بعد التدخل في شؤون بنما وكولومبيا، تأتي فنزويلا على جدول حروب ترامب، وهي واحدة من دول العالم المغضوب عليها أمريكيًا، ويشتد الآن الصراع بين الدولتين. تحاول الولايات المتحدة التواجد قرب مياهها الإقليمية وفوق فضاءاتها السيادية ضمن حصار معلن بحجة مكافحة المخدرات، لكنه ما يلبث أن يهدد السلام في أمريكا اللاتينية. وقد بلغ عدد جنودها في الكاريبي اليوم عشرة آلاف جندي، إضافة إلى أكبر حاملة طائرات وعدد من سفن خدماتها. وفي قاعدة لها في الكاريبي، يجتمع رئيس هيئة الأركان بضباطه استعدادًا لعمل ما، وما يُسرب أمريكيًا إلى الإعلام أنه غزو لتغيير النظام.
فنزويلا، رسميًا تسمى جمهورية فنزويلا البوليفارية، تقع في الساحل الشمالي لأمريكا الجنوبية، وهي، كما تشير الاستكشافات الجيولوجية، تمتلك أكبر احتياطي نفطي في العالم، يبلغ 303 مليارات برميل حسب إدارة الطاقة الأمريكية. تبلغ مساحتها 916.5 ألف كيلومتر مربع، وعدد سكانها نحو 30 مليون نسمة، وتعد أكثر بلدان أمريكا اللاتينية تحضرًا. عاصمتها كاراكاس، واللغة الرسمية هي الإسبانية.
اتبعت فنزويلا النظام الرئاسي، وهي تتكون من 23 ولاية. وحسب إحصاء عام 2024، يبلغ الناتج المحلي فيها 222.5 مليار دولار، ويشكل التصدير الزراعي نسبة 16 بالمئة من الناتج القومي. وهي دولة زراعية بامتياز، تنتج الأرز والسكر والقهوة والأسماك ولحم البقر المجمد ولحم الخنزير، وأجود أنواع الفواكه. برغم كونها دولة نفطية، إلا أن نسبة الفقر فيها تبلغ 67 بالمئة.
منذ عهد الرئيس الأمريكي مونرو، لم تفارق عيون الولايات المتحدة دول أمريكا الجنوبية، عملًا بمبدأ مونرو: "لا للاستعمار الأوروبي في قارة أمريكا الجنوبية". ومنذ الأزمة الكوبية، تملك الولايات المتحدة جيوشًا وأساطيل تتنقل أمام سواحل تلك القارة، إضافة إلى القواعد العسكرية الدائمة في بعض دولها. واليوم تحاصر الأساطيل الأمريكية فنزويلا، وقامت الأخيرة بإجراء مناورات عسكرية برية وبحرية استعدادًا لمواجهة الولايات المتحدة. وقد رصدت الحكومة الأمريكية مكافأة بقيمة 50 مليون دولار لمن يأتي بمعلومات عن مكان تواجد الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو.
الأسباب:
أولًا: ترى الولايات المتحدة أن كلًا من الرئيس الراحل هوجو تشافيز والرئيس الحالي نيكولاس مادورو رؤساء يساريون اشتراكيون، وتتهم الأخير بالتورط في المخدرات.
ثانيًا: الأطماع الأمريكية بثروات فنزويلا، وفي المقدمة النفط والغاز، وحاجة شركات الفواكه والخضر الأمريكية للمنتجات الزراعية الفنزويلية الضخمة.
ثالثًا: العلاقات الصينية الفنزويلية. ترى الولايات المتحدة أن الرئيس الحالي قام بتعبيد طريق الصين نحو الداخل الأمريكي اللاتيني، وأن 85 بالمئة من النفط الفنزويلي يذهب إلى الصين، وأن الاستثمارات الصينية تتوسع بشكل مخيف، وقوات صينية تدرب قوات فنزويلا على الحروب الحديثة، كما تمدها بالأسلحة الحديثة.
رابعًا: العلاقات الروسية الفنزويلية. يتم التعاون بين روسيا وفنزويلا في مجالات متعددة على أساس وضعهما المشترك كمصدرين نفطين مهمين عالميًا، ووجود سياسة موحدة تجاه الولايات المتحدة. وقد نمت هذه السياسة بعد نشوب الحرب في أوكرانيا، وتعد فنزويلا أهم حليف تجاري وعسكري لروسيا في أمريكا اللاتينية، وتعترف روسيا بنيكولاس مادورو رئيسًا لفنزويلا بدلاً من خوان غوايدو الذي تسعى الولايات المتحدة لتنصيبه.
خامسًا: العلاقات الكوبية الفنزويلية. منذ حكم الرئيس الفنزويلي السابق تشافيز، تتنامى العلاقات الكوبية الفنزويلية سيما أن عدوهما المشترك واحد، وأن البلدين تربطهما أسس أيديولوجية تكافلية، والشعبان شقيقان، والتعاون التجاري والعلمي قائم بينهما، وهو مسار يقلق الولايات المتحدة.
أوعز الرئيس ترمب لقواته بضرب سفينة صغيرة بحجة نقلها للمخدرات، ولم تحدد الجهة المتوجهة إليها تلك السفينة التجارية. ولكن على ما يبدو، أن حربًا ما تُعد ضد فنزويلا. وتشير وكالات الأنباء إلى أن الـC.I.A كُلّفت بالبحث عن وسائل لإسقاط نظام نيكولاس مادورو، ورصدت واشنطن 50 مليون دولار لمن يتخلص من الرئيس مادورو. وترابط اليوم قرب سواحل فنزويلا عشر سفن حربية أمريكية ومدمرات صاروخية موجهة، وقوارب رصد وإنذار، إضافة إلى الطيران المسير التجسسي.
وتقوم الولايات المتحدة بتحريض المعارضة مستغلة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تضرب هذه الدولة النفطية العملاقة منذ العام 2010 في عهد الرئيس السابق تشافيز. السبب الحقيقي وراء هذا الوقف هو الولايات المتحدة نتيجة حصارها لهذه الدولة بحجة انتماء زعاماتها لليسار اللاتيني. ومنذ قيام العلاقة بين الرئيس الراحل وبوليفيا، تصدت الولايات المتحدة لفنزويلا، وقد وقف إلى جانب فنزويلا كل من إيران وتركيا وسوريا سابقًا ودول أخرى لها علاقات سيئة مع الولايات المتحدة.
ويرى الرئيس ترمب أن تغيير النظام في فنزويلا سيحد من نمو اليسار في القارة، والذي بات اليوم عاملًا مشجعًا لليسار في الداخل الأمريكي، وأن وضع العراقيل أمام الهجرة، وغلق الأبواب مع المكسيك، وأسقاط نظام مادورو كلها عوامل استقرار للولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية.