اخر الاخبار

لا جدال في ان تضحيات المواطنين ودماء شهدائهم في انتفاضة تشرين خصوصا، هي من فرض اجراء الانتخابات المبكرة، لتشكل منعطفا جديا نحو التغيير. ولقد افرزت تلك الانتخابات حقائق جديدة أضافتها الى الواقع العراقي .

فلقد أظهرت نتائجها عدم الثقة بالمنظومة الحاكمة وعزلت اصحاب القرار فيها. وجاء البرلمان الحالي منمثلا لاقل من ٢٠ في المائة ممن يحق لهم الانتخاب.

ورغم هذا لجأت قوى المحاصصة إلى المماطلة والتعطيل، واستقتلت في الدفاع عن مصالحها ، واطلقت عليها عناوين وأسماء متنوعة، منها تمثيل هذا المكون او ذاك، إلاّ أن بنات وأبناء المكونات التي يدعون تمثيلها وسبق ان جربوها، فكانت الغالبية ترفضهم وترفض منهجم .

ويشي السلوك العملي لهؤلاء المتنفذين بانهم ما زالوا بعيدين عن ادراك ماهية الرسالة التي وجهتها اكثرية العراقيين، وعن استيعاب الدرس الواضح القائل ان منظومتهم الحاكمة باتت غير مقبولة وآن لها ان ترحل.

والغريب انه بعد جلسة البرلمان السبت الماضي اخذت البعض نشوة الانتصار، وكأنه حقق امرا عظيما، فيما الواقع يقول ان عدم اكتمال النصاب لانتخاب رئيس الجمهورية والمضي قدما لاستكمال الاستحقاقات الأخرى، لا يعد في الواقع الا مظهرا من مظاهر أزمة المنظومة الحاكمة ذاتها وقواها المتنفذة، واحتدام الصراع ما بين أطرافها.

 فالتدافع والصراعات الجارية والمصاحبة لعملية انتخاب رئيس الجمهورية وتكليف رئيس وزراء جديد ما هو إلا محاولة مستميتة للالتفاف على ما أفرزته الانتخابات، ولتكريس نهج المحاصصة  المرفوض شعبيا.

ونحن نتساءل مع عموم شعبنا، لمصلحة من هذا الذي يجري؟ وأين هموم الناس ومعاناتهم ومصالحهم من هذه الصراعات؟

إن مصلحة الوطن والمواطن المكتوي بنار غلاء الأسعار والأزمات ،  تتطلب الإسراع في استكمال الاستحقاقات الدستورية، وتشكيل الحكومة الجديدة بمواصفات وسياقات تختلف عن سابقاتها، وبعيدا عن نهج المحاصصة، وعلى أساس مشروع سياسي وبرنامج حكومي ملموسين، بتوقيتات زمنية تستجيب للأهداف والمطالب الشعبية  التي عبرت عنها انتفاضة تشرين الباسلة والحراك المطلبي والجماهيري ، لتحدث انعطافا في مسار نهج الحكم والعملية السياسية ، على طريق الاصلاحات العميقة والتغيير. ومن دون ذلك ستظل عناصر الأزمة قائمة ومرشحة للتفاقم .

إن ما حصل في ٢٦آذار يزيد قلق المواطنين ويوسع من هوة عدم الثقة بينهم وبين المتنفذين ومؤسساتهم .

والامر الآخر المثير هو عدم اكتراث عديد من النواب، وعدم وضوح مواقف البعض منهم، وادخالها في حسابات غير حسابات المواطنين وحاجات البلد الملحة .

إن  القوى الساعية الى التغيير، من أحزاب وقوى مدنية ديمقراطية وأحزاب ونواب وجماعات سياسية منبثقة من رحم انتفاضة تشرين والحراكات الاحتجاجية، مدعوة الى مزيد من التعاون والتنسيق لتوحيد عملها داخل البرلمان وخارجه، كي تؤثر في  مسار الأحداث بالاتجاهات إلتي تخدم عملية التغيير الشامل المنشودة. 

وليس لأحد ان يفرح، فما حصل هو مضيعة للوقت والجهد والمال العام ، واستخفاف بالاستحقاقات الدستورية وتجاوز عليها. وهو أيضا إضافة مرّة الى كاس السخط والغضب والاستياء الشعبي .

ومن المؤكد ان الجماهير المكتوية بنار الأزمات تعرف، بحكم تجربتها ومعرفتها سلوك ومقاصد المتنفذين المصرّين على مواصلة خطاياهم ، كيف ترد على هذا الاستهتار ومحاولة الضحك على الذقون، ودفع أوضاع البلد نحو الاحتمالات الأسوأ.