منذ ان رفع أبناء ثورة تشرين العظيمة شعار “نريد وطن” في ساحات التظاهر، ارتعبت أحزاب السلطة وارتجفت عروشهم الواهية. فرغم بساطة ذلك الشعار، إلا أنه كان أقوى من جيوشهم وأسلحتهم وإعلامهم المأجور، لأن الصرخة بذلك الشعار المدوي، لمس الجرح العميق في وجدان العراقيين الغيارى دون سواهم أكيدا، وهو: غياب الوطن الذي لم يكن كما يجب.
قدم أبناء تشرين أرواحهم قرابين لوطن نهب فيه كل شيء، صدورهم العارية واجهت الرصاص الحي، ودماؤهم سالت في الشوارع لتكتب تاريخيا جديدا لمرحلة في بلاد وادي الرافدين. ومع ذلك، لم ترتدع أحزاب الفساد، بل زادت وقاحة وهي تحاول بكل ما أوتيت من دناءة وخسة ان تشوه صورة هذه الثورة بشتى الوسائل وفي مقدمة تلك الوسائل "الفتاوى الشرعية" التي أباحت دماء وأرواح أبناء الثورة!
اتهموا الثوار بالعمالة للخارج، بينما هم غارقون حتى آذانهم في أحضان السفارات. وصفوا تشرين بالتخريب، بينما هم أكبر المخربين الذين دمروا الدولة ومزقوا مؤسساتها وباعوا ثرواتها. حاولوا أن يصوروا أن التظاهرات تريد اسقاط الدولة، وكأن الدولة قائمة أصلا في ظل سطوتهم، وكأن ميليشياتهم ومصالحهم الضيقة هي الدولة!
الحقيقة أن تشرين كشفت المستور، وأخرجت قذارتهم للعلن. كشفت أنهم لا يخافون من السلاح بقدر خوفهم من وعي الشعب، ولا يخشون الهتافات بقدر خشيتهم من صحوة وطنية صادقة لا تخضع لابتزازاتهم. تشرين وضعتهم أمام مرآة الحقيقة: بلا شرعية، بلا مشروع، بلا وطنية.
إن أبواق التشويه لن تغير شيئا بالمرة. والتاريخ سيسجل أن شبابا خرجوا بصدورهم العارية يطالبون بحقوقهم، بينما أحزاب السلطة ردت بالقتل والخطف والرصاص. سيسجل أن تشرين ثورة شعب، وأن خصومها مجرد عصابات لاهثة وراء المال والكرسي.
تشرين ليست ذكرى عابرة، بل لعنة تلاحق كل فاسد، وكابوس يؤرق كل قاتل، وفضيحة تلاحق كل من تلطخت يداه بدماء الابرياء. والدماء التي أريقت لن تسقط بالتقادم، ولن يغسلها اي تبرير او خطاب مسموم. تشرين لن تمحى، لأنها باتت جزءا مهما من تاريخ العراق الحديث؛ والذي قسم بحسب المواقف إلى قسمين: قسم صنع مجدا وقدم دماء من أجل الوطن، وقسم آخر خان وسرق وقتل وسيبقى ملعونا إلى الأبد.
ولذلك، فان المسؤولية اليوم تقع على أبناء العراق الغيارى وعلى وجه الخصوص الشباب منهم، سواء كانوا من تشرين ام لم يكونوا لأي سبب وجيه كان، بأن يعيدوا للثورة روحها، ويحيوا شعاراتها، ويثبتوا ان الوطن لن يختطف إلى الأبد.
إن الزمن يتغير، لكن المعركة مع الفاسدين مستمرة، ولا سبيل أمام العراقيين الا التمسك بروح تشرين، فهي الطريق الوحيد لبناء وطن يستحق ان نحيا فيه بكرامة.
فلنحي تشرين، لا كذكرى، بل كفعل مستمر.. كصرخة لا تهدأ.. كطريق وحيد.. نحو وطن حر وشعب موحد سعيد.