اخر الاخبار

لا يختلف اثنان في تسمية العدوان الإسرائيلي على غزة بأنها جريمة حرب شنيعة وحشية وإبادة جماعية لسكانها الفلسطينيين، ويمكن مقارنته بأكبر إبادة جماعية في تاريخ البشرية التي اقترفتها ألمانيا النازية ضد اليهود في ألمانيا، وسميت “بالهولوكوست” (المحرقة)، وفي أراضي حلفائها وفي البلدان التي احتلتها ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية (خاصة في الاتحاد السوفيتي وأوكرانيا وبولندا بالذات وغيرها)، وكذلك مقارنة العدوان بالإبادة الجماعية التي تعرض لها الأرمن عام 1915 على يد برابرة الأتراك العثمانيين.

كان على إسرائيل أن تتذكر هذه الفترة المأساوية من تاريخها قبل الإقدام على عدوانها الوحشي على غزة، ولكن يبدو أنها لم تستخلص العبر والدروس المرة من الإبادة التي تعرض لها اليهود على يد ألمانيا الهتلرية النازية. وإذا كانت إسرائيل قد نست ذلك وتقوم اليوم بإبادة أقسى وأبشع من الإبادة النازية وتقصف المستشفيات المليئة بالجرحى من الأطفال والنساء والشيوخ وكذلك المساجد والكنائس الفلسطينية فبإمكاننا تذكيرها بكل هذه البشاعة لكي تفيق وتتوقف عن عدوانها وخرقها للقانون الدولي والذي حشدت من أجله قدراتها وكل قدرات الماكنة العسكرية الأمريكية وحلف الناتو. فكيف لو واجهت إسرائيل دولة عظمى أو بلدا ذا امكانيات عسكرية كبيرة؟

ومع ذلك نرى انه لا بد من تذكير إسرائيل بالإبادة التي تعرض لها اليهود على يد هتلر، وليس تمجيدا به انما تذكيرا لإسرائيل، والذي تحت حكمه وقيادته جرى قتل وابادة ملايين اليهود. وأرسل النازيون مئات الآلاف منهم إلى معسكرات الموت حيث كانوا ينتظرون مصيرهم. وقد تطورت كراهية هتلر لليهود على مر السنين ولعدة اسباب: منها ان هتلر كان نازيا وعداءه تجاه اليهود كان عنصرا اساسيا في الأيديولوجية النازية، وكان يؤمن بنقاوة العرق ومنع اختلاط الآريين مع الأجناس الأخرى. وكان يعتبر العرق الآري هو الأنقى والأكثر كمالا وتطورا فكريا، وبرأيه كان عليهم أن يأخذوا قمة الهيمنة على العالم وكان يرى في اليهود التهديد الرئيسي للعرق الآري.

كان هتلر يعتقد أن هزيمة ألمانيا خلال الحرب العالمية الأولى سببها القادة العسكريون اليهود على رأس بعض الفيالق والمفارز العسكرية الألمانية والقى باللوم عليهم في هزيمة ألمانيا الذين كانوا جزءا من الجيش الألماني، بل أن بعضهم قاد فرقا بأكملها وشغل مناصب عليا في الحكومة الألمانية خلال الحرب العالمية الأولى وبرأيه خانوا ألمانيا في هذه الحرب.

وكان هتلر يؤمن بنظرية المؤامرة اليهودية التي تنص على وجود جمعية سرية لليهود للهيمنة على العالم. وكان يصرح دائما أن لا موطن لليهود ولا يملكون قطعة أرض لكي ينشئوا عليها. وكان يعتبر اليهود والغجر من نفايات المجتمع واللذين لا مكان لهما في العالم الحضاري، ولهذا قرر تنظيف أوروبا منهم.

واليوم نسى بنيامين نتنياهو كل هذه الجرائم البشعة بحق ابناء جلدته وبدأ يقترف جرائم مماثلة بل وأبشع منها بحق سكان غزة الأبرياء ويقصف الأحياء المدنية ويقطع امدادات الماء والطاقة عنها ويعمل على عزلها عن العالم الخارجي، وبذلك يريد أن يثبت انه نازي إسرائيلي جديد يتبع أساليب أقذر وأبشع من الإبادة النازية وينوي ابادة شعب فلسطين بأكمله كما فعل هتلر باليهود في ألمانيا.

إسرائيل اليوم هي بؤرة توتر لإشعال نار الحرب وقاعدة أمريكية في منطقة الشرق الأوسط، ونتنياهو، أو أي مسؤول إسرائيلي آخر، “عملة تصريف” و “دمية” بيد الولايات المتحدة ومتى ما شاءت الأخيرة بإمكانها تأجيج الوضع في هذه المنطقة او اي مكان آخر. فقد شاهدنا كيف هربت الولايات المتحدة من أفغانستان ومنيت بهزيمة شنعاء تلاحقها لعنة الأفغانيين. وما ان خرجت من هذه المنطقة حتى أشعلت نار الحرب في أوكرانيا. وبعد عام ونصف من الحرب في هذا البلد وهدر مليارات الدولارات الأمريكية على تسليح أوكرانيا لكي تحرز نجاحا ما وتلحق بروسيا هزيمة استراتيجية إلا أنها فشلت فشلا ذريعا في تحقيق مشاريعها في أوكرانيا وتشعر اليوم بأنها مقبلة في الأسابيع الأخيرة على هزيمة شنيعة مماثلة لهزيمتها في أفغانستان. لهذا حركت “دميتها” إسرائيل لتفجير منطقة الشرق الأوسط من خلال العدوان وتأجيج الوضع في قطاع غزة لقاء 61 مليار دولار كمساعدات لإسرائيل مقابل خدماتها الاجرامية الجليلة للولايات المتحدة. وكما قلنا سابقا إثارة الحروب وتدبير الانقلابات وخلق الأزمات مهنة تمارسها أمريكا وبدونها تموت.

بايدن يريد أن يلعب ورقته الأخيرة، يريد أن يحرز انتصارا ما قبل ان يدخل الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة. فقد فشل في أفغانستان ومن ثم في أوكرانيا، وما من شك انه سيخسر ورقته في الشرق الأوسط أيضا. فمن الصعب على أمريكا أن تدخل في مواجهات عدة وعلى اتجاهات مختلفة في آن واحد، في أوكرانيا وتايوان والشرق الأوسط. فالوضع العالمي ليس كالسابق ويسير باتجاه العالم متعدد الأقطاب وتظهر بلدان سيادية جديدة تناهض سياسة القطب الواحد وترفض التبعية ونهب خيراتها من قبل البلدان الطامعة. وحتى في الشرق الأوسط تغير الوضع ليس لصالح الولايات المتحدة. فالبلدان العربية التي كانت تعتبر حليفة لأمريكا قد أدارت وجهها عنها وتنوي الانضمام إلى بلدان “بريكس” للتنمية. وجاء التقارب السعودي الايراني كخطوة لا مثيل لها في تاريخ المنطقة وستترك أثرها الايجابي لا محالة على بلدان الشرق الأوسط.

وفي أوروبا تتصاعد شعبية قوى اليمين المتطرف: في سويسرا فاز في الانتخابات البرلمانية الأخيرة “حزب الشعب السويسري الوطني المحافظ” المؤيد للحياد والحفاظ على الهوية الوطنية والمعارض لانضمام البلاد إلى الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو ولمشكلة الهجرة والعقوبات المفروضة على روسيا وتوريد الأسلحة السويسرية إلى أوكرانيا. وفي ألمانيا تزداد شعبية “حزب البديل من أجل ألمانيا” الذي فاز بالمرتبة الثانية بعد التحالف الحاكم، والحزب يعارض أيضا العقوبات ضد روسيا ودعم أوكرانيا بالأموال والأسلحة. وفي يناير من العام المقبل سيظهر في ألمانيا حزب جديد: الحزب اليساري الألماني برئاسة السياسية والنائبة في البوندستاغ “سارة فاغنكنيخت” الداعية للنضال من أجل العدالة الاجتماعية وتطوير الاقتصاد الألماني واتباع سياسة خارجية سلمية ورفض التدخل العسكري في الأزمات. ووصفت سارة حكومة شولتز بانها من أسوأ الحكومات في تاريخ ألمانيا.

وفي أمريكا اللاتينية، في الأرجنتين خاصة، جرت الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية وفاز فيها بشكل غير متوقع مرشح التحالف الحاكم” الاتحاد من أجل الوطن” وزير الاقتصاد سيرخيو ماسا بنسبة 36,7% من الأصوات. وحسب النظام الانتخابي الأرجنتيني يمكن للمرشح أن يفوز في الانتخابات الرئاسية في جولة واحدة اما الفوز بأكثر من 45% من الأصوات أو الفوز بنسبة 40% متقدما على المرشح الفائز بالمرتبة الثانية بأكثر من 10 نقاط مئوية. وفي حالة عدم اجتياز اي مرشح للشروط المذكورة سيتم اجراء جولة ثانية بين الفائزين بالمرتبة الأولى والثانية. ويشير المتابعون لهذه الانتخابات إلى انه من الصعب الكشف عن السياسة التي سيتبعها اي من المرشحين للرئاسة الأرجنتينية سواء تجاه أمريكا او روسيا.

أرادت امريكا من خلال تأجيج الوضع في منطقة الشرق الأوسط تحقيق هدفين، من ناحية صرف انظار العالم عن هزيمتها في أفغانستان وفشلها في أوكرانيا، ومن ناحية أخرى انقاذ “دميته” نتنياهو من الأزمة السياسية الخانقة التي استفحلت في إسرائيل قبل احداث قطاع غزة والتي قررت قوى المعارضة له تنحيته عن السلطة.

على الأمم المتحدة ان تقوم بدورها الذي أنشأت من أجله: تعزيز السلام والأمن بين الدول وتسوية النزاعات وتقديم المساعدات الانسانية. سكان غزة بأمس الحاجة اليوم إلى هذا الدور وأنهم معرضون إلى أبشع ابادة في التاريخ على يد برابرة القرن الحادي والعشرين – إسرائيل وامريكا. على الأمم المتحدة ان لا تكون أداة ودمية بيد هؤلاء المجرمين بحق الشعب الفلسطيني، عليها ان تحترم البلدان المنضوية تحت لوائها وتتخذ في الحال قراراها بلجم ووقف اعمال الإبادة الوحشية بحق سكان غزة.

بهذا الصدد، وكأن صوتنا قد سمع، صرح الأمين العام للأمم المتحدة أنتونيو غوتيريش في 15/10/2023 في الجلسة المكرسة لأحداث غزة. وفي الواقع يمكن القول بانه أدلى بتصريح تاريخي لم يكن متوقعا: “دعا إلى وقف إطلاق النار فورا لوضع حد “للمعاناة الاسطورية لسكان غزة”، واضاف “ ان القصف الإسرائيلي وحصار غزة يمكن مقارنته بالعقاب الجماعي للشعب الفلسطيني وخرق القانون الدولي”. وقال غوتيريش “ ان هجمات حماس في 7 أكتوبر كانت مروعة لكنها لم تحدث في فراغ، لأن الشعب الفلسطيني تعرض على مدى 56 عاما لاحتلال خانق ورأى كيف تبتلع المستوطنات أراضيه بشكل مطرد وكيف يعاني من العنف، اقتصادهم منهار وشعبهم مشرد ومنازلهم مدمرة وآمالهم في التوصل إلى حل سياسي ولوضعهم المأساوي تتلاشى”.

وقد اثار تصريح غوتيريش ضجة في اوساط الأمم المتحدة وعدم ارتياح في إسرائيل حيث دعا ممثل إسرائيل الدائم لدى الأمم المتحدة “جلعاد اردان” الأمين العام إلى الاستقالة فورا متهما اياه بأنه بعيد عن الواقع. وقال ان تصريحاته تشكل مبررا للإرهاب والقتل. وأضاف انه من المحزن أن يقود شخص يحمل مثل هذه الآراء منظمة نشأت بعد “محرقة اليهود”.

وفي الواقع انني أصفق للأمين العام غوتيريش وأقول له “برافو” على تصريحاتك الشجاعة والكشف أمام أنظار العالم عن حقيقة نشوء إسرائيل!

ومهما حاولت إسرائيل تبرير حقها في الرد بهذا الشكل النازي الفاشي البشع فإنها متورطة في الإجرام وإبادة الفلسطينيين وعلى العالم الحر إحالتها إلى القضاء على شاكلة محاكمات نورنبيرغ بتهمة ممارسة جرائم حرب وابادة شعب بأكمله.

عرض مقالات: