اخر الاخبار

زارنى أبي فى الحلم، لم أفلح فى إخفاء قدح الحزن من فوق الطاولة، كنت قد تناولت منه رشفتين، المرارة ما زالت عالقة فى الحلق، مشتاق لوجه أبي الطيب وكلامه العذب وإبتسامته التى لا تفارقه ومسبحته الكهرمان، معذرة يا نهراً من طيب العنبر لفوضى المكان،  لابد وأنك مررت بهذه الفوضى فى الخارج أثناء قدومك هنا، لا تدهش لتبدل الإنسان فى هذا الزمان، لم يعد الصديق  يزور الصديق للإطمئنان على الصحة، والأبناء تفرقوا وتباعدوا  !  الصديق يزور الصديق لبث الهموم وشكوى الزمان، هذه القصاصات المتناثرة على الطاولة وفى الزوايا، أدفع بها لبعض الصحف والمجلات، رغبة فى مشاركة الأشياء والتأملات كي لا أموت، وأدفع  بمثلها فى سلة المهملات، كيف دخلت يا أبي من باب البستان، والبستان منذ رحيلك مغلق. معذرة للسؤال؟ لأنك فى أغصان هذا الكون مثل تدفق الأمطار تفتح أفاق الخصوبة، تدفع بين الناس الكلم الطيب والمودات، وتريح النفس من العداوات، الهم نصف الهرم، يطاردنا كما يطارد الضوء الحارق الفراشات، محشورين فى قطار طويل يتأهب للرحيل، تذهلنا الحياة بمنطقها المفاجىء وغير المتوقع،

- نعم يا أبي  :  ينبغى مواجهاتها دون التعمق فى فهمها   !

- يسألنى أبي الطيب :

 لماذا لم تتزوج بعد وفاة الزوجة وعن الأبناء  ؟

- لم أجبه  ..  !

وهو لم ينتظر اجابتي قائلا  :  المرأة يا ولدى هى الأمان، وفرملة الرجل التى تحول بينه وبين السقوط، فى برائن الوحشة،

أسمعت أبي كلمات الشاعر خليل حاوى  :

إنى أموت / مضغة تافهة / فى جوف حوت  .

- قال أبي  :  أتبحث عن موت تشتريه، لأنك ترى العيش كريه

لا خير فيه  !

من يبدر الشوك يجنى الوجع، إزرع المعروف تحصد الخير،

مائة صديق قليل وعدو واحد كثير،

إبغض العداوات وأغنم المودات،

ما أجملها عطايا السماء للزرع والإنسان وكل الكائنات،

يعاود أبي السؤال عن الأبناء  :   أأخبره عن هواتفهم المتباعدة، وكيف يمر العام  دون رؤيتهم،

- رغم أن الكلمات تشكلت فى جمل صحيحة ووصلت إلى فمى ودورها لسانى بين أسنانى،

 إلا أننى لم أجرؤ على لفظها   !

لكن أبي الشيخ الطيب،

قرأ الجواب فى دمعات عينى التى إنهمرت كالمطر،

ثم غاب.