أقيم في الساعة الثالثة من عصر يوم السبت الموافق 22 من الشهر الجاري، حفل تأبيني بمناسبة مرور (40) يومًا على وفاة الرفيق عمر علي الشيخ (أبو فاروق)، في قاعة البروفيسور عز الدين مصطفى رسول بفندق كراند ميلينيوم.
ابتدأ الحفل بالوقوف دقيقة حداد على أرواح شهداء الحركة الوطنية العراقية الكردستانية. ثم ألقى الرفيق أبو كاروان، سكرتير الحزب الشيوعي الكردستاني، كلمة رحّب فيها بممثلي القوى السياسية وعوائل الشهداء والضيوف، واستعرض مسيرة الرفيق أبو فاروق منذ التحاقه بالحزب عام 1946، مشيرًا إلى وضوح صفاته القيادية منذ وقت مبكر، حيث شغل مراكز قيادية عدة في الحزب الشيوعي العراقي، حتى تم انتخابه أول سكرتير للحزب الشيوعي الكردستاني عند الإعلان عن تأسيسه عام (1993).
بعد ذلك ألقى الرفيق رائد فهمي كلمة الحزب الشيوعي العراقي، قال فيها ان "الرفيق أبو فاروق يعد من الرعيل الأول الذين زرعوا بذور الشيوعية في العراق، وكرّس كل حياته للحزب، وكان صلبًا وشجاعًا ومتواضعًا، ويُعتبر من أيقونات العمل السري، وتجربته في هذا المجال تُدرّس لما لها من أهمية في ظروف عمل الحزب".
كما استعرض الرفيق فهمي الوضع العام في العراق والمنطقة والعالم، مؤكدًا ضرورة استلهام تجربة الرفيق أبو فاروق في الثبات على المبادئ لتجاوز الصعوبات التي تواجه الحزب، وعموم الحركة الوطنية والديمقراطية العراقية والكردستانية.
بعد ذلك، تمت قراءة كلمة السيد بافل طالباني، التي أكد فيها على الاعتزاز الكبير بالقامة الكبيرة والمناضل العنيد، مشيرًا إلى أنه كرّس حياته من أجل الوطن والشعب وتحقيق العدالة الاجتماعية.
ثم أُلقيت كلمة للأستاذ فاروق مصطفى رسول، أحد الأصدقاء والرفاق المقربين للرفيق أبو فاروق، ولم يتمكن من المساهمة في التأبين لأسباب خاصة.
بعد ذلك، عُرض فيلم عن حياة الرفيق أبو فاروق منذ صغره وحتى وفاته، وتضمن شهادات بعض الرفاق الذين عاصروا وشاركوا في النضال معه.
ثم ألقى الرفيق حكيم سرجاوي قصيدة بعنوان "إلى القائد أبو فاروق".
وفي الختام، ألقت الرفيقة بخشان زنكنه، زوجة الرفيق الراحل، كلمة العائلة، قدمت فيها الشكر والتقدير لكل من ساهم وشارك وحضر حفل التأبين، وتطرقت إلى الصفات التي تميز بها الرفيق أبو فاروق، والتي جعلت حياتهما الزوجية مستمرة لأكثر من خمسين عامًا.
في أربعينية الرفيق عمر علي الشيخ
جاسم الحلوائي

أكرر التعازي لرفيقة دربه الرفيقة بخشان زنكنة وابنته بهار وباقي افراد عائلته ورفاق دربه في الحزب الشيوعي العراقي.
قضيت مع أبو فاروق سنوات طويلة، وكانت البداية في سجن بعقوبة في أواخر عام 1956 وكنا محجوزين في غرفة صغيرة لا تسع لأكثر من ثلاثة أشخاص، ولدي معه ذكريات كثيرة ومتنوعة وتعرفون مقدار شجاعته في العمل السري وصلابته في المواقف الصعبة، ولا أود تكرار ما تعرفونه عن خصاله وتاريخه النضالي، ولكني أود استذكاره معكم بمناسبة أربعينيته بحادثة هروبنا المشترك من سجن (خلف السدة) في بغداد عام 1965.
سجن خلف السدة كان بالأساس معسكرا للجيش وهو غير محاط بالأسوار بل بالأسلاك الشائكة مما يتيح لنا مشاهدة حركة المرور في الشارع عند تجولنا في الساحة في الأوقات المسموح لنا بها. كان السجن بحراسة شرطة القوة السيارة التي يتم تبديلها كل ثلاثة أشهر، ولاحظنا أنه بالإمكان لأي معتقل يرتدي ملابس الشرطة ويحمل بضع بطانيات ملفوفة على كتفه وأن يخرج من المعتقل أثناء تبديل القوة، دون سؤال وجواب.
قررت اللجنة الحزبية القيادية استخدام هذه الطريقة، وعندما توفرت مستلزمات ذلك كان الأوان قد فات بعد أن هرب أحد السجناء من جماعة سليم الفخري بنفس الطريقة، مما استدعى من إدارة السجن لاتخاذ جملة من الإجراءات أدت إلى انعدام امكانية استخدام هذه الطريقة.
وتداولنا حول خطة هروب أخرى واستبعدناها لأنها لا تتسع لأكثر من شخصين وعندما علمنا بأن السلطات تنوي نقلنا إلى سجن نقرة السلمان الصحراوي، قررت اللجنة الحزبية وضع الخطة موضع التنفيذ وتقرر تهريب اثنين وهما عمر علي الشيخ وأنا، وتقرر تنفيذها في أحد الأيام المواجهة عند زيارة أهالي المعتقلين، وذلك بالهروب من أحد الشبابيك مع بعض التغيير في مظهرنا ومن ثم نسعى إلى الاختلاط بالمواجهين الذين يتجمعون بعد انتهاء المواجهة لفترة قصيرة خارج القاعات، حتى يجري تعداد المعتقلين في جميع القاعات ويأخذ الحراس وطاقم إدارة السجن مواقعهم في نقاط التفتيش العديدة التي يمر بها المواجهون عند خروجهم.
كان علينا انجاز أربع نقاط مهمة في الخطة وبشكل سري لا يثير انتباه الحرس والآخرين من المعتقلين في القاووش الذي ضم 60 معتقلا أغلبهم من الشيوعيين، ومجموعة من جماعة سليم الفخري وبضعة عناصر مشكوك في أمرها:
- أولا: قص أحد القضبان الحديدية في الشباك الأخير من القاووش للتسلل من الفتحة، وتمت العملية بنجاح، بعد توفير منشار من قبل أحد الحراس، وتم ذلك بعد التغطية بضجيج مفتعل اثناء حملة تنظيف عام في القاعة للتغطية على عملية القص، وكنا أنا وأبو فاروق نقف عند الشباك خارج القاعة لمراقبة الحارس الموجود على سطح البناية المقابلة، وجرى تغطية القضيب المقصوص بربطه بليف الحمام.
- ثانيا: توفير ما يشبه دميتين توضع في أماكن نومنا عند التعداد بعد هروبنا ولم يكن لنا مكان لصنع الدميتين، وبمناسبة 31 آذار أنشأنا مسرحاً وقام أبو فاروق بصنع الدميتين في الكواليس وقام بإحشائها بملابس قديمة، وأصبحت جاهزة للاستعمال بعد الهروب.
- ثالثا: ترتيب إمكانية طبع أختام السجن التي تطبع على أيدي العوائل التي تزور ابنائها اثناء المواجهة، وكان أبو فاروق ينسق مع قيادة الحزب حيث وفرت لنا في يوم المواجهة ورقتين نطبع بها الاختام بعد تبليل رسغ اليد.
- رابعا: تحضير هيئتنا الخارجية عند الهروب، اختار أبو فاروق ان يتقمص هيئة حمّال وهيأ دشداشة مرقعة برقعة كبيرة من الخلف وجاكيب قديم و(جراوية) على غرار الجمداني الكردي، واخترت انا هيئة طالب جامعي.
وفي يوم المواجهة وكان يوم 1 نيسان 1966 وصادف مناسبة عيد الأضحى وحشد الحزب أكبر عدد من المواجهين، وكانت أكبر مواجهة يشهدها هذا السجن. ونجحت خطتنا في الهروب والعودة إلى أحضان الحزب والشعب لمواصلة النضال.
كان مهندس هذا الهروب هو الرفيق أبو فاروق ولم تبخل قيادة الحزب بأية مساعدة ممكنة.
لقد عرفنا أبو فاروق مناضلاً صلباً منذ أيام وثبة كانون الثاني 1948 عندما كان طالباً في الجامعة، وعرفناه جميعاً مواصلته للعمل الحزبي بظروفه الصعبة والمختلفة، سواء في العمل السري أو في تعرضه للاعتقال او في فترة الكفاح المسلح في جبال كردستان.
لقد كان مناضلاً يتسم بصفات الشيوعي المخلص في كل الظروف التي مر بها الحزب، وترك للأجيال اللاحقة تجربة ثرية، تمنحهم دروساً عميقة المعنى لمواصلة النضال من أجل وطن حر وشعب سعيد.
لتنعم رفيقي العزيز أبو فاروق بهدوء الرقدة الأخيرة بعد حياة فاعلة ومؤثرة، ولنا جميعاً الصبر والسلوان.