اخر الاخبار

لكي لا يدخل في دائرة النسيان، ينبغي التذكير بمؤتمر بغداد لاسترداد الأموال المنهوبة بما فيها الأموال المهربة الذي انعقد في بغداد في الخامس عشر من شهر ايلول عام 2021 بمشاركة الجامعة العربية والعديد من المندوبين المفترضين. وقد شكل انعقاد هذا المؤتمر خطوة مهمة على طريق استعادة الأموال المهربة من قبل الفاسدين ذوي المقام العالي في الدولة العراقية الذين يحتلون مراكز وظيفية مهمة بالغة التأثير ومواقع قيادية نافذة في الاحزاب المهيمنة على السلطة بصورة مباشرة وغير مباشرة.

إن عملية التهريب من قبل الفاسدين لم تكن تحصل لولا وجود مرشدين وأدلاء ودول تسمح نظمها السياسية والمالية باجتذاب الأموال المهربة مقابل حوافز واغراءات من قبل أجهزة مصرفية تتمتع بنفوذ سياسي في بلدانها وأنظمة وقوانين تسمح لها بإيداع الأموال المهربة من مختلف الدول وخاصة الدول التي تتمتع بتدفقات مالية تفتقر إلى الرقابة الحازمة والقوانين الرادعة التي لا يمكن تخطيها والعراق مثالا بحسب التقارير الدولية.

ومن الظواهر التي برزت في بلادنا استفحال ظاهرة غسيل الأموال وتهريبها باستغلال نافذة البنك المركزي وما كان لهذه الظاهرة المزدوجة ان تأخذ هذه الابعاد المقلقة لولا وجود توافر عدد من الأسباب والثغرات الغائصة في السياسة التجارية التي برزت عبر ما يسمى بالسوق المفتوحة بعد عام 2003. ومن الأسباب والعوامل التي ترابطت ببعضها وانتجت تداعيات هذه الظاهرة المزدوجة هي:

1.تخلف كبير في التنظيم الإداري والاقتصادي لعمليات الاستثمار المحلي والأجنبي.

2.تراجع مريب في القيم الاجتماعية والأخلاقية التي اعتاد عليها مجتمعنا والمتوارثة من أجيال سابقة، لدى الكثير من رجال الأعمال والمصارف ما قادها إلى ارتكاب هذه الجرائم المخلة بالشرف العراقي.

3.ضعف النظام المصرفي في تشديد الرقابة على العمليات المصرفية والتحويلات المالية الخارجية وخاصة في عمليات التحويل المالي الالكتروني بين المصارف المحلية والأجنبية أدت إلى حصول جرائم تهريب العملة وغسيلها قبل أن تتجه حاليا إلى أتمتة العمليات المصرفية وهذه هي أيضا بحاجة إلى رقابة دائمة.                

4.جرائم غسيل الأموال تجري في ظل بيئة تتسم بالتشجيع على ارتكاب تلك الجرائم وفي ذات الوقت عدم اتخاذ العقوبات الرادعة ضد مرتكبيها، بل أن هؤلاء ينعمون بحصانة قوى سياسية منتفعة واجتهادات في تفسير النصوص القانونية الرادعة التي عززتها قوانين العفو عن الفاسدين وسراق المال العام التي ضاعفت من التكاليف التي تحمل عبئها الكارثي المال العام فكانت هذه القوانين مكافئة لأولئك السراق.

لهذا كان المطلوب ترجمة توصيات مؤتمر بغداد أنف الذكر والاستفادة من النجاح في اختراق السرية المصرفية الدولية بطريقة قانونية فقد كشفت هيئة النزاهة الاتحادية بتاريخ الخامس من شباط من عام 2022 في بيان لها تمكن العراق لأول مرة من اختراق هذه السرية عبر جهود هيئة النزاهة وصندوق استرداد أموال العراق وفي بيانها أشارت إلى أن الاختراق تم من خلال إجراءات قانونية تمكن العراق بموجبها من الاطلاع على محتويات الخزينة في سويسرا.             

وعلى الرغم من اقتضاب هذا البيان وعدم ذكر التفاصيل الكاملة عن ثمار هذا النجاح من حيث حجم المبالغ المودعة وما اذا كانت تعود لأزلام النظام السابق او الأموال المهربة بعد عام 2003 وحجم المبالغ التي يمكن  استردادها  في الحالتين ومهما يكن من أمر هذا النجاح  فإن الوصول إلى مثل هذا الاختراق وبطرق قانونية يضع أمام الحكومة العراقية والجهات المصرفية الساندة  والقضاء العراقي  الذي يتحمل مسئولية النظر في هذ الجرائم  واتخاذ قرارات قضائية  باتة التي ستكون سندا للقضاء في الدول موضوعة قبول الأموال غير المشروعة المودعة في مصارفها او اية أماكن في بلدانها، خيارا يمكن تكراره  مع دول أخرى سيما وأن المبالغ المطالب بها هي مبالغ كبيرة تقدر بأكثر من 500 مليار دولار  تمكن العراق من التعويض عن الخسائر التي تكبدها نتيجة عمليات الفساد المنظمة وإعادة توظيفها في المشاريع المتوقفة في البنى التحتية او في استراتيجيات التنمية المستدامة التي يجري التخطيط لها في المستقبل .