اخر الاخبار

الاشتراكية العلمية نظام اقتصادي وسياسي وفكري وأخلاقي، وقد سُميت بالاشتراكية العلمية، لارتباطها الوثيق بالعلم ولتمييزها عن النظريات الاشتراكية الخيالية او الطوباوية. وارتباط الاشتراكية بالعلم يعني توظيف القوانين العلمية في المجالات الاجتماعية والرياضية والفيزيائية وغيرها، لإنتاج المزيد من المعرفة العلمية لخدمة المصالح الإنسانية. وفي رأي إنجلس ان الاشتراكية العلمية هي الماركسية تخليداً لاسم العالم الذي اكتشفها كارل ماركس.

وقد وصف ماركس الأفكار الاشتراكية التي سبقت نظريته الاشتراكية بالأفكار الطوباوية، وكان من بين أبرز المتبنين لأفكار الاشتراكية الطوباوية روبرت اوين في انكلترا (1771- 1858) وهنري سان سيمون (1760 - 1825) وشارل فوربيه (1772 –1873) في فرنسا. ومنذ تلك الفترة أصبحت الأفكار الاشتراكية الطوباوية مصطلحاَ متداولاَ لوصف الحركات الاشتراكية التي ظهرت في مطلع القرن التاسع عشر في أوربا، والتي تدعو إلى بناء مجتمع سعيد. إلا أن هؤلاء الدعاة إلى الاشتراكية لم يبنوا رؤيتهم الفكرية على أسس علمية ولم يشخصوا التناقضات التناحرية في البنية الرأسمالية، ولم يحددوا الكيفية التي يمكن بها بناء الاشتراكية، ولهذا نعت ماركس وإنجلس أفكارهم بالأفكار الخيالية.  وتختلف الاشتراكية العلمية اختلافاَ جذرياَ عن الاشتراكية الطوباوية، فالاشتراكية العلمية هي الماركسية، وكما يؤكد إنجلس أن الاشتراكية تقوم على المفهوم المادي للتاريخ وعلى تحليل القوى الطبقية لكل مرحلة من مراحل المجتمع وتحديد شكل الصراعات التي تدور بين الطبقات. والماركسية كنظرية علمية تفسر التاريخ من منظور طبقي. وبدلاَ من الاعتماد على الافكار المثالية فإن الاشتراكية تسعى إلى تطبيق منهج علمي لفهم الظروف الاقتصادية والعمل على تغييرها.          

والاشتراكية الماركسية تعني أن كافة الموارد الطبيعية ورأس المال ووسائل الانتاج والمؤسسات الانتاجية الصناعية والزراعية والخدمية والأرض والمصارف وقطاع المال والأعمال والتجارة الداخلية والخارجية ملكاً للدولة الاشتراكية. وليست ملكًا للأفراد أو الشركات. ويتم توزيع الثروة بشكل عادل بين أعضاء المجتمع، بدلًا من أن تُستغل لزيادة ثراء طبقة مستغله. فملكية وسائل الانتاج تحدد نوعية العلاقات الانسانية الناشئة عن عملية الانتاج، وبالتالي تحدد ملكية الانتاج وكيفية توزيعه. ولهذا فان تحويل ملكية وسائل الانتاج الخاصة إلى ملكية اجتماعية عامة هو المنطلق الذي يعبد الطريق نحو الاشتراكية.

وهدف الاشتراكية التي تدعو الماركسية إلى تحقيقها هو إلغاء الطبقات الاستغلالية واشباع حاجات المجتمع من السلع والخدمات على الوجه الأكمل وإلغاء استغلال الإنسان للإنسان لتحقيق العدالة والمساواة. ويبقى الهدف النهائي للاشتراكية إقامة مجتمع شيوعي لا طبقات فيه ولا دولة، بل طبقة واحدة هي طبقة الشعب الذي يعمل بمبدأ التسيير الذاتي في الإدارة والاقتصاد وهو ما يُعد المرحلة النهائية لتطور المجتمع البشري وفقاَ لمفهوم ماركس. وتتميز الاشتراكية بالملكية العامة لوسائل الإنتاج وسيطرة الطبقة العاملة على السلطة السياسية، وتحرير سائر شغيلة اليد والفكر من ربقة الاستغلال وعبودية العمل وتطبيق مبدأ العدالة الاجتماعية والمساواة في المجتمع.

  وقد استنتج ماركس في تحليله المادي للتاريخ، أن التاريخ عبارة عن سلسلة من الصراعات الطبقية المالكة لوسائل الانتاج والعمال الأجراء. وتركز الثروة في أيدي قلة قليلة من البرجوازيين. وأشار أن الاستغلال سيؤدي حتماَ إلى انهيار الرأسمالية، وصعود مجتمع اشتراكي خالٍ من الطبقات والملكية الخاصة. وفي المجتمع الجديد، سوف تصبح وسائل الإنتاج مملوكة بشكل جماعي ويتم تنظيمها وادارتها من خلال التخطيط الواعي بدلاً من آلية السوق، ويُوزع الإنتاج بمقدار مساهمة الفرد في العمل.

 وقد برهن ماركس في مؤلفه الموسوم (رأس المال) أن الرأسمالية نظام محكوم عليه بالزوال، وفي اعتقاده ان النظام الرأسمالي سينهار حتماَ ويحل محله نظام اشتراكي تحرري، تستولي فيه البروليتارية على السلطة السياسية ووسائل الإنتاج، وفي نهاية المطاف إقامة مجتمع خال من الطبقات. وهو ما اشار اليه لينين بقوله إن جميع الشعوب ستصل إلى الاشتراكية ولكن بطرق مختلفة.

فقد بنى ماركس نظريته الاشتراكية على أساسين مهمين:

الأول الأساس الفلسفي: ويتخلص في ان النظرية الاشتراكية تقوم على تطور الديالكتيك ومن ذلك استنتج أن تاريخ أي مجتمع عبارة عن صراع بين الطبقات، وهذا الصراع هو الذي ينقل التاريخ من نظام اجتماعي معين إلى آخر. وسوف ينتهي هذا الصراع بالقضاء على الطبقات الاستغلالية.

والثاني الأساس المادي: وفيه ركز ماركس جل اهتمامه على نقد الرأسمالية وإظهار عيوبها وبنيتها الاستغلالية، وأكد أن الرأسمالية تحمل بذور فنائها ولابد ان تنتهي وتقوم الاشتراكية على انقاضها.

المبادئ التي تقوم عليها الاشتراكية العلمية

1- تقديم الخدمات: يقوم المخططون في النظام الاشتراكي بدراسة احتياجات المجتمع التي تزداد وتتطور مع تطور المجتمع وزيادة السكان. وتقوم الدولة الاشتراكية بتقديم الخدمات لكافة المواطنين مثل خدمات الصحة والتعليم مجاناَ، إضافةً لخدمات النقل والإسكان التي تحددها الدولة بأسعار هامشية وشبه مجانية. كما تقوم الدولة بتحديد أسعار السلع الاستهلاكية وغير الاستهلاكية وأسعار الخدمات المتعلقة بخدمات الفنادق والمطاعم ووسائل الترفيه الأخرى بحيث لا تشكل اي ارهاق مالي للمواطن وغالباَ ما تكون بسعر تكلفة المنتج أو مدعومة مالياَ من الدولة، فهدف الدولة الاشتراكية تحقيق رفاهية المجتمع وليس البحث عن الأرباح.

 وفي مرحلة الاشتراكية يبقى العمل مقسماَ إلى عمل جسدي وذهني وعمل صناعي وزراعي، ويعني ذلك وجود طبقة عاملة وعمال زراعيين ومثقفين وبعض فئات البرجوازية الصغيرة. والتناقضات التي تظهر في هذه التشكيلة الطبقية هي تناقضات ثانوية، وغير تناحرية ويمكن حلها في عملية التطور الاشتراكي، خصوصاَ أن الثروة في المجتمع الاشتراكي يتم توزيعها بشكل أكثر عدالة ويعيش الجميع على قدم المساواة.

  2-الملكية العامة لوسائل الانتاج: اعتبر ماركس الملكية العامة لوسائل الإنتاج الأساس الذي يقوم عليه الاقتصاد الاشتراكي، ولابد من الغاء الملكية الخاصة، وتحويلها إلى ملكية اشتراكية عامة، حيث أن زوال الملكية الخاصة لوسائل الانتاج يؤدي عملياَ إلى زوال الطبقات الاستغلالية وتجريدها من وسائل الاستغلال التي تستعبد بها الطبقة العاملة والشغيلة، وبذلك ينتهي الصراع الطبقي وتتحرر الطبقة العاملة من عبودية العمل وينتهي استغلال الانسان لأخيه الانسان.

 ومما يجب معرفته ان الملكية العامة في النظام الاشتراكي لا تلغي الملكية الشخصية للأفراد والعائلات. مثل تملك بيت او وسيلة نقل شخصي او قطعة ارض زراعية واستخدام ناتجها للاستهلاك الذاتي وما شابه ذلك من الملكيات الشخصية. فالقوانين الاشتراكية تمنع استخدام الأموال والممتلكات الشخصية لاستغلال الآخرين. وتحرم أي شكل من أشكال الاستغلال. وفي النظام الاشتراكي يصبح الانسان حراً في اختيار عمله وتطوير مواهبه واهتماماته الخاصة دون الحاجة إلى بيع قوة عمله كسلعة، مما يحرره من اغتراب العمل الذي يؤرقه في النظام الرأسمالي.

3-التخطيط الاقتصادي: يعتبر التخطيط وظيفة اقتصادية من الوظائف المهمة للدولة الاشتراكية لضمان التطور المتساوي في البلد عبر خطة قومية شاملة لتطوير كافة قطاعات الدولة، وقد ورد التأكيد والالتزام بمبادئ التخطيط الاشتراكي في مؤلفات لينين وفي وثائق الأحزاب الشيوعية والعمالية في الدول الاشتراكية.  والتخطيط الاشتراكي يعني تنظيم عملية الإنتاج والتبادل والتوزيع والاستهلاك. وتنظيم النشاط الإنتاجي الذي يقوم به منتجون أحرار وينفذونه بوسائل إنتاج اشتراكية. وتتولى الحكومة اتخاذ القرارات الاقتصادية المتعلقة بالتخطيط والإنتاج والتوزيع والاسعار.

4-هدف الانتاج: هدف الإنتاج في النظام الاشتراكي تلبية الحاجات المادية والروحية للمجتمع، ولا يهدف لتحقيق الربح. ويختلف جذريا عن الانتاج الرأسمالي الذي يعتبر الربح هدفه الأول والأخير ويسعى لتحقيق أقصى ما يمكن من الأرباح. ويحقق الانتاج الاشتراكي غرضه في توفير الاحتياجات الإنسانية من خلال تدخل الدولة الاشتراكية في التخطيط والاشراف على الانتاج والتوزيع العادل بدلاً من قانون فائض القيمة وآليات العرض والطلب التي تحكم النظام الرأسمالي.

5- قانون التوزيع: يتم توزيع الخيرات المادية التي ينتجها المجتمع الاشتراكي بحسب كمية العمل المبذول ونوعيته، فالذي ينتج بعمله أكثر يحصل على دخل أكثر من الذي ينتج بعمله اقل. أي أن مبدأ التوزيع يجري بحسب كمية ونوعية العمل الذي ينجزه الفرد. وإن الإخلال في تطبيق قانون التوزيع يؤدي إلى الإخلال بمبدأ العدالة، فيكسب البعض أكثر مما ينتج ويحصل البعض الآخر على أقل مما ينتج. فالتوزيع العادل للثروة لا يمكن التلاعب به. ويتم تنسيق الإنتاج والتوزيع بشكل واعٍ من خلال التخطيط المركزي بدلاً من آليات السوق الرأسمالية، مما يوفر امكانية لاستخدام الموارد بكفاءة عالية.          

ونستنتج من ذلك أن من جملة الأسباب التي تدعو الشيوعيين إلى تحويل الملكية الخاصة إلى ملكية عامة، فإن الملكية العامة لوسائل الانتاج تشكل قاعدة المجتمع الاشتراكي وتقضي على التناقضات التناحر بين الطبقة البرجوازية والبروليتارية وتؤدي إلى تحويل البروليتارية والشغيلة من بائعة لقوة عملها إلى مالكة لوسائل الانتاج وتُنهي استغلال الانسان للاستغلال. وخلافاَ للملكية الخاصة لوسائل الانتاج التي تقسيم المجتمع إلى طبقات متصارعة، فان الملكية العامة توحد المجتمع من خلال وحدة المصالح والأهداف والمنفعة العامة. ويصبح العمل متاحاَ لكل فرد ويكون واجباً ومصدراً لتامين الحياة المعيشية.  والملكية العامة تحرر الطبقة العاملة وسائر الكادحين من عبودية العمل والاغتراب عن عملهم ومنتجاتهم.