اخر الاخبار

يستعد مجلس النواب، يوم غدٍ الأربعاء، لإجراء قراءة أولى لمشروع قانون موازنة 2023، التي تصفها الحكومة بأنها “الأكبر في تاريخ العراق”، لكنها بحسب اقتصاديين لا تختلف عن سابقاتها سوى بالأرقام التخمينية “غير المدروسة” التي تفرز عجزا حقيقيا لا تخمينيا، ستضطر الحكومة معه إلى تعميق مديونيتها.

ويطالب الاقتصاديون بتعديل سعر النفط في الموازنة، لأن بقاءه على الـ70 دولارا، يجعل العجز التخميني حقيقيا، وبالتالي فان عملية تعويضه ستكون مرهقة على الحكومة، التي ضاعفت إنفاقها التشغيلي عما كان عليه في العام 2021. 

وكان مجلس الوزراء، قد وافق في 13 آذار الماضي، على مشروع قانون الموازنة للسنوات 2023 و2024 و2025 وأحاله إلى مجلس النواب.

وتعدّ موازنة 2023 الأكبر في تاريخ العراق ما بعد 2003.

وقال رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، إن إجماليها يبلغ أكثر من 197 تريليون دينار (135 مليار دولار)، منها موازنة تشغيلية تبلغ أكثر من 150 تريليون دينار، واستثمارية تصل إلى نحو 47 تريلوناً، وتقارب نسبة العجز المقدَّرة 63 تريليون دينار عراقي، ومجموع الإيرادات المنتظَرة يعادل أكثر من 134 تريليون دينار، بينما تقدر الإيرادات النفطية بـ117 تريليون دينار على أساس سعر نفط يبلغ 70 دولاراً، بينما غير النفطية تصل إلى 17 تريليوناً.

سعر النفط التخميني.. خطأ

ويطالب الخبير النفطي حمزة الجواهري بـ”تعديل فوري” للسعر التخميني لبيع برميل النفط في الموازنة العامة، محذرا من أن ذلك “يضع العراق في مأزق كبير؛ فالسعر المحدد هو 70 دولارا للبرميل، والسعر الحقيقي يقترب من هذا الرقم، بينما نحن نبيع بعض أنواع النفط العراقي باقل من الأسعار العالمية، وبالتالي اذا انخفض تحت هذا الرقم ـ كما حدث قبل أيام ـ فإن عجزا كبيرا ستفرزه الموازنة التي لم تقر حتى الآن”.

ويقول الجواهري لـ”طريق الشعب”: “أننا الآن في مواجهة بين دول أوبك+، وبين أمريكا التي تضخ كميات إضافية كبيرة من النفط الى الأسواق، والتي بلغت مليون برميل خلال الأشهر الستة الماضية، ثم زادت الى مليون ونصف المليون من اجل خفض الاسعار، مدعية انه لصالح مواطنيها، لكنها في الواقع تحاول حماية دول اوروبا التي تدفع فواتير عالية لصالح أوكرانيا في حربها ضد روسيا”.

ويضيف الجواهري، “نحن غير معنيين بحرب اوكرانيا، بل يعنينا اقتصاد بلداننا، وبالتالي فإن من غير المنطقي أن تلجأ اوبك+ الى تخفيض طوعي بمجرد تراجع امريكا عن ضخ الكميات الكبيرة من خزينها الاستراتيجي الذي انخفض الى مستوى اقل من المستوى الذي كان عليه قبل 38 سنة”، مشددا على “ضرورة عودة اوبك+ الى الانتاج الطبيعي”.

ويذكر ان لجنة المراقبة الوزارية المشتركة لتحالف “أوبك+” أعلنت عن خفض طوعي اضافي لإنتاج النفط بواقع 1.66 مليون برميل يوميا كإجراء احترازي يهدف إلى دعم استقرار أسواق البترول.

وبحسب المعطيات التي يؤشرها الجواهري فان العراق “لن يكون قادرا على تغطية عجز الموازنة”، مقترحا “تخفيض السعر الافتراضي الى 45 أو 50 دولارا للبرميل”.

ويؤشر الخبير النفطي تخصيص أموال كبيرة “لأمور غير ضرورية”، الى جانب “التعيينات العشوائية للناس وبأعداد كبيرة جداً”، بينما الموازنة لا تتحمل مزيدا من العبء.

ويخشى الجواهري أن يصل الحال بالعراق الى عدم قدرة إيرادات النفط على تسديد رواتب الموظفين.

كيف يموّل العجز؟

ويقول الخبير الاقتصادي د. نبيل المرسومي، ان موازنة 2023 هي الاكبر في تاريخ العراق، وهي كذلك من ناحية العجز ايضا، الذي يقدر بأكثر من 63 تريليون دينار.

وينبه المرسومي الى أن “المشكلة ليست في حجم العجز وانما أيضا بطريقة تمويله”.

ويبين المرسومي لـ”طريق الشعب”، بالقول: ان “ثلث العجز تقريبا (23 تريليون دينار) يتم تمويله من خلال الفائض النقدي المتحقق عام 2022، لكن (40 تريليون دينار) تتم تغطيتها من خلال الاقتراض الداخلي والخارجي، وهذا ما يعمق المديونية على العراق، الذي يقدر حجم ديونه الداخلية والخارجية بحدود 100 تريليون دينار، وربما سترتفع الى (140 تريليون دينار)”، معتبرا ذلك “مأزقا كبيرا في الموازنة”. ويشير المرسومي وهو استاذ الاقتصاد في جامعة المعقل بالبصرة، الى ان “الموازنة فضفاضة واكبر من قدرات العراق المالية والاقتصادية”، مؤشرا ملاحظة اخرى تتعلق بكبر حجم النفقات التشغيلية التي تقدر بـ 150 تريليون دينار، وهي اكبر بنسبة 50 في المائة عن النفقات التشغيلية في موازنة عام 2021.

إيرادات لا تسد الانفاق

ويذكر المتحدث ان “الايرادات العامة قدرت في موازنة 2023 بـ(134 تريليون دينار)، ومعنى هذا أنها لا تكفي لسد الانفاق التشغيلي، وبالتالي فان العجز التقديري في الموازنة سوف يتحول الى عجز حقيقي، ليزيد الاقتصاد العراقي ارهاقا”.

ويصف المرسومي مشروع الموازنة للعام 2023 بأنه “توزيعي، أيْ توزيع العائدات النفطية على اكبر قدر ممكن من الناس لكسب رضاهم”، مشيرا الى ان ذلك يعني أن تأثيرها في الاقتصاد العراقي والنمو الاقتصادي سوف يكون ضعيفا جداً، بسبب ضآلة حجم المخصص للإنفاق الاستثماري”.

ولا يعول على “صندوق التنمية” الذي اعلنت عنه الحكومة، لأن حجمه سيكون 1 تريليون دينار، هو بالتأكيد رقم متواضع جداً، وغير قادر على تبني مجموعة مناسبة من المشاريع. هذه الموازنة لا تختلف عن الموازنات السابقة، عدا أرقامها الفلكية التي تشكل قنابل موقوتة، قد تنفجر في أي وقت”.

مؤشرات على موازنة 2023

وكانت عضو مجلس النواب السابقة ماجدة التميمي، كشفت تفاصيل مشروع قانون الموازنة الاتحادية، مشيرة الى “تأخر ارسال مشروع القانون من الحكومة الى مجلس النواب في حين انه قد نصت المادة (11) من قانون الادارة المالية رقم (6) لسنة (2019) (يتولى مجلس الوزراء مناقشة مشروع قانون الموازنة العامة الاتحادية واقراره وتقديمه الى مجلس النواب قبل منتصف شهر تشرين الاول من كل سنة)، لكنه قد تم ارسال مشروع القانون أعلاه الى مجلس النواب بتاريخ 16\3\2023، مما يعني تأخر ارسال المشروع لمدة خمسة أشهر عن التاريخ المحدد وفق القانون”.

وأبدت التميمي في بيان لها، استغرابها من “استلام اللجنة المالية للمشروع في الاول من شهر نيسان بشكل رسمي من رئاسة البرلمان. هذه سابقة خطيرة لم تحصل خلال الدورات السابقة، واذا ما أضفنا اليه مدة شهر ونصف للمناقشات في اللجنة المالية والمجلس، مما يعني ان الموازنة ستكون نافذة مع بداية شهر حزيران بعد مصادقة رئاسة الجمهورية عليها ونشرها في الجريدة الرسمية”.

وتنبه التميمي الى ضرورة “ارفاق تقارير مهمة، فضلا عن الجداول وتقرير البيان المالي المرسل مع مشروع قنون الموازنة، لاكتمال الصورة لدى أعضاء مجلس النواب، والذي من شأنه ان ينعكس ايجابيا على اداء المجلس اثناء قيام اعضاء اللجنة المالية واللجان المساندة الاخرى بإجراء التعديلات على مشروع القانون، لتكون المخرجات دقيقة ومستندة الى معلومات كافية”.

الحكومة تطالب البرلمان بحسمها

ودعت الحكومة في وقت سابق، رئاسة البرلمان إلى حسم قانون الموازنة العامة.

وقال المتحدث باسم الحكومة، باسم العوادي ان “مشروع قانون الموازنة العامة الاتحادية، اشتمل على مشاريع خدمية واستثمارية وغيرها”، داعيا النوّاب ورئاسة مجلس النوّاب والقوى السياسية إلى “تكثيف جهودهم لحسمها”.

واضاف المتحدث باسم الحكومة ان رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، مستعد “للحضور إلى مجلس النوّاب، والإجابة عن كل التفاصيل والاستفسارات التي يقدمها السادة أعضاء مجلس النواب بخصوص مشروع الموازنة”.  وأكد أن “هناك ملفات مهمة وقضايا أساسية مازالت تتوقف على الموازنة، منها استكمال مشاريع الكهرباء، ومعالجات شحّ المياه، وإعادة المفسوخة عقودهم، فضلاً عن توفير الآلاف من فرص العمل من خلال المشاريع التنموية الجديدة”.  وقال العوادي أن الموازنة “وضعت معالجات لسد العجز وآليات الصرف بشكل رصين ومحكم”. يشار إلى أن رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، قرر منح نفسه إجازة لمدة 15 يوماً تبدأ اعتباراً من يوم الثالث من شهر نيسان الجاري، فيما خوّل نائبه الأول بإدارة جلسات المجلس.

عرض مقالات: