اخر الاخبار

في ظل تحذيرات متكررة من مخاطر بيئية وصحية، تتحول محافظة صلاح الدين، وبالأخص قضاء بيجي، إلى بؤرة أزمة صحية غير مسبوقة، مع ارتفاع هائل في معدلات الإصابة بالسرطان وأمراض الكلى، في وقت يشير فيه مواطنون وناشطون إلى تدهور حاد في جودة المياه والهواء، نتيجة مخلفات مصفى بيجي _ احد اكبر منشآت تصفية النفط في العراق _، اذ تبلغ طاقته الإنتاجية ما يقارب 15 مليون طن بشكل سنوي، بالإضافة الى عمليات الحرق العشوائي للنفايات.

معالجة ٧٥٤٣ مريضاً في ٢٠٢٥

من جهته، أكد خالد برهان الحداد، المخول بصلاحيات مدير عام صحة صلاح الدين، أن محافظة صلاح الدين شهدت تطوراً ملحوظاً في تقديم خدمات علاج الأورام خلال السنوات الأخيرة، مع زيادة كبيرة في عدد الجلسات العلاجية والمرضى المستفيدين من العلاجات المختلفة.

وقال الحداد لـ"طريق الشعب"، أن الإحصائيات تشير إلى أن عام ٢٠٢٥ شهد إجراء ١٠٨٦١ جلسة إشعاعية، ومعالجة ٧٥٤٣ مريضاً بالعلاجات الكيميائية والبايلوجية والهرمونية، فيما تم تسجيل ٥٩٨ حالة جديدة. أما عام ٢٠٢٤ فقد شهد إجراء ١٤٩٩ جلسة إشعاعية، ومعالجة ٦٣٠٠ مريض، مع تسجيل ٤٨٨ حالة جديدة. بينما في عام ٢٠٢٣ لم تكن هناك أجهزة إشعاع، لكن تمت معالجة ٦٠٧٦ مريضاً بالعلاجات الكيميائية والبايلوجية والهرمونية، مع ٤٤٥ حالة جديدة.

ويشير الحداد إلى أنه ليست هناك أسباب رئيسية محددة مسببة للسرطان، بل هناك عوامل خطورة متعددة مثل الوراثة، والتلوث الناتج عن الحروب، والتلوث البيئي من مخلفات وحرق الوقود، إضافة إلى عوامل عامة أخرى تتعلق بكل نوع من أنواع السرطان.

ويلفت إلى أن معظم العلاجات متوفرة، إلا أن النقص الحاصل في بعض الأدوية يعتبر أمراً طبيعياً نتيجة الزيادة الكبيرة في أعداد المرضى واستقبال مرضى من باقي المحافظات.

خطط مستقبلية

وحول البنية التحتية للعلاج، يبين الحداد أن مركز تكريت للأورام يعد مركزاً تخصصياً متكاملاً، ويشمل جهازي معجلات خطية للعلاج الإشعاعي، وجهاز مفراس تطابقي، وجهاز المامو كرام والسونار، إضافة إلى مختبر الزرع النسيجي والمرضي الذي يعتبر المختبر المركزي الوحيد في المحافظة، ويستقبل عينات من جميع أقضية صلاح الدين. كما يضم المركز ٢٥ سريراً و٢٥ كرسي علاج سريع للعلاج الكيميائي، وجهازي السيفتي هود الخاصين بصيدلية المزج الكيميائي.

ويوضح الحداد أن الخطط المستقبلية تتضمن افتتاح شعبة الطب النووي لعلاج سرطان الغدة الدرقية باستخدام اليود المشع، بالتوازي مع تجهيز المباني الملحقة وتوفير طبيب اختصاص في الطب النووي، بالإضافة إلى تجهيز جهاز البي دي سكان لتشخيص الأورام. كما تشمل الخطط فتح استشارات لتنظير القولون والمعدة بهدف تشخيص ومتابعة مرضى سرطان القولون والمعدة بواسطة الناظور، ما يعكس التوجه نحو تطوير خدمات الأورام في المحافظة، وتوسيع نطاقها لتشمل أحدث الأجهزة والتقنيات الطبية.

"تحول مخيف"

ويقرع قائممقام قضاء بيجي، عادل القيسي، ناقوس الخطر بعدما سجلت المستشفيات ارتفاعا غير مسبوق في معدلات الإصابة بالسرطان وأمراض الكلى داخل القضاء، وهو ما وصفه بـ"التحول المخيف" في الوضع الصحي للسكان. فبعد أن كانت الحالات تُعد بالعشرات قبل عام 2014، تجاوز عدد المصابين اليوم حاجز 2400 حالة، في مؤشر يعكس حجم الأزمة التي تعيشها المنطقة في ظل غياب أي معالجة جادة.

ويقول القيسي لـ"طريق الشعب"، إن بيجي تقف على حافة كارثة بيئية وصحية، مع تزايد مستويات التلوث في الماء والهواء، نتيجة مخلفات مصفى بيجي وعمليات الحرق العشوائي للنفايات، إضافة إلى اختلاط مياه المجاري الثقيلة بمصادر الشرب. هذه العوامل، كما يقول، "حوّلت القضاء إلى بيئة سامّة تدفع السكان يوميًا نحو أمراض خطيرة دون وجود بنية تحتية طبية قادرة على احتواء حجم الإصابات".

ويشير إلى أن "معدل الإصابات بالأورام السرطانية لم يتجاوز 100 حالة قبل عام 2010، لكنه تضاعف بشدة ليصل إلى أكثر من 1460 إصابة، فيما تتحدث التقارير الصحية المحلية اليوم عن أعداد أكبر بكثير". ويرى أن استمرار تدهور نوعية الهواء والمياه جعل الأهالي "يعيشون مع تهديد دائم يلاحقهم في بيوتهم ومزارعهم ومصادر غذائهم".

ويطالب القيسي بتحرك حكومي عاجل، يبدأ من وقف مصادر التلوث وإعادة تأهيل منظومة مياه الشرب، مرورًا بمراقبة الانبعاثات الصناعية، وصولًا إلى إنشاء مركز متخصص لعلاج السرطان داخل القضاء، يخفف عن المرضى مشقة السفر إلى محافظات بعيدة مثل أربيل والسليمانية وكربلاء.

ويعتبر، ترك الأهالي يواجهون هذا الموت الصامت دون تدخل واضح تقصيرًا تتحمل السلطات مسؤوليته كاملة.

دعوات إلى تحرك حكومي عاجل من جهته، أعرب ثابت عامر، ناشط من محافظة صلاح الدين، عن بالغ القلق والغضب إزاء الارتفاع الكبير والمخيف في حالات السرطان وأمراض الكلى في قضاء بيجي، مشيراً إلى أن الإصابات قفزت من حوالي 100 حالة قبل عام 2014 إلى أكثر من 2400 حالة في عام 2025، في مؤشر يوضح حجم الأزمة الصحية التي تهدد أهالي القضاء بشكل مباشر.

وقال عامر أن هذه الزيادة الهائلة تعود أساساً إلى التلوث البيئي المباشر، نتيجة مخلفات مصفى بيجي وحرق النفايات الناتجة عنه، إضافة إلى اختلاط مياه المجاري الثقيلة بمصادر مياه الشرب، ما أدى إلى تعريض صحة المواطنين إلى خطر داهم ومستمر. واضاف أن هذه العوامل تشكل بيئة خصبة لانتشار الأمراض مثل السرطان والفشل الكلوي، خصوصاً بين الأطفال وكبار السن.

وطالب عامر الجهات الحكومية المختصة بالتحرك الفوري لوضع حد لمصادر التلوث، ومعالجة مياه الشرب بشكل عاجل، ومراقبة جودة الهواء، إلى جانب إنشاء مراكز علاج متخصصة لمواجهة الأعداد المتزايدة للمرضى.

وشدد على أن السلطات تتحمل المسؤولية الكاملة عن صحة المواطنين وأرواحهم إذا لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة وفعالة.

كما لفت إلى أن المجتمع المحلي يواجه تحديات مزدوجة؛ فإلى جانب نقص الخدمات الصحية والتجهيزات الطبية، هناك غياب كامل للبرامج الوقائية والتوعية البيئية، ما يجعل الوضع الصحي أكثر هشاشة ويضاعف المخاطر على المدى الطويل.

وناشد الأهالي والجهات المدنية بالتكاتف لمطالبة الحكومة بخطة عاجلة وشاملة لحماية صحة المواطنين، تشمل فحص المياه والهواء بشكل دوري، وتوسيع نطاق الخدمات الصحية في القضاء، وتخصيص مراكز علاجية مجهزة لمواجهة هذا التفشي الخطير للأمراض المزمنة.