اخر الاخبار

أعلنت وزارة التخطيط أرقاماً صادمة بشأن واقع الأراضي الزراعية في العراق، كشفت من خلالها عن حجم الخطر الذي يتهدد الأمن الغذائي والبيئي في البلاد. ووفق هذه الأرقام، بلغت مساحة الأراضي التي طالتها عمليات التصحر نحو (٤٠٤٠٠٠٠٠) دونم، فيما وصلت مساحة الأراضي المهددة بالتصحر إلى (٩٦٥٠٠٠٠٠) دونم، في حين لم يتبقَّ من الأراضي الصالحة للزراعة سوى (١٣٥٠٠٠٠٠) دونم فقط.

وتُظهر هذه المؤشرات بوضوح مدى عمق الأزمة التي تواجه القطاع الزراعي، وما تحمله من تداعيات خطيرة لا تقتصر على الأمن الغذائي فحسب، بل تمتد لتشمل الأوضاع البيئية والصحية، الأمر الذي يستدعي إيجاد حلول عاجلة وفعّالة.

ورغم خطورة المشهد، فإن هذه المشكلة ليست جديدة، إذ مضت عليها سنوات طويلة، وحذّر منها مراراً خبراء الزراعة والبيئة. ويُعدّ العامل الجوهري والأساسي في تفاقمها هو شحّ المياه، غير أن تجاهل هذا الملف، وضعف الإمكانات، وغياب الخطط الاستراتيجية الشاملة من قبل الجهات المعنية، أسهمت جميعها في تعميق الأزمة وصولاً إلى هذه النتائج غير السارة، التي تهدد واحداً من أهم القطاعات الاقتصادية في العراق، ألا وهو القطاع الزراعي، وما يرتبط به من آثار بيئية وصحية كما أُشير آنفاً.

إن خطورة الوضع الحالي تفرض ضرورة النظر بجدية إلى وضع خطة شاملة لاستصلاح الأراضي الزراعية، تتبناها الحكومة العراقية، وتشارك في تنفيذها الوزارات والهيئات ذات العلاقة، وفي مقدمتها وزارتا الزراعة والموارد المائية، وهيئة تشغيل المشاريع واستصلاح الأراضي التابعة لوزارة الموارد المائية. كما ينبغي أن تأخذ هذه الخطة بنظر الاعتبار المناطق التي لم تُنفذ فيها عمليات استصلاح سابقة، ولا سيما المناطق الممتدة من جنوبي بغداد حتى البصرة.

ويتطلب تنفيذ مثل هذه الخطة جهداً واسعاً يبدأ من توفير الموارد المالية الكافية، إذ إن الموازنات المخصصة لوزارتي الزراعة والموارد المائية لا تكفي حتى لتشغيل الوزارتين، فضلاً عن تنفيذ مشاريع استراتيجية كبرى. كما تبرز الحاجة إلى اعتماد عمليات تبطين جميع الأنهار والبزول في مناطق الفرات الأوسط والجنوب، واستخدام الأنابيب في نقل المياه من الأنهار الرئيسة، بما يسهم في تقليل الضائعات المائية، إلى جانب تشديد الرقابة لمنع التجاوزات، ولا سيما من قبل المتنفذين.

وفي السياق ذاته، تبرز أهمية إدخال تقانات الري الحديثة، مثل الري بالتنقيط والري بالرش، في العمليات الزراعية، مع توفير كوادر فنية مدرَّبة قادرة على إنجاز مشاريع الاستصلاح بكفاءة. كما يستلزم الأمر تدريب الفلاحين من خلال دورات إرشادية واسعة تقودها كوادر زراعية متخصصة، وبخاصة لأصحاب الوحدات الزراعية الصغيرة، ومنع السقي بالغمر نهائياً لما يسببه من هدر كبير للمياه، فضلاً عن الحد من زراعة المحاصيل غير المجدية اقتصادياً والتي تستهلك كميات كبيرة من المياه.

ويُعدّ توفير بذور تتحمل الجفاف والملوحة، وملائمة للأراضي والظروف المناخية العراقية، خطوة أساسية ضمن هذا المسار، إلى جانب منع تجريف الأراضي الزراعية الخضراء، وتطبيق القوانين الرادعة بحق المخالفين دون تهاون.

إن تحقيق هذه الأهداف مجتمعة يتطلب تشكيل هيئة عليا تُعنى بإدارة قطاعي الزراعة والمياه، وتشرف على عمليات الاستصلاح، وتتولى التفاوض مع دول الجوار لضمان حقوق العراق المائية في نهري دجلة والفرات، بما يسهم في تحقيق الأمن الغذائي والصحي للمواطن العراقي، ويضمن حقوق الأجيال القادمة.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

*مهندس زراعي استشاري