اخر الاخبار

بغداد ـ أنقرة الأمن والماء والأخوة الأعداء

نشرت صحيفة الصباح التركية تقريرًا لمراسلها على الحدود مع العراق، أكد فيه تعزيز سلطات أنقرة لإجراءاتها الأمنية في محافظة هكّاري، حيث تُقيم جدارًا أمنيًا وشبكة من الخنادق العميقة للحد من عمليات العبور غير الشرعي، وأنشطة التهريب، والتهديدات الأمنية.

جدار وتقنيات مراقبة

وذكرت الصحيفة أن الجدار الخرساني النموذجي، الذي يبلغ طوله 2,152 مترًا، والذي بُني في قرية أناداغ التابعة لقضاء ديريجيك، قد أُنجز في العام الماضي، حيث يشمل المشروع أيضًا نظام خنادق بطول 10 كيلومترات وبعمق 7 أمتار وعرض 7 أمتار، إضافة إلى تقنيات مراقبة متطورة وكاميرات بانورامية مثبتة على الجدران، وأنظمة حرارية من نوع PTZ، ومعدات للرؤية الليلية، وأجهزة استشعار صوتية قادرة على رصد الاهتزازات والحركات على طول الجدار.

وأشار التقرير إلى أن المنطقة، التي تضم مجرى حاجي بيه والتي تعّد جزءاً من الحدود التركية–العراقية، قد صُنّفت منطقة عسكرية محظورة من الدرجة الأولى بموجب القانون التركي، بحيث يُسمح للسكان المحليين بالوصول إلى موارد المياه خلال مواسم الجفاف بعد الحصول على موافقات رسمية معقدة.

كما أكد التقرير أن تركيا شيدت العديد من الجدران الأمنية الأخرى بين عامي 2017 و2025، منها 363 كيلومترًا على حدودها مع العراق، و560 كيلومترًا مع إيران، و81 كيلومترًا في أغري، و54 كيلومترًا في إغدير، و19 كيلومترًا في هكّاري، و209 كيلومترات في محافظة وان.

أزمة المياه

وفي السياق نفسه، نشرت الصحيفة ذاتها مقالًا للكاتب جميل دوغ إيبيك تناول النزاع طويل الأمد حول نهري دجلة والفرات بين تركيا (دولة المنبع) والعراق (دولة المصب)، إذ تتهم بغدادُ أنقرةَ بتقييد التدفق، فيما تدّعي الأخيرة أنها تتصرف ضمن حدود حقوقها وبحسن نية.

واستعرض المقال تاريخ التنافس على حوضي دجلة والفرات، ولاسيما منذ عام 1975، حين أدى بناء العديد من السدود وملؤها إلى انخفاض حاد في تدفقات المياه نحو العراق، ما تسبّب بأزمة لم تُحل إلا بعد تشكيل الدول الثلاث المشاطئة لجنة فنية مشتركة. غير أن هذه اللجنة لم تتوصل إلى حلول عملية بسبب إصرار تركيا على تحديد احتياجات العراق بشكل دوري ورفضها الاتفاق على حصص ثابتة لدول المصب.

وأضاف المقال أنه مع حلول تسعينيات القرن الماضي، كان مشروع جنوب شرق الأناضول الضخم (GAP)، الذي يبني عشرات السدود ومحطات الطاقة الكهرومائية، يُحدث تحولًا كبيرًا في المنطقة، إذ انخفضت تدفقات المياه إلى المصب وتكررت حالات الجفاف في العراق، فأصبح التعاون الحقيقي بعيد المنال.

مطالبات تركيا والعراق

وذكر الكاتب أن تركيا لطالما أكدت حقوقها كدولة ذات سيادة على المنبع، داعيةً إلى تقاسم “عادل” للمياه يعتمد على الاحتياجات الفعلية للطرفين، مع رفضها مطالبات دول المصب بحصص تاريخية ثابتة. كما تتعامل السياسة التركية مع النهرين كحوض واحد مترابط يُدار بصورة شاملة، وهو موقف يتعارض مع مطالبة العراق بفصل نهر الفرات عن نهر دجلة لكونهما مجريين مختلفين. وتُنكر أنقرة وجود أي توزيع دولي مُلزِم، متمسكةً بالوصول إلى اتفاق يُبنى على دراسات فنية مشتركة وتسويات متبادلة.

ونقل المقال مزاعم تركيا بأنّها تساهم بنحو 60 في المائة من إجمالي تدفق نهري دجلة والفرات ولا تستخدم سوى نصف هذه الكمية، في حين يطالب العراق بنحو 81 في المائة من المياه رغم أنه لا يساهم بأكثر من 36 في المائة من مياه نهر دجلة فقط. كما أشار إلى أن بغداد تؤكد حق دول المصب في مياه دجلة والفرات، مستندة إلى مبدأ أن إجراءات دول المنبع يجب ألا تسبب “ضررًا ذا شأن” لاستخدامات دول المصب، منتقدةً السدود التركية التي تسببت بالجفاف وخفضت تدفقات الأنهار.

وتستند تركيا من جهتها إلى تقارير دولية تنتقد سوء إدارة العراق لموارده المائية، إذ ذكرت الأمم المتحدة عام 2021 أن ما يصل إلى 50 في المائة من مياه العراق يُهدر بسبب التسرب وسوء الاستخدام، وأن نحو 90 في المائة من السحب المائي في العراق يذهب إلى الري في قنوات مفتوحة معرضة لخسائر كبيرة.

النفط مقابل الماء

وأشار المقال إلى أن الاتفاقية الإطارية التي وقعها الرئيس التركي مع الحكومة العراقية عام 2024 فتحت صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين، وتُوجت باتفاقية تنفيذ تفصيلية عام 2025 تربط عائدات النفط العراقية بتمويل البنية التحتية المائية الضرورية، التي تتولى الشركات التركية حصريًا إنشائها، مثل السدود وشبكات الري الحديثة وغيرها، مما يمكن معه وصفها اتفاقية “النفط مقابل الماء”.

ويرى الكاتب أن الاتفاقية أنشأت آلية تعاونية مشتركة لإدارة الأنهار، وتعزيز الكفاءة، وبناء مرافق جديدة لتخزين المياه والري، وضمان الاستخدام المستدام، كما تسهم في تحسين الأجواء بين أنقرة وبغداد بصورة ملحوظة، وتدفع الحكومتين للإقرار بأن تغير المناخ والجفاف الإقليمي يتطلبان التعاون بدلًا من التنافس الصفري.