اخر الاخبار

قبل الانتخابات يتقرّبون من الناس بالوعود والعهود ويؤمّلونهم بأجمل الامال والاحلام، وبعد انتهائها يشيحون بوجوههم عنهم، مطالبينهم بترك مساكنهم طوعاً وقسراً لإزالتها وبناء جسور ومولات وما شابه، وبين آونةٍ وأخرى يكثر الحديث عن ضرورة اخلاء ساكني العشوائيات، او ما يُطلق عليهم بالمتجاوزين (الحواسم)، ورفع التجاوزات حتى تصل الأمور الى تهديم بعضها، ما يجعل الناس في حيرةٍ من أمرهم، هل سأل المسؤولون انفسهم : لماذا نشأت وتكوّنت وكثرت هذه العشوائيات ؟!

ولأجل ان نكون منصفين حقاً نقول: العشوائيات هي المناطق الخالية والمتروكة، التي اضطّر الناس الى السكن فيها بعد 2003 بسبب أزمة السكن، التي يعاني منها العراقيون منذ ما يزيد على نصف قرن وأكثر. ولأنهم شيّدوا بيوتهم كيفما اتفق بلا تخطيط عمراني ولا خدمات، واغلبها من الصفيح (الجينكو) سميّت بالعشوائيات ( الحواسم ) ويسمونها ( التجاوز) !!

إنها المناطق الفقيرة، بل الأكثر فقراً، في وطنٍ يسبح على بحيرة نفط. عائلات تعيش تحت خط الفقر، وأخرى متوسطة الحال ومن ذوي الدخل المحدود ( الموظفين)، التي أرهقتها تكاليف الإيجارات وقلّة الراتب، بسبب الاستقطاعات والقرارات غير المدروسة !!

في محافظاتنا الوسطى والجنوبية تحديدا ومنها العاصمة، انتشرت هذه التجمعات وأخذت بالانتشار يوما بعد آخر بسبب اللامبالاة والفساد المستشري في كل مفاصل البلاد، اللامبالاة بحياة الناس ومعيشتهم سواء عاشوا أو ماتوا، أكلوا أم جاعوا، سكنوا بيتاً أو ناموا في العراء، المهم السيد المسؤول يتنعّم بما لذّ وطاب، والآخرون إلى الجحيم. الفساد الذي شرعنته المحاصصة المقيتة وما تزال تشرعن له القرارات والتعليمات، لتضيف كل يوم فقرات جديدة ومنافذ أخرى !!

 ساكنوها هم الأكثر تضرراً في هذا الوطن والأكثر ارتباطاً به وانغماساً بحبّه، فما كاد يتعرض لهجمة وحشيّة حتى انتفض شبابهم ملبّين النداء وباذلين المهج دفاعا عنه، والدليل الأعداد الكبيرة من الشهداء الذين روت دماؤهم الطاهرة ارض محافظاتنا العزيزة، حينما دنّستها (داعش)، كذلك الذين هبّوا مطالبين بأبسط حقوق المواطنة التي تقرّها كل دساتير العالم، في انتفاضة تشرين الخالدة ..

هؤلاء يحتاجون وقفة حقٍّ وضمير حيٍّ نابضٍ بحب الوطن والناس لننصفهم ونمسح عنهم عرق التعب والانتظار ونمنحهم سكناً يليق بهم وبتضحياتهم وإخلاصهم .. لا منّة، بل هوحقٌّ مشروع لهم. لكن مَنْ يعي الحقَّ في زمن الفساد ؟!

على المسؤولين أن يلتفتوا لهم ويقوموا بحلّ أزمة السكن التي يعانون منها، فيضمنوا لهم ما يليق بوطنيتهم الحقيقية، وان لا يكون ذلك مجرد دعاية انتخابية، لأنهم يميّزون بين الكاذب المزيّف والصادق المخلص. وعلينا أن نعرف جيدا أن الوطن لأهله الفقراء، لا للفاسدين الذين ينهبون خيراته ويهربون الى بلدان أخرى!