اخر الاخبار

برغم مرور عقدين على التغيير والتحرر من سطوة النظام الدكتاتوري السابق، لا يزال المحتجون العراقيون والناشطون من اصحاب الرأي والمدافعون عن حقوق الانسان والصحفيون، يواجهون مصاعب ثقيلة، تتجسد بقمع الاحتجاجات وشيطنة المحتجين والتحريض عليهم بمختلف الطرق والوسائل المتاحة للقوى المتنفذة التي تأبى ان تستمع لهم او تنظر بجدية لجذور واسباب هذه الاحتجاجات.

قبل ايام غصّت مواقع التواصل الاجتماعي بحملة اطلقها ناشطون يطالبون بإغلاق احدى القنوات الفضائية التي حرضت على منتفضي تشرين، في احد برامجها.

ويؤكد مدشنو الحملة، أن هذه القناة وغيرها العشرات متورطة ببث خطاب الكراهية والتحريض بشكل مستمر دون الخوف من أي رادع قانوني.

غياب الرادع القانوني

يقول رئيس جمعية المواطنة لحقوق الانسان محمد السلامي، ان: الاحتجاجات الشعبية في العراق والمتواصلة منذ العام 2011 وحتى ذروتها في تشرين 2019 لم تتفجر من فراغ، وانما هي تراكم احتجاجي على كيفية ادارة الدولة سياسيا واقتصاديا.

ويضيف السلامي، ان هذا الاحتجاج كان له اشكال مختلفة وعديدة، وقد بلغت ذروتها في تشرين 2019، وما قابلها من رد عنيف دبرته السلطة وزبانيتها عبر القنابل المسيلة للدموع والرصاص الحي وغيرهما من الوسائل القمعية، بما يدلل على ان قوى السلطة لا تريد ان يكون هنالك صوت يطالب بتغيير منهجية او سياسة الحكم في البلاد.

ويلفت في سياق حديثه مع “طريق الشعب” الى ان هذا القمع ادى الى “احتجاج اخر اضافي وهو المطالبة بالكشف عن نتائج التحقيق بالعنف المفرط بحق منتفضي تشرين، والذي مارسته سلطات حكومية، الى قوى أخرى مساندة للحكومة ولكنها غير حكومية، وحتى الان لم يتم الكشف عن الحقائق الكاملة في هذا الملف.

ويذكر السلامي، انه “تم تشكيل لجنة تحقيقية لتقصي الحقائق ومعرفة كيفية سقوط الضحايا والأسباب التي أدت الى ذلك والمتسببين بهذا الأمر، في زمن حكومة رئيس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي، وهذه اللجنة أكدت سقوط أكثر من 500 شهيد، وبالنسبة للجرحى لم تكن هناك إحصاءات دقيقة، ولكن تحدثوا عن الآلاف، وقد تعهد رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، في حينها بالكشف عن المعلومات، ولم يفعل”.

ويردف بالقول: “على ما يبدو ان هناك قوى داخل الدولة ـ الدولة العميقة ـ لا تريد الكشف عن هذه الحقائق”، مشيرا الى انه صدر قانون “يتعلق بتعويض الضحايا من الشهداء والجرحى، وتم تسفير بعض الجرحى للعلاج الى المانيا، ولكن تم الامر بحدود ضيقة، بينما الادارات المسؤولة عن التعويضات لم تكن حسنة النية، وكانت هنالك عراقيل وتعقيدات”.

وينوه الى ان “استمرار عمليات الخطف والاغتيال والافلات من العقاب وتهديد الناشطين، هو نتيجة عدم وجود رادع حقيقي، فعلى سبيل المثال حتى الان لم تتم محاكمة قاتل هشام الهاشمي ويتم تأجيل محاكمته في كل مرة، لان الدولة العميقة لا تريد محاسبة المتسببين بهذه الجنايات بحق الاحتجاجات السلمية”.

ويخلص رئيس جمعية المواطنة لحقوق الانسان الى القول: ان “الاحتجاجات الجماهيرية مستمرة ولن تتوقف، لان الناس لم تلمس معالجات حقيقية لسوء الاوضاع العامة”.

أسلوب لا تجيد غيره

ويعتقد المدافع عن حقوق الانسان، الناشط اثير الدباس، ان قمع الاحتجاجات الشعبية سببه ان القوى المتنفذة في السلطة، لا تعرف سوى هذا الاسلوب للرد على المحتجين، فالكثير من الخطوات التي يتم اتخاذها اليوم سواء كانت صادرة عن السلطة التنفيذية ام التشريعية، لا تصب في صالح الناس، او تعالج الأزمات التي يعيشها المواطنون بشكل جدي، وانما هي ترقيعات نتيجة غياب الحلول الواقعية.

ويقول الدباس في حديث مع “طريق الشعب”، ان “القوى المتنفذة لا تؤمن بالديمقراطية والرأي الاخر، ولا تعرف التعامل مع الاحتجاجات بطريقة اخرى غير القمع الوحشي والاعتداء على المحتجين دون النظر بجدية الى اسباب احتجاجهم ومطالبهم”، مؤكدا ان “من المعيب والمخجل ان نتحدث عن مثل هذه القضايا بعد مرور عقدين على التغيير، ونحن في العام 2023 حيث ان النظم الديمقراطية تطورت ولا تزال تتطور باستمرار في مختلف بلدان العالم، بينما نحن لا نزال ندور في المربع الاول دون تقدم”.

ويضيف الدباس، ان استمرار هذه المشاهد وتكررها المأساوي مع أي حراك احتجاجي “ليس مستغرباً او ضربا من الخيال، وانما هو واقع حقيقي نعيشه مع قوى متنفذة سيطرت وهيمنت على مقدرات البلاد ولن تتخلى عنها بسهولة”، منبها الى أن “هذا يؤدي بنا الى نتيجة حتمية هي ان لا حل سوى التغيير الشامل لهذه القوى التي لا تحترم الديمقراطية وتطبيقاتها”.

ويبين الدباس ان “القوى المتنفذة لا تعرف عن الديمقراطية سوى الانتخابات، وتلتف على ارادة الشعب بتشريع قانون انتخابات على مقاساتها وبما يضمن هيمنتها ونفوذها في السلطة، لان هذه القوى تعرف جيداً ان تخليها عن السلطة يعني فضح جميع ممارساتها الدموية في العنف والاضطهاد وغيرها”.

ويجد الناشط ان “التسويف وعدم كشف الحقائق يثبت ان القوى المتنفذة في السلطة لها اليد العليا ومتورطة بقمع منتفضي تشرين”.

ويشدد على “ضرورة أن تتوحد القوى المدنية في ما بينها، ورص الصفوف، كما نؤكد على ضرورة ان يكون هناك اصطفاف مدني واسع من اجل التصدي للقوى المتنفذة”، مضيفا انه “بخلاف ذلك لا يمكن الحديث عن حلول”.

ويخلص الى القول: ان استمرار الاحتجاجات الجماهيرية المطالبة بالتغيير، دليل دامغ على ان طموح التغيير لا يزال قائما، وان هذا العنف لم ولن يخيف هذا الشعب الذي قاسى المعاناة والمآسي طيلة السنوات الماضية، ويأبى إلا العيش حرا كريما موحدا.

عرض مقالات: