اخر الاخبار

على الرغم من التصريحات الرسمية التي تفيد بتراجع معدلات الجريمة في العراق خلال العامين الماضيين، لا يزال ملف السلاح الشخصي يثير جدلا واسعا في الأوساط الأمنية والمجتمعية، بين من يرى أن تنظيم حيازته يساهم في تعزيز الأمن، ومن يحذّر من مخاطره عند سوء الاستخدام، لا سيما في النزاعات اليومية والمشاجرات الفردية. هذا الجدل يتجدد مع كل حادثة عنف، ويعيد طرح الأسئلة حول فاعلية الترخيص وحدود المسؤولية القانونية والمجتمعية.

وبينما تؤكد وزارة الداخلية في تصريحات صحفية أن "نسبة الجريمة المنظمة والمشاجرات التي تؤدي غالبا الى القتل، في انخفاض مقارنة بالسنوات الماضية"، يرى مراقبون أن السلاح الشخصي في كل الأحوال يُشكل خطرا على السلم الأهلي، خاصة حينما يكون في أيادٍ متهورة.

من الناحية القانونية، تخضع حيازة السلاح الشخصي في العراق إلى تعليمات وضوابط صادرة عن وزارة الداخلية، ما يتيح للمواطنين التقديم للحصول على إجازة حمل السلاح ضمن شروط محددة، تهدف - بحسب الجهات الرسمية - إلى تنظيم السلاح وحصره ضمن إطار الدولة، وليس تشجيع انتشاره خارج الضوابط.

وفي هذا السياق، يرى مراقبون للشأن الأمني أن مبدأ الترخيص بحد ذاته لا يُعد إشكالية، إذا ما ترافق مع تطبيق صارم للقانون، ومتابعة دقيقة لحاملي السلاح، ومحاسبة فورية لأي استخدام خارج الإطار المسموح به، مشيرين إلى أن الإشكال الحقيقي يكمن في ضعف الرقابة اللاحقة وليس في أصل منح الإجازة.

في المقابل، يحذّر آخرون من أن انتشار السلاح الشخصي، حتى وإن كان مرخصا، معتقدين انه يضاعف من خطورة النزاعات اليومية، خاصة في بيئة تعاني توترات اجتماعية واقتصادية.

ويؤكد هؤلاء أن هناك حوادث جنائية وقعت رغم استيفاء مرتكبيها الشروط القانونية لحيازة السلاح، داعين إلى اعتماد مقاربة وسطية تقوم على تشديد شروط منح الإجازات، وتكثيف الفحص النفسي والسلوكي لطالبي الترخيص، إلى جانب تعزيز ثقافة القانون وتجريم الاستخدام العشوائي للسلاح، بما يضمن حق الدولة في حفظ الأمن وحق المجتمع في الدفاع عن نفسه.

وتمنح الدولة إجازة حمل السلاح الشخصي وفق شروط محددة تشمل العمر، السمعة والسلوك، والغرض المشروع مثل الدفاع عن النفس أو الحراسة أو الصيد. وتعتبر هذه الإجازات أداة تنظيمية تهدف إلى وضع الأسلحة في أيادٍ مسؤولة، مع الحفاظ على أمن المجتمع، وتوفير حماية قانونية للمواطنين في الحالات التي تتطلب تدخلهم لحماية أنفسهم أو ممتلكاتهم، بما يوازن بين حق الفرد في الدفاع عن نفسه ومسؤولية الدولة في حفظ الأمن والسلم الاجتماعي.

الداخلية: انخفاض مستوى الجريمة

وزارة الداخلية تُفيد في تصريح صحفي بأن الجرائم الجنائية انخفضت في العراق خلال السنتين الماضيتين إلى أدنى مستوياتها، وان معدلاتها باتت أقل بكثير مما في العديد من الدول – حسب مدير العلاقات والإعلام في الوزارة العميد مقداد ميري، مشيرا إلى أن وزارته بذلت خلال العامين الماضي والحالي، جهودا كبيرة في مختلف الملفات.

ويوضح أن "الوزارة وصلت في ملف مكافحة الجريمة بشكل عام إلى أفضل معدل انخفاض في عموم البلاد، وان لغة الأرقام خلال العامين الماضيين أظهرت انخفاضاً واضحاً في معدلات الجريمة، والآن يجري تسجل مستويات أدنى من ذلك".

وفي ما يتعلق بجرائم القتل، يؤكد ميري أنها "انخفضت بشكل ملحوظ، كما تراجعت النزاعات العشائرية وجرائم السطو المسلح والخطف، وغيرها من الجرائم المنظمة". 

جرائم لأسباب تافهة!

يرى الناشط أحمد وليد الجاسم ان منح اجازة حمل السلاح لكل من يملكه، ودون ضوابط شفافة، يشكل خطراً على المجتمع، مبينا أن الكثير من حوادث القتل التي تحصل تكون لأسباب تافهة ولا قيمة لها.

ويتابع قائلا في حديث صحفي: "سمعنا الكثير عن جرائم قتل حصلت بسبب مشاجرة اطفال او مضايقة في الطريق العام او ان احدهم يبيع (8) ارغفة من الخبر بـ 1000 دينار والفرن المجاور له يبيع (10) ارغفة بـ 1000 دينار، وما إلى ذلك من جرائم مجانية غير مبررة"!

تسجيل السلاح هل يحد من استخدامه؟!

من جانبه، يقول مدير مديرية سيطرة وتنظيم السلاح في وزارة الداخلية، اللواء منصور علي سلطان، أن "الإقبال المتزايد من المواطنين خلال عملية تسجيل السلاح يعكس تنامي الثقة بآلية التسجيل المعتمدة لدى وزارة الداخلية"، موضحا في حديث صحفي أن "هذه الثقة كان لها أثر بالغ في دعم تطبيق مفاهيم الأمن المناطقي والمجتمعي".

ويؤكد أن "تسجيل السلاح يشكل خطوة أساسية في ترسيخ الأمن والاستقرار وتعزيز الثقة المتبادلة، بما ينعكس إيجاباً على السلم المجتمعي".

وفي مقابل ذلك، يرى مراقبون أن العمليات الجنائية المتكررة تعكس تهاون الدولة في عملية حصر السلاح بيدها، معتقدين في أحاديث صحفية أن إجازة السلاح خارج الدولة تجعله متوفرا بأيدي أناس قد لا يتصرفون بحكمة وروية في بعض المواقف.

لكنهم يرون أيضا أن عدم إجازة السلاح يجب أن تترافق مع ضمان الدولة مستوى عاليا من الأمن للمواطنين، وأن يكون المواطن مطمئنا تماما لقدرة الأجهزة الأمنية على حمايته وممتلكاته، مضيفين انه "في غياب هذا الاطمئنان، قد يشعر الفرد بأنه مضطر للاحتفاظ بالسلاح الشخصي كوسيلة دفاعية لحماية نفسه وأسرته، ما يضع الدولة أمام تحدٍ مزدوج: تحقيق الأمن بشكل تام، وفي الوقت نفسه تنظيم حيازة السلاح بطريقة تمنع الانفلات".

وعلى الرغم من الشروط التي تضعها وزارة الداخلية في منحها إجازة السلاح الشخصي، ومنها ان يكون عراقياً أكمل 25 عاما من عمره، حسن السمعة والسلوك وقويم الأخلاق، وأن يكون حمل السلاح فقط للدفاع عن النفس او الصيد او الحراسة، على الرغم من ذلك كله، إلا أن حوادث جنائية كثيرة حصلت، كان مرتكبوها ممن يحملون السلاح المجاز. 

تفاؤل حذر

إلى ذلك، يُعلن المركز الاستراتيجي لحقوق الانسان في العراق، على لسان رئيسه، ان "البلاد شهدت انخفاضاً في معدلات الجريمة بنسبة 15 في المائة عام 2024 مقارنة بعام 2023". واستند المركز في تقريره إلى مؤشرات انخفاض الجريمة التي اصدرتها وزارة الداخلية، وكانت تشير الى انخفاض بنسبة 20 في المائة في جرائم العنف، بما في ذلك القتل والاعتداءات الخطيرة وجرائم السرقة. وبالعودة إلى المراقبين، فإن ظاهرة حيازة السلاح في المجتمع، سواء كان مجازا أم غير مجاز، لها مخاطر، مشيرين إلى أن رجال الأمن أنفسهم لم يكونوا في مأمن من السلاح الشخصي، الذي يستخدمه البعض في مختلف الظروف والمناسبات، حتى في المآتم والأعراس، وكأنه أمر طبيعي!

ويتساءلون: اذا كانت القوات الامنية لا تستطيع أحيانا حماية نفسها من المتهورين والعدوانيين، الذين يستسهلون استخدام السلاح لأتفه الأسباب، فكيف بالمواطن البسيط والمسالم؟! وذهب ضحية السلاح المنفلت كثيرون من الأبرياء، وجدوا انفسهم في التوقيت والمكان الخاطئين لحظة اطلاق نار ما بين طرفين خارجين عن القانون.

جدير بالذكر، ان العراق احتل المرتبة الثامنة عربياً والثمانين عالمياً من اصل 146 دولة، في مؤشر الجريمة لعام 2024.