اخر الاخبار

تمر اليوم الذكرى التاسعة لواحدة من اكبر المآسي الإنسانية التي عاشها العراق في العصر الحديث، بعد اقدام عناصر تنظيم داعش الارهابي على جريمة مروعة بإبادة جماعية للازيديين، ما خلف الآلاف من الضحايا والمختطفين.

فلم تظهر الحكومات المتعاقبة التزامًا حقيقيًا في معالجة ملف الايزيديين بشكل شامل وفاعل، واعادة الثقة لهم وتعمير مدينتهم التي دمرها الارهاب. وفي ظل كل هذا اصبح المواطن الايزيدي امام خيارين: معاناة في مخيمات النزوح، أو الهجرة.

ويفضّل الكثير من الايزيديين الهجرة الى خارج البلاد، حيث وصلت أعدادهم إلى اكثر من 120 ألفاً في خارج العراق.

ارقام مخيفة

وبعد تسعة أعوام على الجريمة، تشير الاحصائيات الى ان هناك 6417 مختطفا، من بينهم 2769 امرأة وطفلا في عداد المفقودين، بينما ما زال مصير أكثر من 3000 ايزيدية وايزيدي مجهولا، وقد قتل حوالي 3000 - 5000 مواطن بطرق بشعة.

واستعبد 354 امرأة وفتاة ايزيدية جنسياً، بينما خلفت عمليات القتل أكثر من 2745 ايزيديا أصبحوا أيتاما نتيجة الإبادة، وتدمير 68 موقعا ثقافيا للأقليات الدينية في العراق، كما نزح حوالي360 ألف ايزيدي، بينما لا يزال حوالي 200 ألف ايزيدي يسكن في خيام النزوح حتى هذه اللحظة، اضافة الى تشويه سنجار ومناطقها التي كانت تضم 560 ألف ايزيدي، ودمرت معابدهم الدينية.

مطالب عديدة

في هذه المناسبة، اصدر مركز لالش الثقافي والاجتماعي بيانا، وردت لـ”طريق الشعب”، نسخة منه، جاء فيه ان “ما يؤسف له هو ان جراحات تلك الابادة وتداعياتها لا تزال تنزف دما، فهموم النزوح واوجاع الهجرة وعدم تطبيع الاوضاع في شنكال تثقل كاهل الفرد الايزيدي وتعيقه من المشاركة الايجابية مع باقي المكونات العراقية والكردستانية في بناء الوطن وتطوير المجتمع”.

واكد البيان ضرورة “ايجاد العلاج الجذري لجراحاتنا وخلق بيئة آمنة ومستقرة ينعم فيها الايزيديون الی جانب باقي الاديان والقوميات بحياة حرة كريمة، ونحن في مركز لالش الثقافي والاجتماعي، نری ان تنفيذ المطاليب المشروعة التالية سيكون جزءا اساسيا من العلاج المذكور إن لم يكن الكل، وذلك من خلال، انضمام العراق الی الدول الموقعة علی ميثاق روما لتسهيل اجراءات المحكمة الجنائية الدولية بحسم ملف ابادة الايزيديين، وقيام الحكومة الاتحادية وبالتعاون مع حكومة اقليم كردستان والمجتمع الدولي بتطبيع الاوضاع في سنجار واعادة اعمارها، بعيدا عن كل الصراعات السياسية والمظاهر المسلحة والتدخلات الاقليمية”. اضافة الى “تحويل المدينة الى محافظة بحدودها الادارية الحالية، مضافا اليها ناحية كرعزير (القحطانية)، وتشريع قانون يجرم تكفير اي ديانة او معتقد او مذهب او شعب ويعاقب الداعي اليه بأشد العقوبات وٲقساها، وكذلك الحال بالنسبة لخطاب الكراهية الموجه لتمزيق النسيج المجتمعي”.

وطالب البيان بـ”زيادة الميزانية المخصصة لصندوق اعمار المنطقة ودعوة المجتمع الدولي للمساهمة فيه بهدف اعادة اعمارها في كافة المجالات، مع الاسراع بتنفيذ جميع فقرات وبنود قانون الناجيات الايزيديات والمكونات الاخری، والتي تشمل البحث عن المختطفات والمختطفين الذين ما زالوا مجهولي المصير، وكذلك حسم ملف المقابر الجماعية وتأمين حياة حرة كريمة لذوي الضحايا”.

كما اشار الى اهمية “مشاركة المكون الايزيدي في ادارة جميع مفاصل الدولة في الحكومة الفدرالية وحكومة اقليم كردستان، ووفقا لمبادئ العدالة الاجتماعية، وتعاون الحكومة الفدرالية والمنظمات الدولية الخيرية مع حكومة اقليم كردستان، في تقديم الخدمات الضرورية وتوفير جميع مستلزمات العيش الكريم للنازحين، لحين الانتهاء من ملف النزوح والعودة الطوعية الی مناطقهم الاصلية”.

المحاصصة والفساد

في هذا الشأن، قال عضو المفوضية العليا لحقوق الانسان سابقاً د. علي البياتي، ان ما جرى للازيديين هو نتيجة للفساد والمحاصصة وسوء الادارة وعدم قيام الدولة بواجباتها تجاه مواطنيها، مشيرا الى ان “الارهاب أراد استهداف اضعف المكونات لكي يرسل رسالة رعب وتخويف لكل المجتمعات في العالم. ولو كانت هناك دولة مؤسسات تحمي المواطن لما وقعت هذه الجرائم.

وأضاف قائلاً انه بعد تسع سنوات “من وقوع هذه الجرائم وتحرير هذه المناطق لا تزال الاجراءات جزئية، ولا ترقى الى مستوى هذه الجرائم على صعيد رد الفعل الوطني من قبل الدولة وكذلك رد الفعل الدولي”، مبينا ان “المقابر الجماعية للايزيديين لم تفتح بالكامل، والايزيديون ما زالوا يسكنون المخيمات”.

وبيّن في سياق حديثه مع “طريق الشعب”، ان “العدالة الانتقالية لم تتحقق حتى الآن، وربما الإيجابية الوحيدة كانت تشريع قانون تعويض الناجيات الأيزيديات، لكن العدالة لا تكون فقط بالتعويض المادي. نعم، جبر الضرر مطلوب، لكنه ليس كافياً بحد ذاته”.

 واكد البياتي ان “الاساس يبقى هو ايجاد ضمانات لعدم عودة الارهاب وتكرار المجازر مرة اخرى، وحماية المواطن العراقي الايزيدي وصون كرامته وحقوقه وعدم السماح بإهانته، وانهاء خطاب الكراهية ضد الايزيديين المستمر حتى هذا اليوم”.

وخلص الى ان الملف الايزيدي “فيه اكثر من جانب بحاجة الى التفات المعنيين، ابتداء من الضمانات التي تردع وتمنع تكرار هذه الجرائم، التي هي تحصيل حاصل لخلل موجود في ارض الواقع، وهذا الخلل يتمثل بالفساد الاداري والمالي وسوء ادارة المؤسسات، والذي لا يزال موجودا، اضافة للملف الامني الضعيف والعديد من الجوانب الاخرى التي يجب معالجتها، لكي يعود الايزيديون الى مناطقهم، ويكونون بمأمن عن استهدافهم، وسط خطابات الكراهية ضدهم”.

فشل حكومي

من جانبه، تساءل الصحفي الايزيدي ميسر اداني عمّا تغير بعد مرور 9 سنوات على هذه الإبادة بحق الايزيديين.

وتابع قائلا، انه “بكل صراحة وأسف لم يتغير شيء في واقع الايزيديين، بل يتجه الى الاسوأ يوما بعد آخر، وما زال هناك ايزيديون مختطفون لدى داعش، وما زالت سنجار مدمرة والصراعات السياسية مستمرة على سنجار وبقية مناطق الايزيديين”، مبينا ان “نزيف الهجرة ما زال مستمرا حيث بلغ عدد الايزيديين المهاجرين اكثر من 120 الفاً”.

وقال في سياق حديثه لـ”طريق الشعب”، انه نتيجة لذلك “فقد الايزيديون ثقتهم بالحكومة ومن حولهم؛ ففي 2014 خسرنا الالاف من الارواح، اضافة لما تعرض له الايزيديون من ظلم واضطهاد وتمييز”، مؤكداً ان “عملية اعادة الثقة ليست سهلة فحتى الان على سبيل المثال لم يتم تطبيع الاوضاع في سنجار، وعدم تنفيذ اي محور من محاور الاتفاقية بين اقليم كردستان وبغداد”.

ولفت اداني الى ان “الحكومة العراقية فشلت في التعاطي مع ملف الايزيديين بهذا الشكل، وبالتالي فانها خسرت مكوناً مهماً في العراق”.

وأكد ان غالبية الايزيديين ـ كبارا وصغارا ـ يتساءلون في ظل المعاناة المستمرة: “هل سنهرب مرة اخرى؟ هل سنجبر على توديع سنجار ومغادرة العراق؟”.

تقليص دورنا

من جهته، قال الاعلامي الايزيدي ذياب غانم انه “لا مكان لنا في العراق في ظل وجود سياسات خاطئة من قبل الحكومة العراقية؛ فالحكومة تحمينا او تحترمنا او تلتفت لوجودنا”.

واضاف في حديث مع “طريق الشعب”، ان “حكومتي بغداد واقليم كردستان تتحملان مسؤولية كبيرة عما يعانيه أهالي سنجار، وما يحيطهم من تهديدات أمنية”.

ولفت غانم إلى ان حكومتي بغداد والإقليم “تعملان لصالح القوى المتنفذة، ولا تهتمان للمكونات؛ فمن فشل في انتشال مئات الايزيديين من المقابر الجماعية لتسع سنوات، سيفشل حتما في تعويضهم”.

كهف مرعب

الى ذلك، قال الناشط الايزيدي شاكر دورة، انه بعد تسع سنوات على إبادة الأيزيديين، هناك خطوات مهمة دولياً للاعتراف بما حدث لنا.

وأضاف، أن “أوضاع النازحين في إقليم كردستان مزرٍ. لا توجد خدمات صحية، ولا ليس هناك دعم لهم، انما أجبر جميعهم على خرق القانون والعمل خارج المخيم، كون النازح لا يسمح له بالعمل وانما يتم تمويله من قبل الدولة”، لافتا الى ان “الصراعات على سنجار مستمرة وتدخل الأحزاب والقوى الدولية والإقليمية جعلت من سنجار كهفا مرعبا”.

واشار الى ان “لم يتم رفع رفات الشهداء في المقابر الجماعية حيث تجاوز عدد المقابر الجماعية 80 مقبرة”. وزاد بالقول ان “الجرائم ضد الأيزيديين لم تزل مستمرة، وذلك بإهمالهم وإبقائهم في مخيمات متهرئة لمدة تسع سنوات، من دون أن توفر الأمن والخدمات لسنجار”.

وخلص الى ان المطلوب حالياً هو “إعادة الأمن والخدمات الى سنجار وتعويض الأيزيديين، وبناء الثقة التي تهدمت، اضافة لتشكيل محكمة دولية لمعاقبة عناصر داعش في السجون العراقية وبعض الدول الاخرى، علاوة على تشكيل فريق للبحث عن المختطفات الأيزيديات”.

عرض مقالات: