تُبدي الجمعيات الفلاحية والمزارعون في محافظتي ذي قار وميسان، استياء من قرار الحكومة بتقليص الخطة الزراعية للموسم الشتوي الحالي إلى حدود قصوى، واعتماد آليات معينة في الري ترتكز غالبا على المياه الجوفية، وذلك في ظل استفحال أزمة المياه.
وبينما تهدف الحكومة من قرارها إلى السيطرة على أزمة المياه، يرى اختصاصيون أن هذا القرار سيقود في الوقت ذاته إلى أزمات معيشية تنعكس بشكل مباشر على الأسر الفلاحية.
وأقدمت الحكومة على خفض الخطة الزراعية للموسم الشتوي الحالي إلى 4.5 ملايين دونم، مقارنة بالموسم السابق الذي هو الآخر تقلصت فيه الخطة لنحو 4.8 دونم. وتضمنت خطة هذا الموسم مليون دونم تُسقى بالمياه السطحية، و3.5 ملايين دونم تعتمد على المياه الجوفية. في حين اشترطت الحكومة استعمال منظومات الرّي الحديثة في سقي محصول الحنطة، وعدم استلام وزارة التجارة أي كمّية من المحصول تأتي من خارج الخطة الزراعية المُقرة.
ويشير هذا القرار إلى توجه واضح نحو زيادة الاعتماد على المياه الجوفية لتعويض النقص الحاد في الموارد السطحية.
الوضع منهار في ذي قار!
في حديث صحفي، يقول رئيس اتحاد الجمعيات الفلاحية في ذي قار حسين الزيرجاوي، أن "الوضع الزراعي في المحافظة منهار للغاية"، مطالبا الحكومة المركزية بتغيير سياستها المائية وقراراتها الخاصة بالزراعة.
ويؤكد في حديث صحفي أن "زراعة النخيل في ذي قار والمحافظات المجاورة مثل ميسان، توقفت، وتحوّلت الأراضي الزراعية إلى صحاري، فيما لم تتخذ الحكومة قرارات مناسبة إزاء الوضعين المائي والزراعي، ولم تغير من سياستها في توزيع الحصص المائية".
وإزاء انهيار الوضع الزراعي الذي يهدد عائلات الفلاحين بالفقر، تبقى التظاهرات آخر الحلول.
إذ يشير الزيرجاوي إلى أنه "ستكون هناك تظاهرات فلاحية واسعة للمطالبة بحقوق الفلاحين المشروعة في الزراعة والإنتاج"، مذكّرا بأن "الفلاح هو من ينتج السلة الغذائية، ويجب على الحكومتين الاتحادية والمحلية إجراء كشوفات ميدانية للتعرف على الواقع الزراعي في المحافظة وما تتعرض له القرى من تصحر".
تخبط في القرارات
من جانبه، ينتقد الخبير الزراعي حسين الموسوي قرار وزارة الزراعة والمجلس الزراعي بزراعة 3 ملايين ونصف المليون دونم بالاعتماد على المياه الجوفية، إضافة إلى زراعة مليون دونم اعتمادا على المياه السطحية.
ويشير في حديث صحفي إلى أن "هذه الإجراءات تعكس تخبطا ومتاهة واضحة في القرارات، وجاءت نتيجة الاحتجاجات الكبيرة من قبل الفلاحين ومخاطر الاعتماد على المياه الجوفية"، لافتا إلى عدم وجود دراسات تبين كميات المياه الجوفية المستخدمة وصلاحيتها.
ويوضح أن "التقديرات السابقة كانت تشير إلى أن كميات المخزون المتجدد لا تتجاوز في جميع أنحاء العراق 5 مليار متر مكعب"، مؤكداً "استهلاك كميات كبيرة منها خلال الأربع سنوات الماضية بصورة عشوائية".
ويذكر الموسوي أن "وزارة الموارد المائية تقوم بردم الآبار، كما قامت بردم بحيرات الأسماك ضمن قرارات غير مدروسة. ويأتي ذلك نتيجة السياسة الخاطئة للزراعة في العراق"، لافتا إلى أن "قرار منع زراعة المحاصيل له تأثير سلبي كبير على عملية الإنتاج ويزيد من معدلات الهجرة، ومن الصعب عودة الأهالي إلى أراضيهم بعد ذلك".
ويتابع قوله أنه "في حال استمر النزوح ستفقد تلك المناطق الزراعية الخاصية الاحيائية والفيزيائية، وأن المرحلة الحرجة التي تشهدها تلك المناطق، هي بمثابة ناقوس خطر يضاعف من عمليات الاستيراد، ويرفع الكلفة على المستهلك، ويتسبب في مشكلات اجتماعية وصراعات خطيرة"، مذكّرا بفقدان 13 شخصا حياتهم في ميسان، بسبب الصراع على المياه.
أكثر المحافظات تضررا
في السياق، يقول مدير زراعة ذي قار محمد عباس، أن محافظته هي الأكثر ضررا من أزمة المياه، متوقعا في حديث صحفي توقف الانتاج النباتي والحيواني.
وينوّه إلى انه "أجرينا دراسات وأعددنا تقارير بخصوص الجفاف والمساحات المزروعة. حيث كانت الخطة الزراعية تتضمن 400 ألف إلى 120 ألف دونم. أما خطة العام الحالي فقد بلغت 100 ألف دونم، وهذه النسبة تخص المحاصيل الحقلية"، مضيفا قوله أن "المحاصيل البستانية تأثرت بشكل كبير جدا، خاصة في ما يتعلق بالبيوت البلاستيكية. حيث انخفضت أعدادها من 7 آلاف إلى 3 آلاف بيت بلاستيكي لزراعة الخضروات".
ويلفت عباس إلى "فقدان 14 ألف رأس من الجاموس في مناطق الأهوار خلال السنوات الخمس الماضية، إضافة إلى نفوق 85 في المائة من الثروة السمكية"، مشيرا إلى انه "وفق المبدأ الاقتصادي المتعلق بالعرض والطلب، ستؤدي قلة العرض إلى ارتفاع الأسعار".
استياء فلّاحي
وأعرب عدد كبير من الفلاحين والمزارعين في محافظتي ذي قار وميسان الأكثر تأثرا بالجفاف والقرارات الوزارية، عن استيائهم من وقف زراعة المحاصيل.
ويقول المزارع نايف عبد العالي من ناحية الكحلاء في ميسان: "نعاني الجفاف منذ سنوات عديدة. إذ تعرض الأهالي والمواشي للعطش. أما أراضينا الزراعية التي تضررت بشكل كبير، فكنا خلال الأعوام الماضية نديرها جاهدين باستخدام العديد من طرق الري".
ويوضح في حديث صحفي أن "قرار وزارة الموارد المائية بوقف زراعة المحاصيل واشتراط وزارة الزراعة اعتماد منظومات الري بالرش، جعلنا غير قادرين على الإنتاج الزراعي، ما يعرضنا وعائلاتنا إلى الخطر"، مبينا أن "منظومات الرش باهظة الثمن، والمحاصيل لا تسد تكاليفها".
ويتساءل عبد العالي بحرقة: "كيف سيكون حالنا مع توقف زراعة المحاصيل ومحدودية المساحات التي أقرتها الخطة الشتوية باستخدام منظومات الري بالرش؟".
أما المزارع محسن محيبس، من قضاء الفهود في ذي قار، فيقول: "يعلم الجميع بالجفاف الذي أصاب الهور في قضاء الجبايش وناحية الفهود، والذي أدى إلى نزوح عائلات كثيرة، إلا أن بعض المناطق الزراعية لا تزال قائمة وتعتمد على ما تبقى من مياه الهور ومن الآبار في زراعتها الصيفية والشتوية"، مؤكدا في حديث صحفي أن "الحال أصبح سيئا للغاية هذا العام، وعلى الحكومة ان تبادر إلى إيجاد حلول مناسبة لتخفيف حدة الجفاف وتوفير المياه للأراضي الزراعية التي هي مصدر عيشنا الرئيس".
بدوره يلوح عبد الكاظم مزبان، من اهالي الشطرة، بتظاهرات فلاحية واسعة للمطالبة بتوفير المياه ووقف القرارات المجحفة".
ويوضح أن "الزراعة هي مصدر عيشنا الوحيد ولا غنى لنا عنها، ولو هجرنا قرانا واتجهنا إلى المدن فلن يكون حالنا أفضل"، منوّها إلى ان "تمسك الأهالي بأراضيهم الزراعية له ما يبرره، ولا تمتلك أي جهة الحق في تجويعهم وحرمانهم".