اخر الاخبار

من المعروف أن مفهوم الاستثمار يرتبط بثبات بعملية التنمية الاقتصادية المستدامة وأبعادها الاستراتيجية الهادفة لتطوير الاقتصاد من خلال تغذيته بآخر منجزات العلم والتكنولوجية وشمولية الاقتصاد الكلي وإبعاده عن الوقوع في فخ الاقتصاد الريعي او ما جرت تسميته بالمرض الهولندي، وطابعه الأحادي الذي يظل عرضة لتأزيم الوضع المالي لكونه سلعة عالمية أسعارها متذبذبة بفعل عوامل جيو سياسية وضغوط دولية ناشئة عن تدخلات سياسية.

إن العنصر الجوهري في أية عملية تنموية يرتبط دائما وبالضرورة  بالاستثمار سواء من قبل الدولة أو القطاع الخاص بجانبيه المحلي والأجنبي، ومن غير المتوقع ان يعطي القطاع الخاص الوطني مفاعيله المتوخاة بسبب ضعفه وافتقاره إلى رؤوس الأموال الضرورية وتخلف الدولة عن تمكينه من التعافي لانكفائها عن الدعم والاعتماد على القطاع العام الذي يتلقى الدعم من الموارد البترولية وانكفاء المصارف عن تقديم التسهيلات الائتمانية لهذا لقطاع، أما الاستثمار الأجنبي فانه لم يستفد من قانون الاستثمار رقم 13 لعام 2006 وتعديلاته رغم ما في الأخير من مضامين جاذبة،  ومن خلال قراءة  لوضع الاقتصاد العراقي فإن قطاعاته على اختلافها بحاجة لميزات هذا النوع من الاستثمار المتمثلة في إدخال التكنولوجية وقدرته على تشغيل الأيدي العاملة التي تتدافع حاليا على القطاع الحكومي والضغط على الموازنات السنوية  وامكاناته في انتاج السلع الوسيطة التي تدخل ضمن المنتج النهائي للمشاريع الاستثمارية وزيادة القيمة المضافة المتولدة في الصناعات التحويلية المحلية بالإضافة إلى جلب رؤوس الأموال  التي تخفف من أعباء الدولة ونقص الادخارات المحلية زد على ذلك تلبية احتياجات السوق من السلع والخدمات .

وبما أن الدولة هل المالكة للبترول وأنها هي من تملك إيرادات النفط لذلك فإنها ملزمة لتوصيل منافعه إلى الشعب وفقا لنص المادة 111 من الدستور، ولكنها قبل ذلك ستتخم جيوبها بالإيرادات النفطية لتوصل هذه المنافع إلى المستفيدين النهائيين وهنا الإشكالية في الكيفية التي ستوزع هذه الموارد وفق نظام التوزيع الذي تتبناه، بيد أن الوجهة ستتجه للإنفاق على المجالات الاستهلاكية والمظهرية، وبهذه المقاربة ستكون التخصيصات سائبة دون رقابة او حساب مما ستنتج طبقة فاسدة ومترفة تقابلها شرائح فقيرة وواسعة مفتقرة إلى الاحتياجات الحقيقية من السلع والخدمات العامة والخاصة، واذا ما اتجهت لاستثمار بعض هذه الإيرادات اذ ذاك وبسبب من غياب الرقابة والتخطيط الرشيد سيتسابق الفاسدون للالتفاف على جهات التعاقد فتحول هذه التخصيصات في مشاريع وهمية وتافهة وإرضائية بغية بناء قاعدة تصويتية وهذا ما حصل في الانتخابات الأخيرة التي فاقت مثيلاها السابقة بمقاييس غير معهودة .

وحينما توسعت الحكومة في الإنفاق بينما يكون الاقتصاد راكدا  ربما بهدف إخراج الاقتصاد من الضغوط الانكماشية وهو ما يجب ان يكون  فقد ذهبت إلى التركيز على قطاع الخدمات  وهذا وان كان سيخفف شيئا من أزمات ولكنه لا يضيف ما تصبوا إليه من فوائض القيمة كما هو الحال لو جرى الاستثمار في قطاع الصناعة التحويلية او الزراعة او المشاريع المنتجة، إن هذه المقاربة مع اقترانها بالسياسة النقدية التي أسهمت في تخفيض القيمة الحقيقية للمداخيل قد جعلت من القوة الشرائية للمواطنين  تتآكل بشكل متسارع فضلا عن القيم الاجتماعية التي ينعكس عليها ذات التأثير الذي لم تستطع الطبقة الوسطى الإفلات من قبضته وبالتالي فان خيارات الحكومة في معالجة هذه الاثار ستكون متلكئة او مفقودة . 

إن المراجعة الحقيقية لشمولية الاستثمار تتطلب مراجع شاملة للسياسة الاقتصادية التركيز على منحيين:

الأول: - إعادة النظر في التشريعات واللوائح القانونية المتعلقة بتخصيص الأراضي للأغراض الاستثمارية وإجراءات الإقامة وسمات الدخول وتسجيل الشركات وإعادة النظر بقانون الاستثمار بما يخلصه من كل أشكال الروتين والبيروقراطية المشجعة على الابتزاز ومن الميلشيات وأحزاب الفساد من التدخل في عمليات الاستثمار.

الثاني: - التركيز على قطاعات الإنتاج من خلال مبدأ تنويع قطاعات الاقتصاد وتحقيق التكامل بينها لتقليل الحاجة إلى الاستيراد وبنائها على وجود إدارة تتمتع بالإخلاص والكفاءة وقدرة على استشراف المستقبل بنظرة استراتيجية بعيدا عن الخدر والاتكالية.