اخر الاخبار

يواجه المجتمع الدولي مأزقا كبيرا في التعامل مع الملف السوداني من خلال ترتيبات الانتقال التي تعتمدها الأمم المتحدة في التعامل مع الدول التي تواجه أوضاعا مشابهة، والتي تعتمد عملية إصلاح شاملة يتم من خلالها إصلاح أجهزة الدولة وإعادة صياغتها من جديد، خاصة الأجهزة الأمنية، وبالطريقة تستجيب لمطالب وطموحات المجموعات التي تحمل السلاح مما يقتضي رعاية تسوية سياسية بين طرفي النزاع.

وفي ذلك تتعثر الآلية الرباعية بقيادة أمريكا في الطريق إلى الوصول إلى مائدة التفاوض حتى لإقرار هدنة تسمح بتوصيل المساعدات الانسانية وفتح الممرات الآمنة لخروج المدنيين من المناطق الساخنة، ناهيك عن الوصول إلى الموافقة على الدخول في مفاوضات او حتى وقف إطلاق النار.

يشترط الجيش خروج قوات الدعم السريع من المناطق التي يسيطر عليها وتسليم سلاحه وجمع قواته في مناطق خارج المدن يتم الاتفاق عليها برعاية دولية. وهذا شرط رغم أنه قد تم إقراره في مفاوضات جدة عند بداية الحرب برعاية سعودية امريكية، إلا أن الوسطاء باتوا ينظرون إليه كشرط تعجيزي.

 ويبدو أن الدول الراعية للعملية السياسية في السودان تعول على تبدل ميزان القوة العسكرية لصالح "الدعم السريع" وبطريقة تجبر الجيش على قبول التفاوض في ظل وجود مناطق كثيرة لا تخضع لسيطرته. ولذلك تقوم الدول الكبرى ببيع السلاح للإمارات التي تقوم بدورها بتوصيله لقوات الدعم السريع عن طريق قوات خليفة حفتر عبر الصحراء. لذا ينشط سلاح الجو السوداني في توجيه ضربات لرتل السيارات التي تحمل السلاح والجنود الكولومبيين بصورة دائمة. كما أعلنت دول أخرى مثل تركيا وقوفها إلى جانب السودان وتزويد الجيش بطائرات برقدار الاستراتيجية، وهي التي يستخدمها الآن في ضرب تجمعات "الدعم السريع" في صحاري كردفان الشاسعة.

كما ان الجيش يستطيع ان يشتري السلاح من السوق العالمي، مما يجعل الرهان على إحداث خلل في توازن القوة لصالح "الدعم السريع" عملية خاسرة، خاصة وان برلمانات كثير من الدول، مثل بريطانيا واستراليا، قد أخضعت حكوماتها لمساءلات حول شحنات السلاح التي تبيعها للإمارات.

لجأت دول "الرباعية" إلى السياسة وسعت لحشد القوى المدنية الموالية له، وذلك من خلال قيام حملة إعلامية كبرى لكشف ارتباط الجيش بجماعة الإخوان المسلمين التي صنفتها أمريكا بأنها ارهابية. لكن دول "الرباعية" غير مؤهلة لإصدار حكم بالارهاب على الآخرين، وإن كانت جماعة الإخوان المسلمين تنطبق عليها صفة الإرهاب من خلال فحص اصولها النظرية او ممارستها السياسية.

 كما ان القوى المدنية التي تسعى دول "الرباعية" للدفع بها إلى دست الحكم غير مجمع عليها، توجد إلى جانبها قوى أخرى حتى داخل التيار المدني الديمقراطي، مثل تحالف قوى التغيير الجذري الذي ينشط فيه الحزب الشيوعي.

لتحريك جمود المشهد السوداني رشحت أخبار عن زيارة قام بها رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان إلى السعودية قبل أيام وأسفرت عن لقاء جمعه بمحمد بن سلمان، الرجل الذي أقنع الرئيس الامريكي بضرورة الانتباه لحرب السودان ضمن فعاليات قمة الاستثمار السعودية الأمريكية من قبل في واشنطن.

وعلى ضوء هذا اللقاء سادت الأوسط السياسية موجة من التفاؤل عكر صفوها إلى حين الانقسام الذي ضرب صفوف حزب المؤتمر السوداني، أحد أكبر الكيانات المكونة لتحالف "صمود" بقيادة عبد الله حمدوك، وذلك حينما أعلنت بعض قياداته توقيعها على ميثاق "تأسيس" التي اعلنت انحيازها لقوات الدعم السريع وشكلت حكومة موازية في نيالا.

واستنادا على بصيص الأمل هذا، يطرح سؤال موضوعي.. وهو هل: يقبل الجيش بإقامة حكومة مدنية برئاسة عبد الله حمدوك والدخول في تفاوض مع قوات الدعم السريع وهي تحتل عدد من المدن السودان وتهدد اخرى؟.

 هذا ما ستجيب عليه التحولات المرتقبة في مقبل الايام.