اخر الاخبار

وسط كل الازمات المقبلة على العراق، تبرز التحديات البيئية لتهدد استدامة الأراضي الزراعية وموارد المياه، في ظل توسع التصحر وارتفاع درجات الحرارة ونقص الأمطار، ما يضع البلاد أمام مخاطر حقيقية على الأمن الغذائي والاقتصاد الوطني.

وتكشف البيانات الرسمية عن أن نسبة الأراضي المتصحرة باتت قريبة لتجاوز الحاجز الخمسين في المائة من مساحة العراق، بينما يؤكد مراقبون  أن الوضع أكثر حدة.

توسع صحراوي مستمر

وكشفت وزارة التخطيط، عن ارتفاع مساحة الأراضي الصحراوية والمتصحرة في العراق خلال عام 2024، في ظل تأثير التغيرات المناخية.

وقال الجهاز المركزي للإحصاء التابع للوزارة، في تقرير حديث، طالعته "طريق الشعب"، إن الأراضي المهددة بالتصحر، بما فيها الأراضي الصحراوية والمتصحرة، بلغت 96.5 و40.4 مليون دونم، وبنسبة 55.5 في المائة و23.2 في المائة على التوالي من مساحة العراق، بما يشمل المياه الإقليمية.

وأضاف التقرير أن هذه المساحات شهدت ارتفاعاً مقارنة بعام 2021، بنسبة 2.3 في المائة للأراضي الصحراوية و48.5 في المائة للأراضي المتصحرة، حيث كانت تبلغ حينها 94.3 و27.2 مليون دونم على التوالي.

وأشار إلى أنه على الرغم من الزيادة العامة، سجلت بعض المحافظات انخفاضاً في مساحة الأراضي المتصحرة نتيجة التوسع العمراني، ولا سيما العاصمة بغداد. كما لفت التقرير إلى أن مساحة الأراضي الكلية المزروعة لعام 2024 بلغت 11.9 مليون دونم، تشكل منها الأراضي الديمية 6.7 مليون دونم، تلتها الأراضي المروية 3.8 مليون دونم، ثم الأراضي التي تعتمد على مياه الأنهار 1.5 مليون دونم. وزاد بالقول أن الاعتماد على مياه الأنهار انخفض مقارنة بالأراضي المعتمدة على الآبار، نتيجة السياسات المائية لدول الجوار بالإضافة إلى تراجع معدلات الأمطار في البلاد

هذا وحذر خبراء من أن التأخير في معالجة هذه الأزمة سيضاعف الخسائر الزراعية ويزيد من معاناة المناطق الريفية، ويعقد اي جهود في توفير الأمن الغذائي والحفاظ على التوازن البيئي، ما يجعل التحدي القادم أمام الدولة ليس فقط بيئياً وانما اقتصادياً واجتماعياً على حد سواء.

أزمة المياه اولوية بيئية 

من جهته، نبه رئيس مرصد العراق الأخضر، عمر عبد اللطيف، إلى أن نسبة الأراضي العراقية المعرضة للتصحر قد تكون أعلى من الأرقام الرسمية التي أعلنتها وزارة التخطيط، مؤكداً أن الواقع قد يصل إلى 50 – 60 في المائة من الأراضي خلال المرحلة المقبلة، بفعل أزمة الجفاف وندرة المياه والتغيرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة.

وقال عبد اللطيف في حديث لـ”طريق الشعب” إن "قلة المياه وانخفاض الأمطار كان له أثر كبير على الأراضي الزراعية، وما لم تتوافر حلول عملية لمعالجة هذا الوضع، فإن مساحة الأراضي المهددة بالتصحر ستزداد وتتضاعف خلال السنوات القادمة".

وأضاف أن العراق "لا يمتلك حالياً التقنيات الحديثة التي استخدمتها دول مثل الصين في إعادة تأهيل الأراضي الصحراوية باستخدام المياه وتقنيات الزراعة المكثفة"، لافتاً إلى أن "الحكومة تركز حالياً على توفير مياه الشرب فقط، ما يحد من قدرة الدولة على دعم الزراعة والحفاظ على الأراضي الزراعية".

وأشار إلى أن "الخطط الزراعية لهذا العام تقلصت إلى نحو مليون دونم فقط، مقارنة بأكثر من أربعة ملايين دونم في السنوات السابقة”، محذراً من أن "استمرار هذا الوضع يضع البلاد أمام خيار صعب ومخاطر بيئية واقتصادية جسيمة".

وأوضح عبد اللطيف أن "معالجات التصحر تحتاج إلى توفير المياه لإحياء الأراضي، واستنفار صناعي قادر على رفع منسوب المياه في السدود والنواظم، وتطبيق خطط استراتيجية لضمان استمرار الموارد المائية، خصوصاً في نهر الفرات والمناطق الجنوبية والغربية وواسط".

وأضاف أن "تأخر الأمطار هذا العام زاد الوضع سوءاً، فالتوقعات المطرية لم تتحقق حتى الآن، مما يعقد إمكانية تنفيذ الخطط الزراعية وإعادة إحياء الأراضي المتضررة".

وأشار عبد اللطيف إلى أن العراق شارك مؤخراً في مؤتمر كوب في البرازيل وحصل على دعم مالي لمعالجة التغيرات المناخية"، لكنه شدد على أن "وتيرة المعالجات بطيئة، ما يجعل معالجة أزمة التصحر والجفاف تحدياً رئيسياً أمام الحكومة المقبلة".

وأكد أن "أزمة المياه والجفاف أصبحت أولوية بيئية واستراتيجية يجب أن تتصدر برنامج الحكومة القادمة، وإلا فإن الأراضي العراقية ستصبح أكثر عرضة للتصحر، مع انعكاسات خطيرة على الاقتصاد والزراعة واستدامة الموارد الطبيعية".

تحد بيئي حاد

الى ذلك، اكد الباحث في الشأن البيئي، حيدر رشاد، أن العراق يواجه أزمة بيئية حقيقية نتيجة توسع التصحر وندرة المياه، مع تأثيرات متزايدة للتغيرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة”.

وقال رشاد أن هذه الظاهرة تؤثر على أكثر من نصف مساحة البلاد، بما يهدد الزراعة والموارد الطبيعية واستدامة النظم البيئية.

وأضاف في حديث لـ”طريق الشعب”، إن "الواقع على الأرض يشير إلى أن مساحة الأراضي المهددة بالتصحر قد تتجاوز خمسين في المائة من الأراضي العراقية، مع ارتفاع احتمالات ازديادها إذا لم يتم تبني حلول عاجلة ومدروسة".

وتابع أن “الأزمة هي ليست محلية فقط، و تمثل تحدياً إقليمياً وعالمياً، وهو ما يجعل الاستفادة من التجارب الدولية أمراً ضرورياً”، مشيراً إلى أن دولاً مثل الصين ودول المغرب العربي نجحت في تنفيذ برامج متكاملة لإعادة تأهيل الأراضي الصحراوية".

واوضح ان هذه البرامج شملت: "استخدام أنظمة متقدمة لتوزيع المياه وتقنيات الري الذكية، زراعة الأشجار والشجيرات المقاومة للجفاف لتحسين التربة والحد من تآكلها، تحويل الأراضي القاحلة إلى مناطق إنتاجية عبر إدارة الموارد المائية بشكل فعال ومتكامل". ونوه رشاد الى أن “العراق يحتاج إلى خطة وطنية شاملة لإدارة المياه وإعادة تأهيل الأراضي المتصحرة، تشمل رفع كفاءة السدود والنواظم، وإعادة توجيه المياه الزراعية بشكل مدروس و مستدام، بالإضافة إلى إدخال تقنيات حديثة لتحسين التربة واستصلاح الأراضي".

وواصل القول أن "معالجة مشكلة التصحر في العراق تتطلب تنسيقاً بين الحكومة والمجتمع العلمي والقطاع الخاص، فضلاً عن الاستفادة من التمويل الدولي المخصص لمكافحة التغيرات المناخية بشكل ذكي، لضمان استدامة الزراعة وحماية البيئة من الانهيار".

وختم حديثه بالقول ان "الأولوية اليوم هي تبني سياسات بيئية وعلمية سريعة وفعّالة، وإلا فإن استمرار الوضع الحالي سيؤدي إلى تفاقم التصحر والجفاف، مع آثار مباشرة على الأمن الغذائي والاقتصاد الوطني والصحة البيئية للبلاد".