كان عمر الحكومة الجديدة، التي انتظرها الفرنسيون شهرًا كاملًا ولم يُعلن عن تشكيلها إلا مساء الأحد الفائت، أقل من 24 ساعة. وهو رقم قياسي لأقصر مدة في السلطة. في عام 1950 مارست إحدى الحكومات الفرنسية مهام عملها ليومين فقط.
وفي خطاب تلفزيوني قصير، أوضح رئيس الوزراء المستقيل ليكورنو أن فشله يعود إلى عجز قطاعات واسعة من الأحزاب الحاكمة والمعارضة اليمينية عن معالجة أكثر مشاكل البلاد إلحاحًا بشكل مشترك بما يخدم مصالح الشعب الفرنسي بأكمله. وقال ليكورنو: "لا تزال الأحزاب السياسية تتبنى موقفًا كما لو كانت جميعها تتمتع بأغلبية مطلقة في الجمعية الوطنية". وأضاف: "في الواقع، وجدت نفسي في موقف كنت فيه مستعدًا لتقديم تنازلات، لكن كل حزب سياسي أراد من الآخر تبني برنامجه بالكامل".
خيارات الرئيس
وفي هذه الأثناء يحاول ماكرون بذل آخر الجهود قوى الوسط، من حزب الجمهوريين اليميني المحافظ، والحزب الاشتراكي، والأحزاب الليبرالية اقتصاديًا، لتشكيل حكومة أقلية قادرة، إلى حد ما، على العمل. قبل ماكرون استقالة ليكورنو في البداية، لكنه بعد ساعات قليلة استعان بصديقه السابق لمساعدته على الخروج من المأزق. ومع ذلك، بدت الخلافات بين كتلة ماكرون، والاشتراكيين، واليمين المحافظ عصية على الحل. وبالمقابل دعا أتباعه القدامى، مثل رئيس الوزراء عام 2017، إدوارد فيليب، إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة يوم الثلاثاء. منذ كانون الأول 2023، دفع اربعة رؤساء وزراء من معسكر ماكرون السياسي ثمن إصراره على حرمان تحالف اليسار الفائز بالانتخابات المبكرة من تشكيل الحكومة، ومنذ ذلك الحين تعيش فرنسا أزمة سياسية مفتعلة قد تقود إلى نهاية عهد الرئيس الفرنسي.
وأمام ماكرون ثلاثة خيارات أساسية: تعيين رئيس وزراء رابع خلال عام، أو الدعوة إلى انتخابات برلمانية جديدة، أو الاستقالة. وبما أن الخيارين الأخيرين سيوصلان حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف إلى السلطة، فإن السيناريو الأكثر ترجيحًا هو أن يسعى الرئيس مجددًا إلى رئيس وزراء لتمرير ميزانية التقشف لعام ٢٠٢٦ في الجمعية الوطنية.
المطالبة بانتخابات مبكرة
كان رد فعل الرأي العام، الثلاثاء الفائت، على الفصل الأخير من المهزلة السياسية، مناسبًا: فقد دعت وسائل الإعلام في البلاد بالإجماع تقريبًا إلى إجراء انتخابات مبكرة جديدة و/أو استقالة الرئيس، الذي تُحمّله مسؤولية الجمود السياسي. لقد بلغت أزمة الدولة الفرنسية، الأحد الفائت، ذروتها المؤقتة. حتى أن غابرييل أتال، الذي فشل في الاستقالة من منصبه كرئيس للوزراء في أوائل عام 2024، وصف، مساء الاثنين الفائت، قرارات رئيس الجمهورية بـ "غير مفهومة على الإطلاق".
هناك اتفاق نطاق واسع بأن ماكرون هو من أشعل فتيل الفوضى بحل الجمعية الوطنية في حزيران 2024. فبدلاً من تعيين مرشح من تحالف اليسار "الجبهة الشعبية الجديدة"، الذي فاز في الانتخابات المبكرة، رشّح السياسي المسن ميشيل بارنييه، ممثل حزب الجمهوريين اليميني المحافظ. وكان الجمهوريون، الذين تقلصت نسبة قوتهم التصويتية إلى 7,4 في المائة فقط، المجموعة السياسية الوحيدة التي لم تنضم إلى "الجبهة الجمهورية" متعددة الأحزاب - والتي ساعدت ماكرون على الفوز على مارين لوبان في انتخابات 2022.
ويبدو أن الجناح الأكثر يمينية في الحزب الجمهوري منفتحًا تمامًا على حزب التجمع القومي اليميني المتطرف بزعامة مارين لوبان. ومن الخطأ الرهان على "إفلاسهم"، فلوبان تنتظر فقط فرصةً للاستيلاء على السلطة. ويمكن لماكرون استباق ذلك بمنح أغلبية يسار الوسط فرصةً لتشكيل حكومة.
فرنسا الأبية تريد عزل الرئيس
أراد جان لوك ميلانشون وحركته "فرنسا الأبية" استغلال الفرصة لعزل ماكرون في البرلمان بعد ظهر يوم الاثنين وحشد الأغلبية اللازمة. ولن يكون هذا مستحيلاً، ولكنه في الواقع لن يتحقق إلا من خلال التعاون مع اليمين المتطرف. وتُعدّ الإطاحة بالرئيس مهما كلف الأمر من أهم أولويات حزب "فرنسا الأبية".
وما زال ميلانشون يُلقي باللوم على قرار ماكرون قبل عام بعدم تعيين سياسي يساري لتشكيل حكومة، رغم أن تحالفًا من القوى اليسارية حقق أفضل نتيجة انتخابية. وبدلاً من ذلك، دخل الرئيس في تحالف مصالح مع اليمين المحافظ.
وفقًا لنتائج استطلاع رأي نشرته صحيفة "لوفيغارو" الاثنين، يعارض 46 في المائة من الناخبين اليمين المتطرف. في الوقت نفسه، يرفض 58 في المائة منهم حركة "فرنسا الأبية.