اخر الاخبار

في بلدٍ أعلنت فيه وزارةُ زراعتِه – بكلِ ثقةٍ وأريحيةٍ – حاجتَه إلى 15 مليارَ شجرةٍ لإنقاذِ ما تبقّى من بيئتِه المتصحّرةِ، يأتي المسؤولُ المحليُ ليقفَ على الرصيفِ، لا ليزرعَ، إنما ليشرفَ على إعدامِ الأشجارِ المتبقيةِ.. وكأنه يُريدُ البدءَ من الرقمِ صفرٍ!

هناك دولٌ تضعُ خططاً طويلةَ الأمدِ لإنقاذِ الغاباتِ.. تُنشئ أحزمةً خضراءَ، وتضعُ اسمَ كلِ شجرةٍ في سجلٍّ رسميٍ. أما نحن، فلدينا مشروعٌ فريدٌ من نوعِهِ: نحاربُ التصحّرَ بزيادةِ المساحاتِ الصحراويةِ!

هذا ما لم تعترفْ بهِ حكومةُ النجفِ حينما سمحت لمستثمرٍ، اليومين الماضيين، بإزالةِ 200 شجرةِ "كاربس" في أحد شوارع مركز المدينة، لاستبدالِها بشتلاتٍ صغيراتٍ. إذ انها بررت الأمر بـ"ضرر" تلك الأشجارِ العجوزِ على البيئةِ!

لكي لا نفهم الموضوع خطأً، الأشجارُ التي تُزالُ ليست نباتاتٍ مدلّلة تحتاجُ إلى مشاتلَ خاصةٍ، ولا موظفين انتهت سنواتُ خدمتِهم ليُحالوا على التقاعد، إنما هي أشجارُ "الكاربس"، التي تعيشُ على القليلِ وتقاومُ الجفافَ بالكثيرِ، وتمتهنُ صدَ الرياحِ والغبارِ، وتُثبّتُ التربةَ، ولا تتذمرُ حتى لو عاشت في وسطٍ إسمنتيٍ!

لكن يبدو أن صمودَها هذا قَرَصَ حفيظةَ المسؤولين، الذين لم تصمدْ برامجُهم الحكوميةُ البائسةُ أمام أبسطِ الأزماتِ!

المفارقةُ هي أن الأحاديثَ الرسميةَ كثيراً ما يتكرر فيها مصطلحُ "التنمية الخضراء". نسمعُه في المؤتمراتِ، نقرأه على الملصقاتِ. وبينما يطلُ علينا الرسميون بين فترة وأخرى، وهم يلتقطون صوراً، تباهياً، مع شتلةٍ جديدةٍ، نجدُهم في اليوم التالي يُقدِمْون على قطعِ شجرتين!

المضحكُ المبكيُ في بلد يغزوه التصحّرُ، هو أن المواطنَ وحدَه من يُكافح أزمةَ المناخِ برعايةِ بضعةِ أشجارٍ، بينما المسؤولُ يُكافحُ الأشجارَ على أعتابِ مشاريعٍ كونكريتيةٍ رخوةٍ دعاياتيةٍ، من أجلِ بقاءٍ في منصبٍ زائفٍ!

وعلى حينٍ تتقدم العواصفُ الترابيةُ علينا خطواتٍ كلَ عامٍ، نتقدّمُ نحن في عمليةِ اجتثاثِ الشجرِ خطوتين!