تميزت انتخابات عمدة مدينة نيويورك بسعة المشاركة في التصويت. لقد أدلى 735 ألف بأصواتهم قبل يوم الانتخابات، وهو رقم قياسي. وعند إغلاق صناديق الاقتراع مساء الثلاثاء الفائت، كان أكثر من مليونين قد صوتوا، وهو عدد يفوق أي انتخابات بلدية أخرى شهدتها مدينة نيويورك في العقود الأخيرة.
فاز زهران ممداني، الذي ركزت وسائل الإعلام على أنه مسلم ومهاجر، ولم تركز أغلبها على هويته اليسارية، وأنه أحد أعضاء منظمة "الاشتراكيون الديمقراطيون الأمريكان" اليسارية، بحصوله على أكثر من 50 في المائة من الأصوات، فيما حصل منافسه الأشد ضراوة، أندرو كومو من الجناح اليميني للحزب الديمقراطي، والحاكم السابق لنيويورك، على قرابة 42 في المائة، ومني المرشح الجمهوري، كورتيس سليوا بهزيمة كبيرة بحصوله على 7 في المائة فقط. ومن المثير ان دونالد ترامب، وإيلون ماسك قد دعما كومو، الذي هزمه ممداني في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي.
الأولوية لاحتياجات الناس الأساسية
جاء انتصار اليساري ممداني في أكبر مدينة في الولايات المتحدة، تهيمن عليها حركة ترامب "لنجعل أمريكا عظيمة مجددًا"، لتمثل لحظة فرح استثنائي، وقد احتفل أنصاره اليسار بحماس، وخصوصا في الدائرة التي يمثلها ممداني حاليًا في برلمان المدينة. وهتف الحضور: "إنها ليست لحظة، بل حركة "، متعهدين بمواصلة دعمه في أداء مهامه.
لقد لعب برنامج ممداني الانتخابي دورا محوريا في تحقيق الانتصار: خفض تكاليف المعيشة بواسطة تحديد سقف أعلى للإيجارات، وتوفير النقل ورعاية الأطفال مجانا، وتوفير متاجر بأسعار معقولة في المدينة، ورفع الحد الأدنى للأجور، وزيادة الضرائب على الأثرياء والشركات، عاكسا بذلك حاجات الأغلبية. ولاقى وعده بجعل المدينة "محصنة ضد ترامب" تجاوبا كبيرًا من العديد من المهاجرين، والمجموعات السكانية الأخرى التي هاجمها ترامب. وحظيت معارضته لحرب إبادة الشعب الفلسطيني بدعم واسع، بما في ذلك من العديد من اليهود المعارضين لدولة الفصل العنصري الصهيونية. وكان من العوامل الحاسمة في فوز ممداني أيضًا دعم رفيقاته ورفاقه في منظمة "الاشتراكيون الديمقراطيون الأمريكان"، الذين طرقوا، خلال حملة تطوعية 1,6 مليون باب دعما لمرشحهم.
وتجاوزت أهمية الانتصار حدود نيويورك. لقد دعمت الشخصيات اليسارية الأبرز في الحزب الديمقراطي مثل بيرني ساندرز، السيناتورة إليزابيث وارن، وألكسندريا أوكاسيو كورتيز، أبرز عضوة يسارية في الكونغرس، بالإضافة إلى العديد من الفنانين البارزين والنقابات العمالية والمنظمات اليسارية الاخرى.
نضال من أجل الأولويات داخل الحزب الديمقراطي
لقد رأى أبرز ممثلو الجناح اليميني السائد في الحزب الديمقراطي، مثل زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ تشاك شومر وزعيم الأقلية في مجلس النواب حكيم جيفريز، وهما من مدينة نيويورك، في فوز المرشح اليساري خطرا مقبل، فتردد جيفريز طويلًا قبل أن يدعو بفتور إلى انتخاب ممداني، ولم يستطع شومر تأييده حتى النهاية. ورغم أن قلة من الديمقراطيين أيدوا كومو علنًا، بدا أن الكثيرين يأملون سرًا أن الحاكم السابق، الذي يترشح الآن كمرشح مستقل، قد يكون قادرًا على هزيمة ممداني هذه المرة.
يزيد فوز ممداني الآن الضغطَ على المؤسسة الحزبية القديمة بشكلٍ واضح. ويبين الصراع الدائر حول الموقف منه مدى حدة الصراع الداخلي بشأن توجه الحزب الديمقراطي في انتخابات التجديد النصفي خلال العام المقبل.
يدعو الجناح اليساري إلى قطيعة واضحة مع سياسات الليبرالية الجديدة. وتقول دراسة حديثة دعمها مكتب مؤسسة روزا لوكسمبورغ الألمانية في نيويورك، أن مصطلح "الاشتراكية الديمقراطية" والمرشحين الذين يُعرّفون أنفسهم كاشتراكيين يحظون بدعم قوي بين ناخبي الحزب الديمقراطي.
وعلى الرغم من ذلك، يواجه ممداني تحديات هائلة. لقد أعلن ترامب عن خطط لخفض التمويل الفيدرالي للمدينة. ويخشى العديد من سكان نيويورك أيضًا من أن البيت الأبيض سيرسل قريبًا قوات الحرس الوطني إلى المدينة. في الوقت نفسه، يرد الكثيرون بشجاعة، قالت يسارية شابة: "مهلاً، نحن سكان نيويورك. إنه لا يخيفنا".
ولتمويل برنامجه، يحتاج ممداني دعم حاكمة ولاية نيويورك، كاثي هوشول. ورغم تأييد هذه الحاكمة الديمقراطية انتخابه، رفضت دعوته لزيادة الضرائب على الأثرياء. وسيكون من المثير للاهتمام أيضًا، كيف ستتعامل منظمة "الاشتراكيون الديمقراطيون الأمريكان" معه بعد ان يتولى مهام منصبه في كانون الثاني المقبل.