عليك الأعصر
شبَّهت وزارة الثقافة ما مرّ ببغداد منذ عام 2003 بالغزو المغولي، لأنه استهدف عمقها الحضاري والثقافي والعلمي. وأعربت الوزارة، في تصريحها بمناسبة الذكرى 1263 لتأسيس المدينة، عن قناعتها باستعادة بغداد اليوم لمكانتها، وهو ما انعكس في اختيارها عاصمةً للثقافة الإسلامية لعام 2026. الناس، الذين تفرحهم عودة عاصمتهم الحبيبة إلى ألقها، لا يتفقون مع تفاؤل الوزارة؛ فما زالت المدينة تعيش فوضى عمرانية، وأزمة مرورية، وبيئةً ملوّثة، وخدمات غائبة، وتعليماً متدنياً، وقطاعاً صحياً متخلفاً، إضافةً إلى تفشّي الفساد في مؤسساتها وهيمنةِ تباينٍ طبقيٍّ بشع، بين أقليةٍ تحكم وتملك كل شيء، وأكثريةٍ محرومةٍ من كل شيء.
شياطين أم ملائكة؟
اعترف أغلب ممثلي المتنفذين بالدور السلبي والخطير الذي لعبه المال السياسي في التأثير على نتائج الانتخابات، من دون أن يعترف أيٌّ منهم بمسؤولية جماعته عن ذلك. وكانت أقلّ التقديرات قد كشفت عن صرف أكثر من 4 تريليونات دينار لشراء آلاف البطاقات البايومترية بما لا يقلّ عن 150 ألف دينار للواحدة، ودفع 11 مليار دينار تكاليف الإعلان على منصات التواصل الاجتماعي، إضافةً إلى تقديم "مكافآت" لحوالي 1.5 مليون مراقب، بحسب المفوضية. الناس، الذين أغضبهم تزييف إرادتهم بهذه الصورة، تساءلوا ساخرين عن الجحيم الذي جاءت منه الشياطين لتقوم بهذا التزييف، ما دام جميع المتنفذين كانوا من الملائكة!
{ديموقراسي}
تضمّنت العديد من التقارير الدولية انتقادات لمسار العملية الانتخابية التي جرت مؤخراً، بسبب ضعف البنية التنظيمية، كالأعطال الفنية والمشاكل الإدارية، وعدم الحد من الضغوط المباشرة وغير المباشرة التي مارسها حملة السلاح من وكلاء بعض الأحزاب، وغياب الشفافية في التمويل، والتساهل الفاضح تجاه المال السياسي والإنفاق غير القانوني، وعدم تحقق مراقبة متوازنة مما ترك بعض المراكز عرضةً لانتهاكات عديدة غير موثّقة. هذا ويتذكر الناس، وهم يتابعون فرحة بعض الفائزين بهذه الانتخابات، كيف ادّعى القذافي يوماً بأن مفردة "ديموقراسي" عربية وأصلها "دول مع الكراسي"، لأنهم يرون بأن الكثير من هؤلاء الفرحين، لا يبقى لهم معنى من دون الكراسي.
الناس تسأل
أصدرت المحكمة الاتحادية العليا قراراً بإنهاء أعمال مجلس النواب الحالي، معتبرةً أن يوم الاقتراع العام لانتخاب البرلمان الجديد يشكّل نهايةً فعلية لولاية المجلس وصلاحياته، ومحوِّلةً صلاحيات الحكومة إلى تصريف أعمال فقط. هذا، وفيما بدا القرار، الذي صدر دون انقضاء 1460 يوماً من عمر المجلس، وقبيل إعلان النتائج النهائية للانتخابات، أمراً غير مفهومٍ، طالب الناس بتوضيح شفاف حول حدود تدخل القضاء في مراحل الانتقال السياسي، لاسيّما مع عدم وجود نصٍّ دستوري يمنح المحكمة هذه الصلاحية، إذ تحصر المادة 64 أولاً هذا الحق بالمجلس نفسه، بناءً على طلب من ثلث أعضائه أو من رئيس الحكومة بموافقة رئيس الجمهورية.
حقوق {الفائزين}
قامت وزارة الثقافة بسحب أوليات مشروع فندق "نينوى أوبروي" من هيئة استثمار المحافظة للتدقيق، رغم إعلان الوزير بأن المشروع قد اكتملت إجراءاته، وسيُوضَع حجرُ أساسه قريباً، بعد إنهاء ملف المستثمر السابق جراء ثبوت مخالفات مالية وإدارية فيه. هذا ويدرك الناس أن ملف إعادة تأهيل الفندق، الذي كان يُعدّ من أبرز المعالم السياحية في المحافظة قبل أن يتعرض للتخريب على يد داعش، مثالٌ على الفوضى وتضارب الصلاحيات والتشريعات، وربما على صراع الفاسدين والمافيويين والمسلحين المتنفذين؛ لاسيّما حين تميل كفةُ طرفٍ على آخر، على أساس نتائج الانتخابات “الديمقراطية” في بلادنا الجميلة.