تشهد محافظات وسط وجنوب العراق، أبرزها ميسان، تزايدا مخيفاً في النزاعات العشائرية، لاسيما المسلحة، في وقت كشف فيه مصدر مسؤول في وزارة الداخلية عن معطيات مقلقة ترتبط بهذه النزاعات، وتتعلق بطبيعة الأسلحة المستخدمة واتساع الأسباب التي تؤدي الى هذه النزاعات.
الف نزاع
وقال مصدر مسؤول في وزارة الداخلية لـ"طريق الشعب"، ان "النزاعات العشائرية زادت بشكل ملحوظ في عام 2025 ووصلت الى أكثر من 1 ألف نزاع: 200 منها استخدمت فيها الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، وأدت الى سقوط ضحايا".
واضاف، ان "ارتفاع عدد النزاعات العشائرية وصل الى اربعة اضعاف عن العام الماضي، وكانت اسبابه مختلفة، بين صراع على الاراضي وتراجع اطلاقات المياه في بعض المناطق، فضلا عن وفرة السلاح الذي يدفع غالبا الى استخدامه، ويتطور الأمر الى نزاعات تستمر فترات طويلة".
واشار الى ان "وزارة الداخلية ترصد هذا المؤشر الخطير، ووجهت بالتعامل المباشر وردع من يحاولون زعزعة استقرار المواطنين"، لافتا الى ان "العملية الأمنية في محافظة ميسان، والتي اشرف عليها وزير الداخلية، جاءت بنتائج ايجابية في وقتها، لكن بمجرد انتهاء الحملة عادت النزاعات للظهور مرة اخرى".
وأكد، ان "محافظة ميسان بالإمكان السيطرة عليها أمنيا وفرض القانون، من خلال توزيع الجهد الامني على المناطق، وتقسيم المحافظة الى مناطق محددة والسيطرة عليها أمنياً، فضلا عن دعم شيوخ العشائر الذين يدعمون قوة القانون".
أسلحة متوسطة
من جانبه، يرى الباحث بالشأن السياسي والاكاديمي د. غالب الدعمي، ان ضعف الدولة وضعف النظام هو احد أسباب النزاعات العشائرية، من خلال السماح للعشائر، بسبب الانتخابات، بالتمدد على سلطة الدولة. اضافة الى التهاون معها من خلال السماح لها باستخدام الاسلحة، وحتى متوسطة.
واضاف، انه "يوم أمس في العمارة، وخلال تشييع إحدى الشخصيات العشائرية، رأينا استخدام اسلحة متوسطة، وهذه الاسلحة لا يستخدمها سوى الجيش"، لافتا الى ان "التهاون مع هذه الأسماء والعناوين أدى إلى هذا الانفلات الكبير. وبتقديري يفترض ان يحاسب هؤلاء".
وبين الدعمي، ان "السلاح المخصص لحماية النفس يُفترض أن يكون خفيفاً، لا يتجاوز حدود المسدس أو الرشاشة، ودون ذلك يجرم من يمتلك سلاحا آخر".
مواقف تاريخية
بدوره، قال الخبير الأمني سيف رعد، ان "النزاعات العشائرية وما يُعرف بالدكة العشائرية قد تكون تحت السيطرة في مراكز المدن، لكن في أطراف المحافظات والمدن ذات الطابع القبلي العشائري، من الصعب السيطرة عليها".
وأضاف انه "رغم التصريحات التي تداولتها وزارة الداخلية بخصوص انخفاض المعدلات، إلا أننا خلال 48 ساعة لم نرَ هذا الانخفاض. هذه النزاعات تُعدّ خارج إطار الدولة وخارج إطار القانون، رغم أن للعشائر مواقف تاريخية في محاربة تنظيم داعش، وفي إسناد النظام العراقي".
وأردف "لكن، مع ذلك، يجب على الجميع الخضوع للقانون وللدستور العراقي. وأي محاولات من بعض العشائر لرفع السلاح تُعتبر خارج إطار الدولة"، مبينا انه "مع الأسف، الكتل السياسية وبعض النواب وحتى بعض الحكومات قوّت هذه العشائر؛ من خلال توزيع السلاح والمسدسات كعرف سياسي. هذا العرف السياسي شجّع بعض العشائر وبعض العناصر المحسوبة عليها على استخدام هذه الأسلحة".
مزاج توافقي
واشار الى ان "السلطة التنفيذية دائماً تخضع للمزاج التوافقي الحكومي، وبالتالي القرار السياسي بيد الكتل السياسية، والقرار التنفيذي بيد الكتل السياسية والحكومة".
وعن طبيعة هذه النزاعات، ودخول ملف المياه في الأزمة، قال رعد ان "صراع المياه يأتي مُكملاً لصراعات أخرى تشمل الأراضي في عدة محافظات، حيث شهدنا نزاعات مسلّحة بسبب خلاف عشائري أو خلاف بين عشائر والحكومة حول قطع أراضٍ".
وذكر، ان "ما يحدث اليوم بخصوص نزاعات ملف المياه يرتبط بعدة جوانب اقتصادية، مثل استخدام الأراضي الزراعية أو أحواض الأسماك. بعض المحافظات وبعض العشائر التي تمر فيها هذه المياه قد تمنع أو تعرقل مرورها إلى أراضٍ أخرى، وهذا ما يُعدّ احتكارا للمياه على عشيرة محددة أو جماعات محددة داخل المحافظات، وهو سابقة خطرة. هذه الممارسات أدت إلى ردّات فعل، وقد أدت أو قد تؤدي مستقبلاً إلى حمل السلاح".
حصر السلاح المنفلت
ولخص رعد بالقول: بالمحصلة، الجميع يعلم أن هذا الملف مرتبط بالأداء الحكومي. كنا نتحدث عن حكومة كان من المفترض أن تكون لديها استراتيجية واضحة للسيطرة على السلاح المنفلت، وحصر السلاح. لكن الواضح جداً أن سلاح العشائر والسلاح الثقيل ما زال بيد جهات لا تستطيع الحكومة فرض سلطتها عليها. وهذا يدل على ضعف القيادات الأمنية في تلك المحافظات، ويدل أيضاً على عدم وجود سلطة قوية من قبل الحكومات المحلية في تحمل مسؤوليتها المباشرة".
في البصرة وميسان
وخلال الأسبوع الماضي، شهدت محافظات جنوبية تداعيات أمنية على خلفية نزاعات عشائرية، حيث اندلعت اشتباكات مسلحة في منطقة الشافي بقضاء الدير شمالي محافظة البصرة، بين القوات الأمنية وعدد من المسلحين في المنطقة، وذلك بعد تدخل قوة عسكرية لفض نزاع عشائري مسلح.
وقال مصدر أمني إن القوات الأمنية تعرضت لإطلاق نار كثيف أثناء دخولها المنطقة، قبل أن تتمكن من السيطرة على الموقف وإنهاء الاشتباك، فيما لاذ عدد من المتورطين بالفرار نحو مناطق الأهوار.
وأسفرت العملية عن إلقاء القبض على 14 متهماً، وضبط 15 عجلة كانت مستخدمة في الاشتباك، بينما تم تسليم الموقوفين إلى القضاء، وتواصل الأجهزة الأمنية ملاحقة الفارين، وفقا للمصدر.
وفي ميسان، قال مصدر أمني بأن شخصا قتل اثنين من أبناء عمومته وأصاب أخاهما الثالث. وذكر المصدر إن “نزاعا مسلحا دار بين أبناء عمومة من البدو في مشكلة عشائرية في ناحية كميت شمال ميسان”.
وأضاف أن “النزاع اسفر عن مقتل أخوين على يد ابن عمهما وإصابة أخاهما الثالث”.
وفي سياق منفصل، اندلعت اشتباكات مسلحة، بين قوة من الجيش العراقي ومجموعة مسلحة أقدم عناصرها على قتل مسؤول بدائرة كهرباء محلية في محافظة ميسان. وأفاد مصدر، بانهيار الوضع الأمني في ناحية السلام غربي المحافظة، على خلفية دخول قوة من الجيش باشتباكات مسلحة عنيفة مع قتلة مدير كهرباء الناحية (نجم عبدالله) الذي تم اغتياله ظهر اليوم بهجوم مسلح.