اخر الاخبار

ما نكتشفه من فساد في الأحزاب، وفي مواقع المسؤولية، كما يحدث بين الفينة والأخرى، أو صار يحدث بوتيرة متقاربة، هو تعبير عن استهانة هؤلاء بما هم فيه من مواقع، وما يتحملونه من مسؤوليات لا يقدّرون خطرها، وما تقتضيه من أمانة ومسؤوليات تفوق ما يمكن أن يكون عليه من هم تحتهم، أو يتبعون لإدارتهم، أو للحزب الذي هم مسؤولون أو أعضاء فيه، وهذا ما يسري على النقابات، وعلى المجالس المنتخبة، وكأن المفسدين يحتمون بهذه المواقع، وبهذه المسؤوليات لإخفاء فسادهم، أو لحماية أنفسهم، بقدر ما يستطيعون، من الإدانة والمتابعة والعقاب.

أكبر عائق فيما نعيشه من تَعثرات في التنمية، وفي استثمار الثروة من أجل التطور والتقدم، هو الفساد، بكل أشكاله، وحيله، وبكل الألاعيب التي يجري بها، وما يكون من تهريب للثروة خارج البلاد، أو استغلالها في البلاد، في استثمارات هي نوع من تبييض المسروقات، وما هو جرائم لا يمكن لأي عقل أو ضمير ما زال فيه شيء من الإنسان أن يقترفها، أو يعمل بنهبها، أو باستغلال منصبه ووظيفته وكرسيه وعلاقاته، ليبقى في منأى عن المراقبة والمتابعة.

الفساد ورم خبيث، حين يتسلط على جسم ما يتعبه وينهكه،  ويجعله طريح الفراش، أو ضعيف الحركة، غير منتِ، ما عطل الكثير من البلاد، وأوقف نـموها، أو أخلّ به، وأخلّ بالثروة والاستثمار فيها، وانعدمت فيها ثقة الناس بالمسؤولين، وهؤلاء، بدورهم لم يقدّروا ما كانوا يجرّون إليه البلاد من توتّر وخلل في اقتصادها، وفي ثرواتها، وفي خيراتها التي ينتهزها القليلون، والكثيرون يعيشون في بؤس وضيق وحاجة، ما قد يربك الأمن، ويربك التجارة والاقتصاد.

الورم، حين يكون خفيّاً، فهو يعبث بالجسم كما يشاء، وينتشر، ويستفحل، ويمتص الدم والماء والعظام، يهزل الجسم، ولا نتوقع ما يحدث في داخله من نزيف ونهب لدمه، إلا حين يفتضح الأمر بظهور ما يكفي من حجج أو علامات وحقائق لا أحد يستطيع إخفاءها أو إتلافها، أو التلاعب بها، فنعرف حينها أن الدم الفاسد كان بعامل الورم الذي أفسد الجسم، وأفسد الدم، والنفْس والنفَس، وحول الثراء إلى وباء، والغنى إلى ضنك وفقر وعوز.

البلاد تغرق في القروض، دين وراء دين، وكل دين لا أحد يقول لنا ماذا كانت شروطه، فهو ليس  قرضاً حسناً، أو قرضاً لوجه الله، ونحن نعرف ما تضعنا فيه هذه القروض من أزمات، وما تفرضه على العمال والموظفين، وعلى الأجور، وعلى الوظائف ومناصب الشغل، وعلى الوظيفة العمومية، وخزينة الدولة من حيف، ومن ظلم، ومن وضعٍ لليد على اقتصاد البلاد، وكأننا نستمد الدم لهذا الجسم المنهك من دم يجعل جسمنا لا يتحرك ولا يتنفس إلا بما يُمليه ويفرضه، ضمن ما وضعه من شروط حتى يكون القرض حسناً.

أو ليس الفساد عاملا حاسما في هدر الثروة، وهدر كل الجهود للنهوض من الكبوات التي، بقدر ما تفرضها علينا الطبيعة، بقدر ما يفرضها علينا الفساد والمفسدون، من ينخرون الجسم من داخله، وهم الورم الخبيث الذي يحتاج إلى غسل الدم، أو تطهيره مما يعلق به من فساد أو خبث، حين يكون العلاج حاسماً، جدياً، وفاعلاً، لا هوادة ولا رأفة فيه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

صحيفة «المساء» المغربية – 25 كانون الأول 2023

عرض مقالات: