يواجه الاقتصاد العراقي منذ ما يزيد على خمسة وعشرين عاما طائفة من التحديات التي أسهمت في تراجع مريع سببه شكل ومضمون السياسات الاقتصادية التي رسمتها الحكومات المتعاقبة بمعزل عن إرادة وآراء الكفاءات الاقتصادية المتوافرة في البلاد وارتهنت بما تجتهد به تلك الحكومات اما بجهل او بتوصيات من إرشادات خارجية مشبعة بما يسمى اقتصاد السوق دون الإفصاح عن طبيعة هذا الاقتصاد وآليات تطبيقه وكمية الموارد المحركة لاقتصاد السوق ونمط الإنتاج السائد
ومن المعروف لكل من تابع تاريخ الاقتاد السياسي يدرك أن أول من وضع اللبنات الأولى لاقتصاد اقتصاد السوق هما آدم سميث وريكاردو لكن افكارهما طرحت في بيئة اقتصادية شاعت فيها المنافسة التامة وأكدا على أهمية العمل في تحقيق القيمة وقياسها استنادا إلى كمية العمل المبذول في انتاج السلعة بعيدا عن تدخل الدولة، لكن إبعاد الدولة عن التدخل في عملية الإنتاج قد دحضتها النظرية الكينزية التي وضعت حدا لإبعاد الدولة كليا عن الاقتصاد ومن ثم أعاد الانتعاش إلى الاقتصاد الذي تعرض إلى أزمة كبرى في عام 1929 وأية محاولة لإبعاد الدولة عن الاقتصاد وإبقاء العملية الإنتاجية خاضعة لعتلات السوق فقط تأتي بدمار الاقتصاد.
وفي ذات الوقت أن مركزة الاقتصاد بيد السلطة يقوض مقومات الاقتصاد ويبعد الكفاءات عن دورها في إصلاح الاقتصاد. فعلى سبيل المثال حينما أراد الديكتاتور صدام حسين وكان يومها نائبا لرئيس ما يسمى بمجلس قيادة الثورة في عام 1976 فرض رؤاه على دهاقنة الاقتصاد العراقي بما سميت حينها ندوات الإنتاجية انتهى المطاف بأبعاد أربعة من أدهى الاقتصاديين العراقيين وهم إبراهيم كبة ومحمد سلمان حسن وطالب البغدادي وخضير عبس المهر.
إن وجود المجلس الاقتصادي في العراق يمكن اذا ما أتيحت له فرصة رسم السياسات الاقتصادية والتخطيط لها بمفاهيم علم الاقتصاد والياته بالاستناد إلى الخبرة العالمية ، بدون تدخلات قوى الفساد وزبانيتها في المؤسسات الحكومية عندئذ يمكن التفاؤل بإصلاح بنية الاقتصاد المأرومة.
من خلال متابعاتنا لخطط التنمية الخمسة التي كان مصمموها يستهلونها بعدم اليقين في إمكانية تحقيق أهدافها بسبب غياب عوامل نجاحها التي تتمثل في غياب الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي مما يجعل ترجمتها بنجاح على أرض الواقع تكتنفها الضبابية ولاسيما ضعف إسهام القطاع الخاص بشقيه المحلي والاجنبي، بالإضافة إلى الاعتماد الرئيسي على النفط كمورد وحيد لما يشوبه من تذبذب الأسعار بوصفه سلعة عالمية تخضع لعوامل وظروف دولية غير مسيطر عليها.
ويضاف اليها تحديات أخرى وأكثرها بشاعة انتشار الفساد في معظم هياكل الدولة وتجاوزه على التخصيصات المالية لهذه الخطط بأشكال من النصب والاحتيال عبر الموازنات السنوية التي لم تترك لعملية التنمية الحقيقية سوى 25 في المائة من الموازنات السنوية وحتى هذه النسبة المتواضعة لم تسلم من التجاوز لأغراض الانفاق على الموازنة التشغيلية التي يشوبها هدر فاحش اما ما ينفق على المشاريع الخدمية المتعلقة بخدمات الطرق والجسور فرغم ما فيها من فوائد فأنها لا تحقق التوازن في الاقتصاد العراقي.
وبناء على ما تقدم فان الضرورة تقتضي مراجعة شاملة لكافة السياسات المتعلقة بالإنتاج السلعي والسياسات التجارية والمالية والنقدية بترتيب متناسق وفي المقدمة منها اعداد الموازنات السنوية وترجيح كفة الموازنة الرأسمالية من خلال اتخاذ قرارات جريئة بترشيق الانفاق التشغيلي وشحذ الطاقات الأمنية والقضائية لاستئصال جذور الفساد وابعاد العناصر الهزيلة من الجهاز الحكومي.