اخر الاخبار

سعت الدعاية الصهيونية والمراكز الإمبريالية الموالية لها، منذ البدء، على خلق تشابه بين المحرقة النازية لليهود وبين ماحدث في السابع من تشرين الأول، وذلك لوصف حماس بالنازية، وبأنها لا تهتم بالسلام، بل تريد إبادة اليهود.

ورغم وجود من لا يستطيع التمييز بين الإسرائيليين واليهود، وأن دعاية هؤلاء قد تستخدم استعارات معادية للسامية، وإن من بينهم اناس يكرهون اليهود أكثر من حبهم للفلسطينيين، فإن من حق المرء التساؤل عن سبب وجود انداد هؤلاء في الجانب الموالي لإسرائيل، ممن دأبوا على نعت كل معارضة للاحتلال العنيف والطويل الأمد لفلسطين بمعادية السامية.

إن وصف هؤلاء للصراع بأنه معركة ضد النازيين ليس بالأمر الجديد، فقد سبق لبيغن أن وصف زعيم المقاومة الفلسطينية ياسر عرفات على أنه هتلر جديد، اثناء العدوان الإسرائيلي على لبنان العام 1982، وذلك لتبرير جرائم قواته ضد المجمعات السكنية ومخيمات اللاجئين في بيروت على انها تشبه تفجيرات الحلفاء في برلين. وهو ذات الوصف الذي أطلقه السناتور بريان ماست على اطفال فلسطين، فيما كان البريطاني دوجلاس موراي، أكثر تعسفاً منه حين رفض تشبيه الأمر بالإبادة الجماعية ليهود أوروبا، لأن النازيين لم يستمتعوا بقتل اليهود كما يستمتع بذلك الفلسطينيون على حد ادعائه!

ولا تكمن خطورة هذا الأمر اليوم، في إدانة الفلسطينيين فقط، بل وفي تبرير القصف الإسرائيلي الوحشي للمدنيين بإعتباره دفاعاً عن النفس، مما يخيف الناس ويمنعهم من الإحتجاج عليه أو رفضه، فليس من المعقول، أن يحتج أحد على من يريد انقاذ نفسه من الإبادة!

كما ستبدو مقاومة الاحتلال أفعالاً شريرة، وانتقاد قوانين الفصل العنصري كذبة، ووصف المظاهرات المؤيدة لوقف إطلاق النار بأنها “مسيرات الكراهية” الشبيهة بالمسيرات النازية، فيما سيعّد ممثلو اسرائيل، الذين يأمرون بمصادرة الأراضي الفلسطينية وتحويل حياة الناس لجحيم، ضحايا و”أبناء نور وحضارة” يخوضون حربا ضد “الظلام والبربرية”.

وتسعى الدعاية الصهيونية والامبريالية للتعتيم على حقائق صارخة، ففي الفترة ما بين 2008  و 2023، قُتل 6417 فلسطينيا و308 إسرائيليياً في الصراع، بينما أصيب 153431 فلسطينيا و6316 إسرائيليا، بحسب إحصاءات الأمم المتحدة. وفي المعارك الأخيرة، قتل حوالي 1200 إسرائيلي مقابل أكثر من 14000 فلسطيني في غزة والضفة الغربية، بما في ذلك 6000 طفل، وتم تهجير حوالي 1.7 مليون فلسطيني من منازلهم، التي دمرت القنابل والصواريخ والجرافات الإسرائيلية معظمها.

إن ارتكاب جرائم حرب جسيمة وجرائم ضد القانون الدولي ليس أمرا غريباً في التاريخ، لكن الأمر الفريد من نوعه هو الطريقة التي أعلن بها المسؤولون الإسرائيليون عن نواياهم في ارتكاب أعمال إجرامية، الأمر الذي دفع علماء الإبادة الجماعية وكبار خبراء المحرقة إلى التحذير من أن الإبادة الجماعية الإسرائيلية للفلسطينيين أصبحت وشيكة، وأن إسرائيل، بالقول والأفعال، تضع الأسس لتشريد جماعي دائم لسكان غزة.

وعموماً، و قبل فترة طويلة من قيام حماس، بإدراج مطلب إقامة دولة فلسطينية “بين النهر والبحر” في برنامجها العام 2017، تبنى حزب الليكود الحاكم بزعامة نتنياهو بالفعل برنامجًا في عام 1977 نص بالمثل على احتفاظ إسرائيل بالأراضي المحتلة والحفاظ على سيادتها إلى الأبد، عبر شعار الهيمنة “بين البحر والأردن”، الذي يعني بالضرورة إبعاد المجموعة الأخرى أو إبادتها أو على الأقل إخضاعها. كما لا بد ان نتذكر التصريحات الأخيرة لوزير الدفاع من أن إسرائيل “تحارب الحيوانات البشرية وتتصرف وفقاً لذلك”، وتهديد وزير التراث الثقافي الإسرائيلي بإمكانية اسقاط قنبلة ذرية على غزة، واعلان وزير الزراعة الإسرائيلي عن قرب حدوث “نكبة جديدة”، وأخيراً تصريح الرئيس الإسرائيلي من أن الشعب الفلسطيني بأكمله مذنب. 

إن الإشارة إلى الضحايا المقصودين باعتبارهم تهديداً لسلامة الجماعة هي الإستراتيجية الكلاسيكية لتبرير الإبادة الجماعية، إنه نفس التبرير الذي استخدمه الأثيني كليون في القرن الرابع قبل الميلاد، حين طالب بإعدام جميع رجال ميتيليني واستعباد جميع النساء والأطفال، بحجة أنهم لا يفهمون سوى العنف وأنهم يشكلون تهديدًا لمستقبل أثينا. وهكذا، فإذا رأى الأوربيون والأمريكان بأن الفلسطينيين نازيون، فإن الحكومة الإسرائيلية تستطيع أن تفعل بهم ما تشاء، وتبقى تصور نفسها كمدافع عن الحضارة والديمقراطية والتسامح. الأمر سيء للغاية، وبعيداً عن البلاغة، لن يكون هناك ما يمكن رؤيته في غزة قريباً، سوى المركبات التي تم قصفها والمنازل المدمرة والجثث البشرية المتعفنة.