اخر الاخبار

يعيش الكتّاب المستقلون في العراق – من صحفيين وأدباء ونقاد الفن وفنانين يعملون ضمن الحقل الإعلامي – أزمة حقيقية داخل المشهد الصحفي والإعلامي. في المؤسسات الصحفية والتلفزيونية، سواء الحزبية أو المرتبطة بمصالح ضيقة، تتعمد تجاهل أصواتهم وتركهم خارج المعادلة، وكأن استقلاليتهم تهمة تمنعهم من الظهور أو المشاركة. بدلاً من أن يكون الإعلام مساحة للنقاش العام، تحوّل إلى أداة في يد القوى السياسية، تُفتح أبوابه لمن يردد خطابها، بينما يُقصى المستقلون مهما كانت خبرتهم أو قيمة ما يكتبونه. إلى جانب هذا التهميش، هناك مشكلة قانونية تضاعف من عزل المستقلين. فقد ألزمت المؤسسات بعدم التعاون مع غير المنتسبين إلى نقابة الصحفيين، وهو ما يعني أن من لا يحمل عضويتها لا يُعترف به قانونياً كصحفي. لكن شروط الانتساب نفسها معقدة ومقيدة، تبدأ من الشهادات والضمان الاجتماعي وصولاً إلى الرسوم والتدريب، ما يترك آلاف الصحفيين خارج دائرة الاعتراف الرسمي رغم سنوات من الممارسة الفعلية. الأمر لا يتوقف عند الإقصاء الإداري، بل يمتد إلى البعد السياسي. الكاتب غير الحزبي يُعتبر عنصراً غير مرغوب فيه، أما إذا كان محسوباً على اليسار العلماني فالوضع أشد قسوة، إذ يُنظر إليه كصوت مزعج يستحق الحصار والتجاهل. في العراق، حيث الإعلام محكوم إلى حد بعيد بالهيمنة الحزبية، أصبح هذا الإقصاء سلوكاً ممنهجاً يؤدي إلى غياب التعددية الحقيقية. المستقلون أيضاً يفتقدون الحماية القانونية أثناء العمل الميداني، ولا يملكون الحق في التصاريح أو الضمانات، بل يواجهون خطر الملاحقة. بل إن القانون الحالي يفرض عقوبات بالحبس والغرامة على من يعمل في المهنة دون عضوية النقابة، حتى لو كان معد برامج أو مراسلاً دولياً أو صانع محتوى رقمياً. أمام هذا الواقع، تبرز الحاجة إلى حلول عملية. من أهمها تأسيس جمعية خاصة بالكتّاب المستقلين، تكون إطاراً تنظيمياً يدافع عن حقوقهم ويوفر منصات بديلة للتعبير. كما أن على الجميع أن يدرك أن الوحدة المهنية بين الكتّاب ليست ترفاً، بل شرطاً للبقاء. فالتنسيق والعمل المشترك هو الذي يمنح المستقلين القدرة على فرض وجودهم وصناعة فضاء إعلامي أكثر عدلاً وتوازناً. إن الدفاع عن الكتّاب المستقلين ليس مجرد مطلب فئوي، بل هو دفاع عن حرية الكلمة وعن المجتمع بأسره.