مشهد مأساوي يلخّص صورة مخيمات النازحين شمال العراق، كانت أبطاله الثلوج والأمطار التي ضربت البلاد ولا تزال متواصلة؛ حيث غصّت مواقع التواصل الاجتماعي بالصور والفيديوهات التي تعرض معاناة النازحين في ظل أجواء بالغة القسوة، وسط انعدام مستلزمات التدفئة والعيش الكريم في خيامهم المتهالكة.
وما زاد الكارثة الإنسانية مأساةً، هو أن الحكومة أعلنت في وقت سابق، إغلاق مخيمات شمالي البلاد، وتحديدا مخيم سردشت في حضن جبل سنجار، في محافظة نينوى، بينما لا يزال قاطنوه قابعين في أماكنهم، التي لم يزرها أحد ولم تصلها إغاثة منذ الإعلان المضلل.
وتسببت الثلوج في قطع الطرقات ودفن العديد من الخيام تحت الثلوج التي وصل ارتفاعها إلى 40سم.
وتذكر مصادر مطلعة، أن 700 عائلة من الإيزيديين محاصرة بمحافظة نينوى بسبب الثلوج، وسط نقص بالمواد الغذائية.
ويقاسي النازحون في مخيم سردشت البرد القارس، ونقصا حادا في المؤن، خاصة الوقود والأغطية الشتوية.
وطيلة 3 أيام تعرضت مناطق في شمال العراق الى عاصفة ثلجية، تسببت بقطع الطرق وسجلت درجات الحرارة 17 تحت الصفر، بينما لا تقدر خيم النازحين على الصمود أمام درجة حرارة 4 تحت الصفر.
قبل أن يُعلن حلها في العام الماضي 2021، وكانت مفوضية حقوق الانسان تسلط الضوء على هذه المعاناة، وتنظم مؤتمرات صحفية، وتنشر بيانات واستغاثات ونداءات، تدفع المنظمات الدولية الى تقديم المساعدات. لكن الاخيرة اوقفت تلك المساعدات، منذ ان اعلنت وزارة الهجرة والمهجرين، استعدادها لإغلاق ملف النزوح بالكامل نهاية العام المنصرم.
4 تحت الصفر
هناك في مخيم بيرسفي ـ الذي يقع على الحدود العراقية التركية ـ يبدو المشهد معقدا: الخيام كأنها كتل ثلجية كبيرة الحجم؛ ومن داخل إحداها، يقول النازح ذياب غانم لـ”طريق الشعب”: إن “الحكومة بدأت توزيع الوقود بعد أن وصلت درجة الحرارة الى 4 تحت الصفر. التوزيع حصل بعد فوات الاوان”.
وطبقا لغانم، تتسبب موجة البرد “بأمراض مختلفة لدى الاطفال وكبار السن. هنا في المخيم توجد خيمة طبابة لا تقدم سوى علاجات اولية”. بينما تحول المخيم الى “بؤرة للفايروسات والبكتيريا”، بحسب وصف غانم.
“سردشت” بلا مساعدات
ويقول الناشط في سنجار طلال عبدالله، ان “موجة الثلوج التي اجتاحت العراق كان نصيب النازحين من معاناتها الحصة الكبرى، بخاصة في مخيم سردشت”.
ويؤكد عبدالله أن “ساكني هذا المخيم لا تشملهم أية مساعدات، ولا تسلط اضواء الاعلام عليهم، لان وزارة الهجرة والمهجرين اعلنت اغلاقه في وقت سابق” بحسب قوله.
ويشير إلى أن “الأوضاع في المخيم مأساوية في ظل غياب المساعدات الحكومية”.
ويزعم عبدالله أن “الحكومة لا تهتم بالنازحين في مخيمات سنجار ودهوك، كما تفعل في مخيم الجدعة”، مبينا أن “النازحين في الجدعة، تسلموا حصصهم من مادة الكاز، فيما لم تصل تلك المساعدات الى نازحي دهوك وسنجار”.
وطالب عبدالله المنظمات والناشطين المعنيين بـ”مباشرة حملات عاجلة تشمل جمع تبرعات وتوزيع مدافئ واغطية ووقود”.
ويشير الى انهم وجهوا مناشدات عديدة الى الحكومة “لكنها لم تستجب لنا”.
مبادرات شبابية طيبة
وفي الاثناء، بادرت مجموعة شباب من العاصمة بغداد الى جمع التبرعات وشراء لوازم وحاجيات ليجري توزيعها على النازحين، لمواجهة موجة الصقيع الحالية. أحد العاملين في هذه الحملة قمندار عباس قال لـ”طريق الشعب”: ان “الشباب اتفقوا على تقديم المساعدات للنازحين بالتزامن مع موجة البرد القاسية التي عمت البلاد”.
وأضاف أن “العمل يجري الان على جمع التبرعات والحصول على موافقات من الحكومة لدخول المخيمات خصوصاً وان بعضها في اقليم كردستان، وقضاء سنجار”.
تجاوز الأزمة؟
من جهتها، تحدثت وزارة الهجرة والمهجرين، عن تجاوز أزمة الثلوج والبرد التي شهدتها مخيمات النازحين الموجودة ضمن حدود اقليم كردستان، وذلك عبر تحرك حكومي ودعم متبرعين لإيصال الاحتياجات الأساسية في مقدمتها الوقود.
وذكر وكيل الوزارة كريم النوري، إن كوادر فروع الوزارة في محافظات دهوك والسليمانية واربيل والموصل تعاطت مع الظروف الاخيرة المتمثلة بالبرد والثلوج التي هطلت على مناطق الاقليم، عبر تشكيل خلايا ازمة.
وشملت الحملة التي شارك فيها متبرعون، بحسب النوري، “توفير الاغطية (البطانيات) والوقود وايصال تلك المواد الى المخيمات”.
ووفقا لإحصائية أعلنتها الهجرة الدولية في تقرير نهاية العام الماضي، فإن أكثر من مليون و200 ألف نازح عراقي، ما زالوا يسكنون في المخيمات، ولم يعودوا إلى مناطقهم.