اخر الاخبار

إلى كل فنانٍ يوقظ بضوء ريشته عتمة العالم، إلى كل كاتبٍ يحرّر بالحبر ما تعثر في الروح، إلى كل مثقفٍ ما زال قلبه يخفق للعراق، إلى ضمير هذا الوطن الذي لم ينطفئ.

يا حُرّاس الجمال، يا صُنّاع الدهشة، يا عشّاق النغم الذي يشبه صلاةَ الحياة.

اليوم تتعرض البصرة، رئة العراق ومدينة السياب والخليل والفراهيدي، لهجمة غليظة تُحاول أن تخنق نبضها، وتغتال موسيقاها، وتطفئ ابتسامتها التي قاومت كل العواصف. لم يكن المنع القسري لحفلٍ فني مجرد إجراء عابر، بل كان محاولة لانتزاع روح المدينة، ولإلباس البصرة ثوباً غريباً عنها، ثوباً يحمل ملامح (قندهار) المتجهّمة، لا ملامح البصرة الوضّاءة التي علّمتنا معنى الشِعر والحب والتمر والماء والضوء.

نحن اليوم أمام لحظةٍ أشبه بامتحانٍ للضمير، فحين يُحاصَر الفن، تُحاصَر الحياة ذاتها. وحين تُقمع الموسيقى، يُمهَّد الطريق لقمع كل شكلٍ من أشكال الحرية. الصمت ليس خياراً. الصمت قبولٌ خفيّ بأن يتحول العراق تدريجياً إلى سجنٍ واسع، تُحركه قيود المحرّمات بدلاً من قوة القانون، ويقوده مزاج التشدد بدلاً من روح الدستور.

لذا، ندعوكم يا من بأقلامكم تُضيئون العتمة، وبريشكم تُنبتون الأمل، وبأصواتكم ترفعون سقف الحلم، ألا تتركوا البصرة وحيدةً في مواجهة هذا الظلام. هذه المدينة التي أنجبت أول القصيدة العربية تستغيث اليوم بأبنائها. قفوا معها. اكتبوا، ارسموا، غنّوا، فالفن ليس ترفاً، بل هو خط الدفاع الأخير عن إنسانيتنا.

إن الدفاع عن حق البصرة في الفرح هو دفاع عن حق العراق كله في البقاء على قيد الضوء. لنهتف معاً بصوت واحد، لا يرتجف: البصرة مدينة للحياة، وستظل كذلك، ولن تكون يوماً مقبرةً للأحلام.

عاشت البصرة، مدنية، حرة، خلاقة، وباقية كما أرادها عشّاقها.