم الحرب ، هو ‘‘عمل او سلسلة اعمال غير قانونية تنتهك القانون الانساني الدولي الذي يهدف إلى حماية المدنيين اثناء الحرب ‘‘اما ‘‘الجرائم ضد الانسانية ‘‘ ليست بالضرورة معرفة في معاهدة مثل جرائم الحرب في اتفاقيات جنيف ولكنها تشمل، الفصل العنصري، العبودية، ترحيل السكان، القتل الجماعي وتحدث في سياق هجومي منهجي ضد السكان المدنيين، ومميزة ايضا بأعمال العنف واسعة النطاق على السكان والأقاليم وبطريقة منهجية منظمة.

مصطلح الإبادة الجماعية، صاغه رافائيل ليمكين، الحقوقي البولندي الذي شهد المجازر التي ارتكبها النازيون خلال الهولوكوست، وقد تم الاعتراف به لأول مرة من الامم المتحدة عام 1946 ثم تدوينه في اتفاقية الإبادة الجماعية عام 1948، كما الجرائم ضد الإنسانية، فالإبادة الجماعية ممكن ان تكون ذات طبيعة مختلفة وتعرفها المادة 2 من اتفاقية 1948 ما يلي : أي فعل من الافعال أدناه مرتكبة بقصد التدمير كليا او جزئيا، حزب او مجموعة قومية، دينية، عرقية، نقل افراد او مجموعة إلى خطورة على السلامة الجسدية او العقلية، الخضوع المتعمد للمجموعة تحت ظروف تؤدي إلى تدميرها جسديا كليا او جزئيا، الاجراءات الرامية إلى عرقلة الولادات، النقل القسري للأطفال من مجموعة إلى اخرى.

يكمن الفرق الرئيسي بين الجرائم ضد الانسانية والإبادة الجماعة في حقيقة انه لكي يتم تصنيف الافعال على انها إبادة جماعية يجب ان ترتكب بقصد التدمير وهذه من الصعب اثباته حتى لو تمكنت العدالة الدولية من ذلك عليها ان تأخذ بالأفعال وليس الاقوال، ولكن استمرار العدوان الوحشي من استهداف المستشفيات والمدارس وحتى سيارات الاسعاف واجبار الفلسطينيين من النزوح إلى جنوب غزة وقصفهم، لا يترك أي مجال للشك، أن هذه الافعال هي بقصد التدمير وانهاء الشعب الفلسطيني.

لم يستخدم مصطلح الإبادة الجماعية الا في الحالات التالية منذ اقراره:

الهرروس والناماس في جنوب غرب افريقيا الماني 1904-1908

الأرمن على يد الاتراك 1915-1916

اليهود خلال الحرب العالمية الثانية

كمبوديا تحت حكم الخمير 1970

ابادة التوتسي في روندا 1994

من الناحية الساسية والاعلامية فإن استخدام هذا المصطلح بشكل واسع من قبل الفلسطينيين ومؤيديهم، هو سلاح سياسي مجهزا بثلاثة اهداف مهمة، اولا، تشويش اذهان الناس عند تسليط الضوء على حجم الدمار وجرائم القتل التي ارتكبها الجيش الاسرائيلي، ثانيا، إظهار هذه الحرب ضد غزة والتي تقدمها اسرائيل كرد انتقامي على يوم 7 اكتوبر واخيرا التاريخ الطويل لسلب الحقوق والارض الفلسطينية منذ عام 1948، ايضا علينا التذكير ان الحكومة الحالية تعتمد على دعم المتطرفين اليهود المسيانيين، مثل الوزيرين بسليل سمرتريتش واتمار بن غفير، الذين لم يخفيا أبدا رغبتهما في القضاء على الوجود الفلسطيني من نهر الاردن إلى البحر الابيض المتوسط ، وهذا ما نشاهده اليوم من قتل واعتقالات في كافة مدن الضفة الغربية والتي زاد معدلها منذ 7 اكتوبر.

أيا كان التعريف القانوني الذي سيعطى للأفعال المرتكبة في غزة فانه يثير غضب الإسرائيليين ومن يدعمهم، ويعتبرون انهم هم من عانوا من الإبادة الجماعية فكيف يوصمون بذلك.

في عام 1948، تم طرد 700000 فلسطيني من اراضيهم باتجاه غزة وما يحدث الآن من تهجير من شمال غزة إلى جنوبها يعود بذاكرة الفلسطينيين إلى النكبة الاولى معتبرين هذه النكبة الثانية لهم.

تحاول حكومة إسرائيل بكافة الطرق تشويه نضال الفلسطينيين، وفي مقابلة بنيامين نتنياهو مع المستشار الماني اولاف سكولز، شبه المقاومة الفلسطينية وحماس بالنازيين الجدد، وهذا يذكرنا بعام 1982 يوم غزت إسرائيل لبنان، فقد حاول رئيس الوزراء آنذاك مناحيم بيغن تشبه ياسر عرفات بهتلر، ان اساليب الكذب وتشويه الحقائق ما عادت تنطلي على العالم، لقد ارادوا بحملتهم هذه القضاء على القضية الفلسطينية، فتحول العالم كله فلسطين.

ــــــــــــــــــ

المصدر: ميديا بار

عرض مقالات: