اخر الاخبار

يشكل قضاء الطارمية الذي قدر له في عهدنا هذا مثل سابقاته ان يكون الأكثر اهمالا، برغم أنه احد اقدم الوحدات الإدارية في تاريخ العراق قبل قرن بالتمام والكمال، حيث كان يطلق عليها بالسنجق وهو بالمفهوم العثماني ذو مركز اعلى من الناحية بالمفهوم الإداري في ايامنا حاليا.  ومعنى الطارمية مستل من الطغارمية نسبة الى الطغار الذي كان احد معايير الاوزان في خمسينات القرن الماضي، وما قبلها، ويعدل طنين في المعايير الحالية. بمعنى اخر ان زراعة طغار واحد تنتج مائة طغار، نتيجة لخصوبة ارض هذه المنطقة ووفرة مياهها، وتكيّف ذلك الى مفهوم الطغارمية ليتطور لغويا الى طارمية، فاين مكان هذا القضاء من اهتمامات محافظة بغداد بعد الاحتلال الأمريكي في عام 2003؟

كانت ناحية الطارمية قبل ان يرتقي مركزها الإداري الى مستوى قضاء في سبعينات القرن الماضي، تابعا الى محافظة بغداد، ثم ارتبطت بمحافظة صلاح الدين التي كانت قضاءً تابعا الى بغداد ورقيت الى محافظة، وبسبب من ضغط أهالي القضاء اعيد ارتباطه بمحافظة بغداد في نهاية ثمانينات القرن الماضي. وكل هذه التحولات كانت مرتبطة بالتشريعات  التي سنها النظام السابق والمتعلقة بما اسماه عملية تنظيم السكن في محافظة بغداد والحد من كثافة سكانها، والتي انفلت عقالها الى حد كبير، خلال فترة الحصار الجائر الذي تهشمت خلاله ليس فقط التشريعات، لكن الحياة المعيشية   والخدماتية للعراقيين باستثناء ازلام السلطة وقتذاك والمقربين منها.

الطارمية بعد عام 2003

بعد الاحتلال الأمريكي في عام 2003 تعرضت الحياة العراقية بكل تفاصيلها الى تحولات دراماتيكية بعيدة عن التوقعات  وكما ان تحضيراتها الفكرية والسياسية كانت سابقة لسقوط النظام بسبب التدابير التي اتخذها النظام الذي كان متيقنا انه ذاهب الى الزوال، ولتداخل الأسباب بين حسابات النظام وحسابات الامريكان صمموها لمنطقة الشرق الأوسط، فبوادر هذه التحولات تمثلت بدخول القاعدة الى هذه المنطقة وغيرها من مناطق ما سمي لاحقا بشمال بغداد، واستطاعت هذه المنظومة الإرهابية ـ بالتنسيق مع بقايا منظمات حزب البعث ـ فرض افكارها وتكتيكاتها على المنطقة، وبسبب من نزعات سياسية طائفية التف القسم الكبير من الأهالي مع هذه المنظومة الإرهابية تحت مسمى المقاومة الجهادية  للأمريكان، ومن جراء ذلك غابت السلطة المركزية باستثناء وحدات الجيش الأمريكي التي تتنقل في مركز هذا القضاء والقرى التابعة له، واضفت عليها طابع العسكرة. ومع تزايد الصراع الطائفي في مركز العاصمة تشكلت نواتات الحرب الطائفية المسلحة وصولا الى الحرب الطائفية الفاشية التي اعد لها زعماء الأحزاب الطائفية خلال سنتي 2006 و2007. 

نتائج ظالمة

هذه الأوضاع بطابعها الطائفي تبعتها هجمة إرهابية أخرى تمثلت بدخول الدواعش الى قضاء الطارمية، ما حرمها من الاستقرار الأمني، وأضاف اليها نوعا جديدا من الإرهاب الذي راح نتيجة وحشيته السادية المئات من الضحايا الشباب  والرجال والنساء والسلطة المركزية في اشد حالات ضعفها بالرغم من زج وحدات عسكرية وفصائل من الحشد وكلاهما غريب عن حقائق المجتمع في هذا القضاء المتعب وحاجاته الأساسية، بخاصة بعد ان ازداد سكانها بشكل ملحوظ بعد الاحداث الطائفية المريرة، واتساع الهجرة اليها بسبب تلك الحوادث الأليمة مما كان ينظر الى أهالي المنطقة بمنظار الكراهية، تمثلت بأساليب من التشدد الغريبة عن التعاملات القانونية المصحوبة باجتهادات فردية نتج عنها تراجع في دور أهالي القضاء في النشاط الاقتصادي خاصة وان المنطقة معروفة منذ عشرات السنين بوصفها واحدة من افضل الوحدات الإدارية في انتاج الحبوب بأنواعها، والتي تجهز السوق العراقية بأنواع الخضار، والفواكه من تمور وحمضيات واعناب تسهم ـ بشكل ملموس ـ في سد حاجة السوق العراقية .

خدمات منقوصة

بعد استتباب الامن في العاصمة ومشاركة أهالي المنطقة في العملية السياسية على الأسس المعروفة، سواء في الحكومة والبرلمان، اتجهت القوى المشاركة في هاتين المؤسستين، مما تعرف بممثلي الطائفة السنية لصناعة قاعدة اجتماعية انتخابية موالية لها وزبائنية داعمة لها في الأنشطة الانتخابية، كثرت الوعود لإقناع أهالي المنطقة بتقديم الحماية الأمنية من خطر الإرهاب، وتشغيل شبابها وتحسين أوضاعها المعيشية والاقتصادية، وتوفير الخدمات وخاصة الخدمات الصحية، فأنشأت مستشفىً في مركز القضاء، يكافح منتسبوه من أطباء وممرضين في تقديم الخدمات الصحية والعلاجية بالرغم النواقص التي لم توفرها وزارة الصحة، واسرف نوابها في البرلمان بوعودهم في تقديم الخدمات وخاصة المجاري، وتكفلت محافظة بغداد بإنجاز هذا المشروع. وبالفعل بدأت بواكيرها في العمل في منطقة (الهورة) في العام 2011، وزادت امال الناس لكنها (يافرحة الماتمت) إذ توقف المشروع وسيق المقاولون الى السجن بتهم الفساد. كان ذلك في عام 2014 حيث حلت الازمة المالية، وعجزت الحكومة المحلية عن توفير الأموال المخصصة للمشروع، وهنا تبرز اكثر من علامة استفهام: فاين ذهبت الأموال المخصصة في الموازنة لهذا المشروع؟ أين دور وزارة التخطيط المعنية بمتابعة انجاز المشاريع الاستثمارية؟

خدمات تحت الانشاء ولكن..!

تحضيرا للانتخابات البرلمانية في عام 2021 عادت وعود مرشحين مجلس النواب للظهور مرة أخرى مثل كل مناطق العراق، فتحركت دواليب السبيس ورفعت اللافتات مرة أخرى، واعيد الى الواجهة مشروع المجاري وتبليط شوارع مركز القضاء، وها قد مرت سنتان على المشروع (لكن لا تكول سمسم حتى تلهم) فحتى هذه اللحظة كانت شوارع القضاء مغطاة بالأتربة والطرق المتعثرة، ما اضافت وحشة واحباطا على اجوائها، ولا احد من أهالي المنطقة يعرف متى ينتهي هذا المشروع اليتيم، وعند الاطلاع على تصريحات محافظ بغداد بشان المشروعات التي ستنهض بها المحافظة بعد إقرار الموازنة لم نجد إشارة الى هذا المشروع، مدرجا في تصريحات السيد المحافظ!

 إنّ الثقة بأية حكومة أو برلمان والتفاف الناس حولهما، ترتبط بمصداقيتهما في تقديم ما ينفع الناس بدون تزويق او متاهة، فهل ستلتفت الحكومة الحالية لتحسين حياة اهالي هذا القضاء المنسي؟

عرض مقالات: