اخر الاخبار

 

1. أن المشهد الذي عبرت عنه انتخابات عام 2025 يؤشر تدني نسبة المصوتين، مع أن الجهات المختصة حاولت أن تزوق ذلك المشهد بإعطاء نسبة تجاوزت النصف، بينما حقيقة الأمر أن تلك النسبة لا تمثل النسبة من عموم من لهم الحق في التصويت، وانما من الذين حدثوا بطاقاتهم الانتخابية، مما أدى إلى حجب الكثير ومنع من له الحق في التصويت، مما جعلها لا تمثل عموم الذين لهم حق التصويت،

فضلاً عن ذلك أنها اهملت أصوات العراقيين في الخارج ومنعتهم من ممارسة حقهم الدستوري، وأغلب هؤلاء يمثلون تيارا فكريا مختلفا عن الذي تظهر به الأحزاب والتيارات المهيمنة على المشهد السياسي في العراق، ومن نتائج تدني نسبة المشاركين هو إبعاد العشرات عن المشهد الانتخابي من المرشحين المستقلين او الذين يمثلون تيارات واحزابا مستقلة، ولمسنا ذلك في النتائج المعلنة رسمياً، إلا أن الأهم من ذلك هو معرفة السبب التقني الذي أدى إلى هذه النتيجة، وأرى انها تتمثل في آليات العلمية الانتخابية، وبيئتها السائدة وادواتها الفنية والقانونية، ومن أهمها التشريع الذي ينضم تلك العملية.

2. إن قانون الانتخابات النافذ رقم 4 لسنة 2023، كان ردة فعل عكسية تجاه التشريع السابق رقم 9 لسنة 2020 والذي يعد من أهم ثمار الاحتجاجات الغاضبة التي قام بها الشعب وقدم لها التضحيات الجسام والتي أطلقت عليها عدة تسميات منها ثورة تشرين واحتجاجات تشرين وغيرها، وهذا القانون كان أمل الجماهير في تغيير منظومة العمل التشريعي، الذي يعد أساس لكل تغيير في واقعانا المزري، لكن بعد ذلك ألغاه مجلس النواب، وخلال هذه الفترة تم امتصاص الغضبة الجماهيرية ومن ثم تمرير ما كان يحفظ للجهات المنتفعة مصالحها، لذلك فان هذا القانون لم يكن بمستوى الطموح وقد أشرتُ إلى ذلك في اكثر من مناسبة، ومن أهم الملاحظات التي لم تكن ترضي طموح الجماهير هو فتح باب الترشح لمن كان ملوثاً بشبهة الفساد أو مداناً بجرائم الفساد، ولهؤلاء النفوذ والوجاهة المالية التي تسخر لهم، مما يقلل من فرص التكافؤ مع المرشح المستقل، ومن النتائج التي ترتبت على ذلك الآتي:

3. إن مجلس النواب قد فتح الباب على مصراعيه إلى الفاسدين بعد اصدار القانون رقم (2) لسنة 2025 قانون تعديل قانو العفو العام رقم 27 لسنة 2016 حيث شمل جميع مرتكبي جرائم الإضرار بالمال العام وهي جوهر جرائم الفساد المالي، وفعلا انتفع هؤلاء الفاسدون من هذا القانون ومنحهم فرصة الترشح للانتخابات، والقانون أحياناً يشكل خطرا على المجتمع اذا ما وظف باعتباره وسيلة للإغواء والاستعباد، لصالح الطبقة التي تتحكم بأمور البلاد وأطلق عليها (الاوليغارشية) ويقول الفيلسوف الكندي بجارن ملكفيك (Bjarne Melkevik) وهو أستاذ في كلية الحقوق بجامعة لافال في مقاطعة كيبيك الكندية حاصل على درجة الدكتوراه في القانون من جامعة باريس الثانية في إحدى دراساته في فلسفة القانون، بأن القانون يشكل خطرا على المجتمع اذا ما وظف باعتباره وسيلة للإغواء والاستعباد، ان هذه القوانين تصبح ببساطة (لحن السعادة للأغبياء) وعلى وفق ما ذكره في دراسته الموسومة (تقديم: واقعية نقدية: القانون أمامنا) التي نشرت في كتابه الموسوم (نصوص فلسفية قانونية معاصرة، ترجمة الدكتور جورج سعد، منشورات مكتبة الحلبي الحقوقية طبعة عام 2022، ص11)

ويرى ملكفيك أن الخطر الأول على القانون هو خطر خارجي ويتمثل في قطع القانون عن جذوره ويضع بين قوسين عبارة (الشعب) فهو يقصد ان القانون الذي يصدر بعيد عن إرادة الشعب فهو خطر على المجتمع لأنه مقطوع عن جذوره، ولا يمثل مصالحه، فيؤدي إلى حصول النزاع والفوضى أحيانا وضياع الحقوق في اغلب الحالات،

ثم يضيف في ذات الصفحة أعلاه ان الخطر الثاني هو الاجتهاد في التطبيق عندما لا يكون مطابقاً لحاجة المجتمع، او يكون في تمييز بين شخص وآخر، من جراء سعة النص وقابليته على التفسير المتعدد الأوجه والتأويل الذي ينعطف به في مهاوي الخطر، فيؤدي إلى إفساد القانون، ويقول إن الشواهد التاريخية والمعاصرة في معظم الدول وحتى المتقدمة في مجال حقوق الانسان والديمقراطية، حصلت فيها حالات إفساد للعدالة وتشويه للمحاكمة العادلة، بسبب هذين الخطرين. ويقول (ملكفيك) بأن خطورتهما تؤدي إلى مساوئ كثيرة وقد وصفها بعبارة وضعها بين قوسين وعلى وفق النص الآتي ("اختطاف العدالة" من اجل استخدامها لأهداف ايديولوجية خاصة بأوليغارشية اليسار او اليمين) وعلى وفق ما ورد في الصفحة (10) من الكتاب أعلاه،

4. إذا وضعنا قانون العفو تحت مشرط التشريح الفلسفي للقانون سنجد أنه يمثل الخطر على الحقوق وليس وسيلة الحماية لها، فقد مثل الخطر بعينه عندما أتاح قانون العفو العام الفرصة للفاسدين وسراق المال العام من الإفلات من العقاب، وعدم تحقيق الغاية من تشريعه في إنصاف من يستحقون الإنصاف، مما دعا الإدارة القضائية إلى تكثيف المعالجة لتدارك النقص والانحراف في التشريع قدر الإمكان مع انها لم تتمكن من معالجة أوضاع الفاسدين لأن النص القانوني وكأنه كان مصمم لحمايتهم.

كما ان القانون لم يكن بمستوى طموح الجماهير التي خرجت ضد الفساد، ولم يكن بمستوى التضحيات التي قدمها الشعب من شهداء وجرحى بعضهم ما زال يرزح تحت شدة الألم أو لأنه أصيب بعوق دائم، والانتخابات الأخيرة التي جرت ظل هذا القانون لم تغير من الواقع السياسي القائم حتى وان تمكن بعض المستقلين من الوصول إلى قبة البرلمان فانهم أقلية غير مؤثرة تجاه جموح الجهات المنتفعة من طاقات البلد وموارده الغنية.

ومن خلال ما تقدم فان أهمية المشاركة الانتخابية تكمن في أهمية شعور الناخب بمدى تأثير صوته الانتخابي في العملية الانتخابية، وكلما كان لصوت الناخب في العملية الانتخابية تأثير قوي كلما أكد هذا التأثير على أن الديمقراطية تسير على نهج صحيح، لكن في ظل البيئة الانتخابية الحالية لا يمكن للناخب اني يثق بمخرجاتها وهذا أدى إلى العزوف، وهو رفض سلمي للعملية الانتخابية، وأسبابه معروفة، من أهمها هو اليأس لدى المواطن من تغيير القوى التقليدية التي تتولى الإدارة والقيادة في جميع المفاصل مع أن بعض الوجوه قد تتغير لكنها تبقى غير ذات أثر، وانما مسيرة من زعامات محدودة العدد تتحكم بالمشهد السياسي بعيدا عن تطلعات الشعب، فاصبح ذلك سبباً من أسباب العزوف،

ــــــــــــ

* قاضٍ متقاعد