يعد المصمم الكرافيكي الإنسان الواعي الأكثر اتساقاً بمجتمعة وما يحيط به من ظواهر مختلفة التأثير، يتأثر بها ويؤثر فيها من خلال بناء أو تشكيل التصميم بما يتلاءم مع معطيات الحالة الضاغطة عليه فكراً وصناعة الفكرة ومراحل التفكير تكون المحصلة في بناء التصميم والإشهار به.
كما تختلف الرؤية البصرية في تأثيرها على ذهنية المصمم الكرافيكي بوصفه صانعاً ماهراً في ترجمة الظواهر البصرية ولاسيما تلك الظواهر أو الموارد التي تؤثر فيه ويعيش حالاتها وإرهاصاتها بكل صدق وإيمان ووعي. فالعواطف والمشاعر هي من أهم التأثيرات الناجمة عن التفاعل ما بين الرؤية البصرية من جهة والتفكير من جهة أخرى لتكون المحصلة النهائية هي ترجمة تلك المدخلات البصرية إلى التصميم. وتلك هي الاستجابة للظاهرة التي تكون حسية تارة أو غير حسية أو ملموسة أو غير ملموسة تارة أخرى، وبالتالي الإحساس بالظاهرة البصرية وبدء عملية التفكير البصري أو المرئي، ويكون التفكير هنا قابلاً للتحول ما بين اليسر والصعوبة، حسب التأثير الضاغط للمصدر البصري، فهنالك صلات معقدة ومركبة تربط ما بين العاطفة والتفكير ولكل منهما التأثيرات العكسية المتبادلة التي تحقق وتتيح للمصمم الكرافيكي القابلية الواسعة في تحليل تلك المصادر أو الموارد البصرية بالشكل العلمي والمنطقي، لذلك فان عمليات الذهن والتفكير تنشأ وتتفرع من العاطفة، والتي تمنح بدورها المقدرة الكبيرة والواسعة في منح الحوافز والدوافع لبدء عملية التفكير، فالتفكير البصري هو من يحدد الجميل والقبيح والسهل والصعب والغامض والواضح وغيرها من الصفات المختلفة التي تتمتع بها الموارد البصرية كافة والمحيطة بالمصمم الكرافيكي. فهو من يخوض تلك التجربة ويعيش لحظات التأمل ودراسة الحالة التي تبثها الموارد أو المصادر البصرية بدلالاتها المختلفة وأهدافها المتنوعة في بث الرسالة البصرية وتأثيراتها التي تسير على وفق هدف نشأت عليه تلك الظاهرة وتحاول إرسال معانيها إلى ذهنية المصمم.
تختلف هذه الرؤيا بشكل كبير في فهم النظرية عند المصمم بوصفه من يتعامل بنفعية وبرغماتية واضحة ومشروطه في نتاجه الإبداعي فالتصميم فن وعلم، ويمكن أن تتحدد نظريات الفن عموماً وفن التصميم بوجه خاص في نظرية المحاكاة والنظرية الشكلية والنظرية الانفعالية، والنظرية الجمالية، وان الحكم فيها يخضع إلى اعتبارات خاصة لكل تلك النظريات. إذ تشير نظرية الجمال الفني وهي اقرب النظريات الفنية إلى فلسفة التصميم إلى القيمة التداولية له كجزء من الوعي الإنساني ويدخل في صميم التجربة الإنسانية على أساس أهميتها وضرورتها. ومن النظريات المهمة في التصميم المعاصر؛ النظرية الشكلية التي تتعامل وتتجسد في العلاقة ما بين الشكل بوصفه العنصر المهم في التصميم ووظيفته النفعية التي يجسدها من خلال وجوده ودلالاته في التصميم، وبالتالي يكون الشكل مرشدا صادقا في تعبيره عن الجانب الموضوعي بل وإبراز قيمة الوظيفة ومنحها رموزاً ومؤشرات على الأداء والوظيفة. كما ان تركيز هذه النظرية على فصل التصميم كوظيفة وأداء عن الأفعال الحياتية والنفعية سيفقد التصميم هدفه الحقيقي. ويمكن أن يتحول الشكل إلى رمز أو علامة التي تمتلك خاصية الأيقونة كما يشير (موريس) لتسهم بالتالي في توكيد موقع الشكل وماهيته في التصميم النافع للمجتمع.
تطرق المؤلف والمصمم الكرافيكي د. فلاح حسن الخطاط في كتابه المتميز الى تقسيم دراسته المهمة في كتابه القيم هذا الى خمسة فصول كان الفصل الاول متخصصا بالتعرف على الخيال والمخيلة وبنائية التصور الذهني وما يرتبط بهذه المفاهيم من ظواهر جديرة بالدراسة والتحليل اذ يرتبط التخيل كفعل ذهني مهم عند المصمم الكرافيكي على وجه الخصوص بالخيال، وهي عملية بنائية ايجابية لأشياء لم تتواجد من قبل وعلى هذا الأساس لا يمكن أن يكون الخيال دون فعل قصدي او دون إرادة او وعي، لان ما ينتج عن فعل التجريب التخيلي، يتم بمشاركة عمليات أخرى تتفاعل فيما بينها. ويمكن لنا تجاوز تلك الحقائق المعطاة التي تتم بفعل التخيل الذي يعد تجربة للانفتاح ونشاطاً مكوناً للصور والمفاهيم العقلية. وتطرق الى دراسة الفكرة وصناعتها وعمليات التفكير الابداعي في التصميم الكرافيكي، ودراسة فلسفة الشكل والتشكل والتصميم فلابد من الإشارة هنا إلى دور الشكل في العمل الفني ولاسيما التصميم قد يكون غير مألوف أو ما يمكن تسميته بإنتاج الشكل الجديد. لذلك يعد كلي لتتحقق العناصر كلها وحتى في النقطة، فقد تكون النقطة شكلاً مستقلاً قابلاً للحركة ضمن فضاء محدد أحيانا أو مغلق في أحيان أخر. وقد بينت تجارب شاكر حسن آل سعيد في لوحته (النقطة) تلك الجدلية المهمة لتحول النقطة إلى شكل وبديناميكية حركية واضحة تثير المتلقي وتدعوه للتتبع الحالة.
ويتحول المفهوم البصري الحقيقي لشكل النقطة إلى شكل هندسي على وفق مديات التفكير والتأويل والتفسير في العمل الفني بصورة عامة والتصميم بصورة خاصة، وهذا ما يؤكد عليه (بول كلي) في بناء نظريته في التشكيل وبنائية العمل الفني. ومن تطبيقات تلك النظرية هي تحول تلك النقطة إلى شكل دائري يأخذ مركز السيادة في التصميم كما في علم اليابان إذ تحتل الدائرة الحمراء بقوة وجودها مركزية أو سيادة مطلقة، فضلاً عن قوة جذب شكلية لدى المتلقي، حتى غدت تمثل الهوية والخصوصية للشعب الياباني.
لذلك ينطلق (بول كلي) في تحديده لديناميكية الشكل وتحولاته في الهيئة العامة له، إلى أن الشكل الفعال هو ما يقدم العمل والفعل، فالشكل حركة لا تهدأ كما يصفه كلي، ويؤكد قائلاً: ((هناك عنصر نفسي يلعب دوره عندما يكون الموقع قريباً من المركز، فالمركز في نفسه هو نقطة جذب، وعندما يتم تأكيد حضوره، يكون عبر حركة الشكل)).والتي سوف يتعرض اليها المؤلف في محاضرته القيمة اليوم. وفي الفصل الرابع فقد درس فيه الابعاد المهمة في تشكيل الخطاب الكرافيكي المعاصر واهمية النظام والتنظيم في جماليات التصميم، وتركيزه على البعد الرابع في دراسته الحركة والزمن في التصميم الكرافيكي. فالزمن هو المحدد والمؤطر لبناء العمل الفني لاسيما التصميم الكرافيكي المستقبلي الذي تبينه الأحداث من خلال العناصر التيبوغرافيكية فيه. لذلك يؤكد العديد من منظري البرغماتية أو الفكر النفعي على حركية الزمن ودره في العملية الإدراكية في العمل الفني بشكل عام والتصميم بشكل خاص مما يؤثر في تحديد الرهنات المستقبلية في الحدث أو الظاهرة المطروحة في خطابه الفني البصري مما يجعل من التأويل والتفسير خاضعاً للتحليل على وفق الدراسات المستقبلية. بينما تضمن الفصل الخامس تحليلا مهما لتطبيقات ونماذج تحقق البعد الرابع في التصميم الكرافيكي، فالادراك المعرفي للبعد الرابع يحقق الترابط والتكامل مع البيئة ويربط فعل الانسان مع حركته وترتبط المرحلة الانشائية في التصميم بمفهوم الزمن الذي يولد البعد الرابع بعدا قيميا متجذرا في التصميم الا وهو الحركة، كما يشير المؤلف.
قدم للكتاب الفنان العراقي المبدع عبد الكريم السعدون، ويقع الكتاب في 212 صفحة من القطع المتوسط وهو صادر عن دار اهوار ببغداد.