اخر الاخبار

أثار الجزء المخصص لأوروبا من استراتيجية الأمن القومي الجديدة لإدارة دونالد ترامب ردود فعل متباينة في القارة العجوز. ففي معرض ردها على عدد من التصريحات شديدة الانتقاد لسياسات الهجرة في الدول الأوروبية والرقابة على القوى السياسية اليمينية وعرقلة جهود السلام في الصراع الأوكراني، أشارت كايا كالاس، مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي إلى أن بعض هذه التقييمات كانت دقيقة. في غضون ذلك، أوضحت ألمانيا أنها لا تحتاج إلى نصيحة أمريكية بشأن كيفية تنظيم الحياة في أوروبا. بل إن بعض المسؤولين الأوروبيين (وإن كانوا سابقين) اعتبروا الوثيقة دليلاً على أن ترامب "عدو لأوروبا".

الجزء الأوروبي من استراتيجية الأمن القومي الأمريكية الجديدة، الصادرة في واشنطن أواخر الأسبوع الماضي، كانت بطريقة كما لو انهم يقولون: "أفلاطون صديقي، لكن الحقيقة أغلى". وبينما تُقرّ الوثيقة بأن الولايات المتحدة لا تزال تعتبر الدول الأوروبية حلفاء مهمين، وأنها لا تنوي "استبعاد أوروبا"، فإنها تُشير صراحةً إلى العديد من أوجه القصور في الحكومات الأوروبية.

أولا، تواجه بلدان القارة "احتمالا حقيقيا وصارخا لمحو حضارتهم" - ويرجع ذلك في المقام الأول إلى تدفق المهاجرين، ولهذا السبب يقال إن العديد من هذه البلدان معرضة لخطر التحول إلى "أغلبية غير أوروبية" في غضون عقدين من الزمن.

وثانيا، تتهم الوثيقة بعض الحكومات الأوروبية (دون تحديد الاسماء) بفرض رقابة غير عادلة على الأحزاب السياسية اليمينية المتطرفة.

علاوة على ذلك، تعِد الوثيقة بشكل أساسي بأن تلعب الولايات المتحدة دورًا أكثر فاعلية في الشؤون السياسية للقارة، بما في ذلك من خلال "تنمية مقاومة المسار الحالي داخل الدول الأوروبية". وأخيرًا، تشير الاستراتيجية إلى أن الأوروبيين يعيقون الجهود المبذولة لإنهاء الحرب في أو كرانيا.

ولكن، في الوقت نفسه، كان عنوان الجزء الذي يخص اوروبا في الوثيقة "تعزيز العظمة الأوروبية"، يوحي بأن الولايات المتحدة تنتقد أوروبا بحسن نية وليس لمجرد السخرية منها.

مع ذلك، وكما تمت الإشارة اليه، كان رد الفعل على الاعتبارات الأمريكية متباينًا للغاية. فعلى سبيل المثال، قللت كايا كالاس، مسؤولة العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي، من أهمية التقييمات القاسية الصادرة عن شريك الاتحاد في الخارج، بل أشارت إلى صحة بعض استنتاجات الوثيقة. وقالت كالاس في السادس من ديسمبر/كانون الأول خلال منتدى في الدوحة، جمع دبلوماسيين وممثلين عن منظمات غير حكومية وقادة دوليين آخرين: "بالطبع، هناك الكثير من الانتقادات، لكنني أعتقد أن بعضها مُنصف". وأضافت: "أوروبا تُقلل من شأن قوتها، على سبيل المثال، في مواجهة روسيا. نحن بحاجة إلى أن نكون أكثر ثقة بأنفسنا، هذا أمر مؤكد".

وبعد ذلك، أقرت بأن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة "لم يتفقا دائمًا بشأن قضايا مختلفة"، مؤكدة: "أعتقد أن المبدأ العام لا يزال دون تغيير. نحن حلفاء ثابتون، وعلينا أن نبقى متحدين".

 أما ردّ رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك على الانتقادات الموجهة للأوربيين في الوثيقة الامريكية فكان مهادنا إلى حدٍّ ما، (مع أنّه من المرجح ألا يرضيه المقطع الذي يشير الى نية واشنطن مواصلة دعمها للقوى اليمينة المتطرفة في اوربا نظرًا لمواجهته معارضةً داخليةً من كارول نافروتسكي، زعيم حزب القانون والعدالة اليميني المُحافظ، والمدعوم أديولوجيًا من الولايات المتحدة). وكتب دونالد توسك على مواقع التواصل الاجتماعي: "أصدقائي الأمريكيون الأعزاء، أوروبا هي أقرب حلفائكم، وليست مُشكلة لكم. لدينا أعداء مُشتركون. هكذا، على الأقل، كان الحال على مدار الثمانين عامًا الماضية. يجب أن نلتزم بهذا؛ فهي الاستراتيجية المُناسبة الوحيدة لأمننا المُشترك. إلا إذا تغيَّر شيءٌ ما".

ولكن في برلين، قرروا عدم التعامل باللين المفرط مع الإدارة الأميركية، وعلقوا على صياغة الاستراتيجية بروح رد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في عام 2008 على وزير الخارجية البريطاني آنذاك ديفيد ميليباند: "من أنت حتى تلقي عليّ محاضرة سخيفة؟!"

فلقد أشار وزير الخارجية الألماني، يوهان فاديفول، إلى أن الولايات المتحدة كانت وستظل "أهم حليف لألمانيا في حلف الناتو"، مؤكدًا أن الحلف "يركز على حل قضايا السياسة الأمنية" وأن بلاده لا تحتاج إلى محاضرات من جهات خارجية حول حرية التعبير أو تنظيم المجتمعات الديمقراطية. وأضاف: "نعتقد أننا سنتمكن في المستقبل من مناقشة هذه القضايا باستقلالية تامة ولن نحتاج إلى مشاورات خارجية".

وأصبح المسؤولون الذين صار يُضاف الى تسمياتهم كلمة “السابق" أكثر مرونة وأقل مجاملة في صياغة كلماتهم. على سبيل المثال، أشار رئيس الوزراء السويدي السابق كارل بيلت إلى أن تصريحات كتلك الواردة في استراتيجية الأمن القومي الأمريكية "لا يمكن العثور عليها إلا في عقول الكرملين الغريبة"، مضيفًا أن الوثيقة تضع الولايات المتحدة "على قدم المساواة مع اليمين المتطرف في أوروبا".

وعلق السفير الفرنسي السابق لدى الولايات المتحدة جيرارد أرو على الوثيقة عبر وسائل التواصل الاجتماعي قائلا: "إن القسم المذهل حول أوروبا يبدو مثل كتيب يميني متطرف"، مشيرا إلى أنها "تؤكد إلى حد كبير" الرأي القائل بأن دونالد ترامب "عدو لأوروبا".

ومن الجدير بالذكر، فقد برز أول شعور واضح في القارة بأن الإدارة الأمريكية الحالية تُكنّ مشاعر سلبية تجاه الأوروبيين كان ذلك عقب الخطاب المدوي الذي ألقاه نائب الرئيس الأمريكي، جيه. دي. فانس، في مؤتمر ميونيخ للأمن في وقت سابق من هذا العام وفيه، باختصار، انتقد فانس الدول الأوروبية لسياساتها المتعلقة بحرية التعبير وأشار إلى أن الخطر الأكبر على القارة لا يأتي من روسيا أو الصين بل من حكوماتها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*عن جريدة كاميرسانت الروسية